المناورات العسكرية الإيرانية في الخليج العربي


أولاً: المناورات الإيرانية-الهندية

تقيم إيران منذ صيف عام 2015 عدة مناورات عسكرية في مياه الخليج العربي والمياه المتصلة بها، سواء بشكل منفرد أو بالتشارك مع دول المنطقة، في استعراض عسكري متواصل لمستوى القوة الإيرانية، على ما يشوب هذه المناورات من بروبوغاندا إعلامية، تحاول الإعلاء من قيمتها العسكرية والعملياتية، إلا أنها تبقى في المحصلة أعمالاً تحضيرية لأية مواجهات عسكرية مع دول المنطقة وتحديداً مع دول الخليج العربي، ونخص هنا المواجهة العسكرية مع السعودية، باعتبارها القوة الإقليمية المعادلة لها، والضابطة لمشاريعها التوسعية.

وتشمل البروبوغاندا الإعلامية الإيرانية، تقديم صورة للطرف العربي وللداخل الإيراني، بامتلاك إيران تقنيات عسكرية متقدمة، وقادرة على مواجهته، وأن التصنيع العسكري الإيراني قادر على توفير كل متطلبات الأمن الخارجي الإيراني، إلا أن هذه الصورة النمطية التي يكررها الإعلام الإيراني والإعلام العربي التابع له (تحت إشراف الحرس الثوري)، باتت مكشوف لكل المتابعين عدا عن المختصين والعسكريين والقادة، حيث أن السلاح الإيراني يعاني من نقص شديد في التكنولوجيا الحديثة، منذ عام 1979، وزاد في ذلك العقوبات الأمريكية والغربية والأممية على برامج التسليح الإيرانية، حتى باتت كثير من تلك الأسلحة خارج الخدمة، أو أنها غير صالحة سوى لأغراض التدريب والاستعراض، وهي بحاجة إلى عدة سنوات حتى يمكنها تعويض الترسانة الإيرانية ورفدها بأسلحة حديثة ومتطورة، عدا عن حاجتها لمئات المليارات من الدولارات غير المتوفرة مباشرة، عدا عن ضغط الاقتصاد المحلي الذي بات يرزح تحت كثير من المؤشرات التي تنذر بانهياره في حال تجاهل أولويته على كافة المسائل الأخرى.

ونقصد بهذه الأسلحة، الأسلحة الثقيلة والمتوسطة، في حين باتت الأسلحة الخفيفة متاحة حتى للعصابات المحلية في كل أنحاء العالم، عدا عن أنواع من الأسلحة المتوسطة. وعليه فإن تضخيم حدث المناورات إعلامياً، ونقل رسالة تهديد مبطن لدول المنطقة، هو بعيد عن واقع الجيش الإيراني، وقدراته العملياتية على المستوى الإقليمي.

ونحاول في هذه الورقة تناول هذه المناورات، لناحية حجمها، والدول المشاركة فيها، ومناطق عملياتها، والأسلحة المستخدمة فيها، على أن نقدم في نهاية هذه الورقة، رؤية حول هذه المناورات.

 

 

قدمت وسائل الإعلام العربية بعض الأخبار المقتضبة (لا تتجاوز عدة أسطر) عن مناورة إيرانية-هندية في مياه الخليج العربي في شهر أغسطس 2015، غير أن جميع المصادر الفارسية لم تورد أي نبأ عن تلك المناورات، بل تذهب إلى أن مناورات إيرانية-هندية من الممكن أن تقوم في مياه الخليج العربي في شهر مايو 2016، أو في تاريخ لاحق له في هذا العام، وقد تشترك روسيا في هذه المناورات أيضاً، وذلك وفقاً للأميرال حبيب الله سياري، قائد سلاح البحر في الجيش الإيراني.

 

ثانياً: المناورات الإيرانية العمانية (23 ديسمبر 2015)

تعتبر من المناورات البحرية الإيرانية الصغيرة، التي قامت شرق مضيق باب السلام (هرمز)، بالاشتراك مع سلطنة عمان، وتمثّل هدفها الرئيس في إجراء تدريبات الإمداد والإنقاذ، حيث تم اعتماد أسلوب حرق بعض المجسمات، ومحاولة إنقاذها وإجلاء طاقمها.

شاركت في هذه المناورات 11 قطعة بحرية إيرانية، و1200 من جنود البحرية الإيرانية من الحرس الثوري والجيش الإيراني معاً، فيما شاركت عمان بقطعتين بحريتين فقط.

ومن أبرز القطع العسكرية البحرية الإيرانية التي شاركت فيها إيران:

-      المدمرات: لاوان، دماوند، ألفاند.

-      مروحيات عسكرية.

 

ثالثاً: مناورات اقتدار الولاية (8-10 مارس 2016)

لا تعد هذه المناورات من المناورات البحرية في الخليج العربي، ولكنها تأتي بالتزامن من المناورات الأخرى، وتحديداً مع مناورة (الولاية 94)، تحت شعار "استعراض الاقتدار والأمن في ظل الوحدة والتناغم والتضامن"، حيث ركزت على إجراء مناورات برية باستخدام الصواريخ البالستية قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى في غالبية الأراضي الإيرانية، في حين أطلقت صواريخ من شمال البلاد، لتصيب أهدافاً على السواحل الشرقية الجنوبية في مدينة مكران، أي على بعد 1400 كم، وادعت إيران فيها أنها أجرت تجارب على صاروخ جديد يبلغ مداه 2000 كم. فيما أتت هذه المناورات تحت إشراف الحرس الثوري وبرعاية القائد العام للحرس الثوري محمد علي جعفري، وقائد القوة الجوفضائية العميد أمير علي حاجي زاده.

وقد عمدت إيران إلى كتابة عبارات باللغة العبرية على الصواريخ، تشمل مقولة خميني "إسرائيل جرثومة سرطانية يجب أن تزول من الوجود"، في إشارة إلى أن هذه المناورات والصواريخ موجهة إلى إسرائيل.

فيما يمكن العودة إلى أبحاث سابقة منشورة من قبل مركز المزماة للدراسات والبحوث، حول القدرات الصاروخية الإيرانية.

 

رابعاً: المناورات الإيرانية-الباكستانية (19 إبريل 2016)

صورت وسائل الإعلام الإيرانية والعربية، أن مناورات عسكرية بحرية مشتركة بين إيران وباكستان قامت في مياه الخليج العربي، وتحديداً في مضيق باب السلام (هرمز)، وشرق المضيق، في شهر أبريل 2016. وبمراجعة التصريحات الإيرانية، وتحديداً تصريحات الأميرال حبيب الله سياري، تبين أن قطعتين عسكريتين باكستانيتين مخصصتان للتدريب العسكري فقط، وهما (رهنود، نصرت)، كانتا في مياه الخليج العربي، وتوقفتا في أحد الموانئ الإيرانية للصيانة والتزود بالوقود، ما دفع إيران لإجراء بعض التحركات العسكرية، وبعض التمارين المشتركة معهما، وادعت لاحقاً أنها مناورة عسكرية بحرية إيرانية-باكستانية.

 

خامساً: مناورات الولاية 94 (27-31 يناير 2016)

وهي أضخم المناورات العسكرية في تاريخ البحرية الإيرانية، وتأتي مباشرة عقب توقيع الاتفاق النووي مع القوى الغربية، ما يعطي إيحاء بأنها تمت بموافقة أمريكية من جهة، ورسالة إلى دول المنطقة عن طبيعة العلاقة الجديدة التي تحاول إيران تثبيتها في المنطقة ومع الولايات المتحدة. وخصوصاً أنها أُسبِقت بحدث اعتقال البحارة الأمريكيين من قبل البحرية الإيرانية بأيام.

يأتي اسمها "الولاية 94"، نسبة إلى ولاية خميني من جهة، وإلى عام 1394 شمسي إيراني/2016 ميلادي، حيث انطلقت هذه المناورات بقيادة الجيش الإيراني، وبمشاركة 11 ألف عسكري، واعتبرتها إيران "مناورة بحرية كبرى"، حيث بدأت من سواحل مدينة مكران شرق إيران ومياه شمال المحيط الهندي، عند خط العرض 10 درجات شمالاً، خلال إعلان قائد سلاح البحر في الجيش الإيراني، الأميرال حبيب الله سيراي انطلاقها من على متن المدمرة الإيرانية "جمران".

وقُسِّمت هذه المناورات إلى أربعة مراحل، هي:

-      الانتشار.

-      التكتيكات.

-      إطلاق الصواريخ والطوربيدات.

-      استعراض القدرات.

حيث تحاكي هذه المناورات، اعتراض هجوم بحري لعدو افتراضي، واحتواءه ومنعه من تنفيذ مهماته القتالية باتجاه الشواطئ الإيرانية، ومن ضمن برنامج المناورات، مواجهة عمليات تسلل العدو لسواحل البلاد والتصدي للهجمات البحرية من قبل الوحدات القتالية ومشاة القوة البحرية التابعة للجيش، كما تعتمد المناورة على تكتيكات تستند إلى السرعة والمباغتة والضرب من بعيد، وتستخدم الزوارق السريعة الصغيرة.

 

وامتدت على مساحة تقدر بـ 3 مليون كم2، لتشمل المياه التالية:

-      شرق مضيق باب السلام (هرمز).

-      بحر عمان.

-      المياه الحرة من خليج عدن.

-      شمال المحيط الهندي.

 

فيما استخدمت فيها الأسلحة والقوات التالية:

-      المدمرات.

-      سفن الإمداد اللوجستي.

-      السفن القاذفة للصواريخ.

-      غواصات من نوعي "غدير" و"طارق".

-      وحدات بحرية تابعة للجيش الإيراني.

-      غواصون متخصصون في زرع الألغام المائية.

-      مشاة بحرية.

-      مروحيات عسكرية.

-      راجمات صواريخ.

-      صواريخ مضادة للسفن (بر-بحر/ بحر-بحر).

-      زوارق الهجوم السريعة.

-      قوات كوماندس.

-      وحدات الحروب الإلكترونية والاستخباراتية.

-      وحدات صحية عسكرية.

 

وشملت أهدافها المعلنة من قبل الجانب الإيراني:

-      "تأمين المنطقة الاستراتيجية بشكل كامل.

-      تقييم القدرات البحرية في الحفاظ على الاستتباب الأمني.

-      رسالة سلام وصداقة لدول المنطقة.

-      استعراض القدرات البحرية (سفن وغواصات)، والقدرات الجوية (طائرات ومروحيات عسكرية، وطائرات بدون طيار)، في مواجهة التهديدات الأجنبية.

-      تدريب الوحدات الموجودة في المياه الجنوبية للبلاد.

-      تحقيق الاستقرار في البحار.

-      الدفاع عن الحدود البحرية للبلاد في مضيق هرمز وخليج عمان وشمالي المحيط الهندي".

 

وكسواها من المناورات العسكرية، عمدت القوات الإيرانية إلى استخدام مجسمات بحرية "للعدو"، وتدميرها أو الاستيلاء عليها. إضافة إلى مناورات تحاكي نماذج إغلاق مضيق باب السلام "هرمز"، والتحكم بحركة المرور فيه.

إلا أن أبرز وأهم جزء من هذه المناورات، هو العمليات التي تمت شرق بحر عمان وشرق مضيق باب السلام "هرمز" والسواحل الإيرانية الغربية، حيث شهدت هذه المنطقة كثافة المناورات والتدريبات الإيرانية، وأبرز الأسلحة التي تمّ استخدامها في هذه المناورة وفقاً للمصادر الفارسية، هي:

-      المدمرات: البرز، سبلان، نقدي، بوشهر.

-      سفن الإمداد اللوجستي: تونب، لاوان، كلاس دلفار، شارك، سرو، ديلم.

-      ناقلات عسكرية بحرية: كلاس بيكان، قاردونا، فلاخن، كمان، زوبين، خدنق، شمشير، تبرزين، نيزيه خنجر.

-      أضافة إلى الناقلات العسكرية البحرية: بهرقان، قواتر، قناوة، كنارك، رستمي، نايبند، كلات، مقام.

-      فرقاطات: كلاس نصر (نصر، فجر)، كلاس نور (نور، نجم، شمس)، كلاس غدير.

-      غواصة يونس.

-      زوارق عسكرية: آزرخش، قولف، شهاب، عاشورا، رعد.

-      طوربيدات: BH7 (105-107).

-      مروحيات عسكرية: IB، SH، RH.

-      طائرات حربية: F4، فالكون TSF، F27.

-      المدمرة جمران التي كانت تقود المناورات.

-      كما تم استعراض الصواريخ الإيرانية، من خلال إطلاق صاروخي (نور، نصر)، وهما من فئات الصاروخ البحري الأمريكي (كروز)، وذلك على سواحل مدينة مكران شرق إيران.

-      بالإضافة إلى استعراض بعض الطائرات بدون طيار، صغيرة الحجم، والتي استخدمت غالباً في التقاط صور لتلك المناورات.

 

وفي اليوم الأخير من هذه المناورات (31/1/2016)، تم تقديم استعراض بحري، شارك فيه بعض القطع البحرية والغواصات، وهي:

-      90 قطعة بحرية سطحية.

-      13 قطعة بحرية تحت سطحية (غواصات): من أبرزها مجموعة غدير (قطع خفيفة)، وغواصة طارق.

-      17 قطعة من سلاح الطيران (مروحيات وطائرات مقاتلة).

-      20 طائرة بدون طيار.

 

سادساً: أبعاد المناورات الإيرانية الجديدة:

وذلك تحت إشراف الجيش الإيراني والحرس الثوري، وحضر الاستعراض ضيوف من 12 دولة، ومسؤولون وقادة عسكريون إيرانيون، من أبرزهم:

-      سيد حسن فيروز أبادي، رئيس هيئة أركان القوات المسلحة.

-      عطا الله صالحي، قائد الجيش الإيراني.

وقد طُلِب من السفن "الأجنبية/ الأمريكية" مغادرة منطقة المناورات، وهو ما اعتبره الإعلام الإيراني توجيه إنذار للأسطول الأمريكي (سفينة حربية ومقاتلتين) في الخليج العربي، في حين أكد المسؤولون العسكريون الأمريكيون أن ابتعاد أسطولهم عن منطقة المناورات هو أمر روتيني تتخذه جميع الدول في مثل هذه الحالات، بل وإن الولايات المتحدة ذاتها تطلب من جميع الأساطيل مغادرة مناطق مناوراتها، سواء في الخليج العربي أو في مناطق أخرى، وأنّ ابتعادها عن منطقة المناورات الإيرانية جاء تحاشياً لأي إصابات قد تطال الأسطول الأمريكي نتيجة تلك المناورات.

ووفقاً للمتحدث باسم الأسطول الأمريكي الخامس، الكوماندر كيفين ستيفنز، فإن هذه المناورات هي "تدريب روتيني عسكري، تقوده البحرية الإيرانية كل عام، والبحرية الأمريكية على علم تام به، ولا تعتبر الولايات المتحدة أن هذه المناورات هي تغيير في سلوك طهران في المنطقة، أو أنها مصدر قلق".

 

إن لهذه المناورات عدة أبعاد يمكن تقسيمها إلى ثلاثة محاور رئيسة، وهي:

أولاً- على المستوى الدولي:

-      تأتي هذه المناورات عقب الاتفاق النووي، في محاولة اختبار التوجهات الدولية تجاه الحراك العسكري والتمدد الإيراني في الشرق الأوسط، ومستوى القدرة الدولية في الضغط على البرنامج التسليحي الإيراني، عقب تلك المفاوضات.

-      محاولة إظهار أن لدى إيران من القوة العسكرية ما يفوق الاتفاق النووي. وبالتالي القدرة على العمل العسكري في المنطقة، أو ربما حتى تقديم مصالح للأطراف الدولية، في استعادة لوظيفية إيران الشاه (شرطي المنطقة).

-      إلا أن الزج باسم دول من مثيل الهند وباكستان وروسيا في هذه المناورات، يأتي في محاولة إسباغ شرعية إقليمية ودولية على الحراك العسكري الإيراني، وهذا غير دقيق وفق المعطيات الدولية. إذ إن التحالفات الدولية في المنطقة (الشرق الأوسط ووسط وجنوب آسيا)، هي غالباً تحالفات تتقاطع مع الولايات المتحدة والمعسكر الغربي، وإن كانت باكستان قد شهدت فترة مراجعة لتلك التحالفات، نتيجة تعزيز العلاقات الأمريكية-الهندية، فيما عمدت باكستان إلى موازنة ذلك بتعزيز تحالفها مع الصين، حين أعلن رئيس الوزراء الباكستاني عام 2015 أن علاقة بلاده مع الصين هي "أعلى من أعلى قمة، وأعمق من أعمق بحر، وأحلى من أحلى عسل"، إلا أن ذلك لا يعني بأي شكل من الأشكال، بناء تحالف عسكري بين إيران وباكستان، إذ تعوقه عدة أمور، منها: أن باكستان دولة نووية محسوبة على العالم الإسلامي السني، عدا عن طبيعة علاقتها التحالفية التاريخية مع الولايات المتحدة، يضاف إلى ذلك طبيعة العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية وحتى المجتمعية بين باكستان وجميع دول الخليج العربي، بما يشكل امتداداً استراتيجياً متمماً لبعض.

-      وعليه، فإن كانت التحالفات في هذه المناطق، تتعرض لشيء من المراجعة أو التغيير، فهي حتماً لا تصب وفق المسار الحالي لصالح إيران، عدا عن أن التوجه الأمريكي باتجاه التصالح مع إيران فترة أوباما، غير مستقر تماماً بعد، بل هو الآخر قيد انتظار متغير رئيس في الداخل الأمريكي، ونعني به رحيل أوباما، وتسلم رئيس جديد باستراتيجية دولية جديدة.

-      يضاف إلى ذلك، طبيعة العلاقات الخليجية-الروسية، التي شهدت تقارباً في الآونة الأخيرة، أثمرت عن انسحاب روسيا العسكري من سورية، نتيجة الضغوط الخليجية بشكل رئيس، في مقابل ترسيخ نمط مشترك لتبادل المصالح في المنطقة، وأية مناورات روسية-إيرانية في مياه الخليج العربي، ربما تحمل معها رسائل تضاد المسار الجديد بين دول الخليج العربي وروسيا، في وقت هي أحوج ما تكون فيه للتنسيق مع هذه الدول، سواء في القضايا الاقتصادية والنفطية، أو على المستوى الأمني ومحاربة الإرهاب في المنطقة.

 

ثانياً- على المستوى الإقليمي:

-      تحاول إيران تأكيد حضورها الإقليمي العسكري الاحتلالي في عدة دول عربية (العراق، سورية، اليمن)، ورفده بصورة القوة الإقليمية القادرة على التحرك في كافة ممرات المنطقة، وهي محاولة لإسناد أتباعها نفسياً.

-      كما أتت غالبية هذه المناورات، وتحديداً مناورة ولاية 94، استباقاً لمناورة رعد الشمال، في محاولة خلق توزان مناورات في المنطقة، وخصوصاً بعد بناء تحالفين عربيين-إسلاميين (عاصفة الحزم، والتحالف الإسلامي)، وجّها خسائر حقيقية للمشروع الاحتلالي الإيراني في المنطقة، وعليه تحاول إيران من خلال هذه المناورات إثبات فعاليتها العملياتية في مواجهة تحالفات المنطقة.

-      كما أنها تأتي في محاولة توظيف أسلوب التخويف والردع لدول الخليج العربي، وهو الأسلوب المعتاد طيلة العقود الخمينية الأربعة الماضية في تاريخ إيران، على أن هذه الآلية ما عادت ذات نفع يذكر بعد تكشف حقيقية التسليح الإيراني من جهة، وبعد تعزيز القدرات الدفاعية لدول الخليج العربي من جهة ثانية، وبما يتفوق بأشواط عدة على القدرات الإيرانية.

-      كما أن إيران تعاني من عدة أزمات داخلية، وخاصة في المجالات الاقتصادية والمعاشية، في حين قدمت وعوداً لم تكن قادرة على الإيفاء بها، بتحسن الأوضاع الداخلية عقب توقيع الاتفاق النووي، سواء نتيجة انهيار أسعار النفط من جهة، أو نتيجة تضخيم تلك العوائد إعلامياً، أو نتيجة عوامل داخلية منها الفساد ومستوى الإنهاك الداخلي وسواها. ووفق ذلك، وفي حين أن النظام الإيراني لم يُسجَّل له طيلة العقود الأربعة الماضية، أية إدارة إيجابية لأزماته الداخلية، فلربما تأتي هذه المناورات في محاولة للضغط على المحيط الخارجي، سواء في مجال أسعار النفط أو توزيع المصالح الإقليمية.

-      بل ولربما بغية التحضير لإحداث أزمة في منطقة الخليج العربي، كأسلوب إدارة لأزماته الداخلية (الإدارة بالأزمة)، ما يدفع سوق النفط العالمي (وهو سوق بالغ الحساسية) إلى التأثر بتلك الأزمة، ما يقود بالنتيجة إلى رفع أسعار النفط، إلى المستويات التي يتطلع إليها النظام الإيراني.

 

ثالثاً- على المستوى الداخلي:

-      تنساق الآليات السابقة على المستوى الداخلي، لتأتي هذه المناورات، كإشغال للرأي العام الداخلي، بمستوى القدرات والتسليح الإيراني، عن الأزمات الاقتصادية والمعاشية الملحة، (الإدارة بالأزمة/ تصدير الأزمة)، بالتزامن مع الإيحاء بأن هذه المناورات موجهة نحو "العدو/إسرائيل"، الذي يرفض نتائج الاتفاق النووي ويسعى إلى عرقلة المصالح الإيرانية.

-      كما تأتي هذه المناورات لحصد تأييد داخلي نحو صرف عوائد الاتفاق النووي، أو الجزء الأكبر منها على برنامج التسليح الإيراني، عوضاً عن تحويلها نحو الاقتصاد الداخلي.

-      وما يؤكد هاتين النقطتين، أن وسائل الإعلام الإيرانية، خصصت حيزاً كبيراً للمناورات باللغة الفارسية، في حين لم تعطِ للموضوع ذات الأهمية باللغة العربية في مواقعها. وهي ما يجعلنا نذهب إلى أن الرسالة الرئيسة للمناورات تلك، هي للداخل الإيراني.

 

وختاماً:

لابد من التذكير بأن السياسات الإيرانية منذ عام 1979 هي سياسة هجومية، بغض النظر عن حجم الخسائر التي تتكبدها، حيث تقوم استراتيجيتها على مبدأ الحشد البشري، رغم أنها خسرت مئات الآلاف من أتباعها طيلة العقود الأربعة الماضية. وقد تعزّزت هذه الاستراتيجية على مرحلتين، الأولى عقب احتلال العراق ومنذ عام 2003، والثانية عقب الثورات العربية ومنذ عام 2011، ما يقودنا إلى نتيجة أخرى، وهي أن القدرات العسكرية الإيرانية قائمة بالأساس على الكم البشري المرفوق بالسلاح الخفيف والمتوسط، وليس على العتاد العسكري الثقيل أو التقنية العسكرية العالية، وهنا تغدو الخسائر مقبولة مهما كانت، وعليه فإن احتمال توسيع المغامرات العسكرية الإيرانية في المنطقة يبقى قائماً، طالما أنها قادرة على الحشد (التعبئة الجماهيرية) وتحمل الخسائر معاً. وهنا تأتي هذه المناورات كآلية من آليات التعبئة الجماهيرية في حال الحاجة إليها لاحقاً.

 

عبد القادر نعناع وجمال عبيدي