كوسوفو: البنية السياسية والاقتصادية والتهديدات الأمنية

 

 


أولاً- البنية السياسية:

أ‌-      مؤشّرات

شكل رقم (1)


 

شكل رقم (2)


 

شكل رقم (3)


ب‌- ملاحظات:

-      تشهد الدولة تقدّماً ملحوظاً في مؤشّرات الحريات (حرة جزئياً)، وتقدّماً بسيطاً في مؤشّر البيئة القانونية والسياسية والاقتصادية.

-      غير أنّها لا تشهد إحراز تقدّم في مؤشّرات الحقوق القانونية والعدالة الاجتماعية واستقلال القضاء.

-      شهد مؤشّر الديمقراطية تراجعاً في السنوات اللاحقة للاستقلال، غير أنّه عاد للتحسن.

-      يُلاحظ اهتمام الدولة بصرف المزيد على تحسين قدراتها التسليحية، وهو يأتي ضمن اتجاه مزيد من تأكيد الاستقلال، ولا يحمل طابعاً عدوانياً تجاه دول الجوار.

-      في محاولة الحكومة تبيئة المجال لعمليات الاندماج المجتمعي، لجأت إلى اعتماد دستور علماني لا يحدّد ديناً للدولة، كما أنّها أطلقت حرية التعبد، وتتعامل مع الأقلية الصربية بشكل جيد (تخضع هذه الأقلية لمراقبة وحماية وإشراف قوات حفظ السلام).

-      ما يزال الفساد هو العقبة الأكبر في بنية الدولة، حيث تشهد كوسوفو مزيداً من الانحدار في هذا المؤشّر. فيما نشر حلف الناتو تقريراً استخباراتياً عام 2014، يتّهم فيه الحزب الديمقراطي الكوسوفي، برئاسة رئيس الوزراء السابق هاشم ثاتشي –الرئيس الحالي- بتشكيل "دولة مافيات سياسية".

 

ج‌-   الأزمة بين الحكومة والمعارضة (تحدي الاضطراب السياسي):

يبرز أمام الحكومة تحدّي الاضطرابات المجتمعية، حيث أنّ عوامل الفقر والفساد والأمية، تُشكِّل مؤشّرات إلى تعزيز استمرار حدوث اضطرابات مجتمعية في المستقبل، ما لم يتمّ العمل على تحسين أداء الحكومة. وفي حال إخفاق الحكومة في ذلك، قد يشهد المجتمع أحد اتجاهين، حسب درجة الوعي المجتمعي:

-      اضطرابات على شكل ارتفاع مؤشّرات الجريمة غير المنظّمة/الفردية (السرقة، القتل، الدعارة، ...). رغم أن هناك توجهاً حكومياً لمعالجة ذلك، حيث تُظهِر مؤشرات البنك الدولي، تراجعاً كبيراً في مؤشّر جرائم القتل على سبيل المثال:

شكل رقم (4) 


-      أمّا الشكل الآخر، فيتجلى عبر اضطرابات على شكل ثورة/احتجاجات، بمعنى السعي إلى الإطاحة بالنظام السياسة/الحكومة لصالح نظام آخر/حكومة أخرى، وهو الاتجاه المتّسع لدى المعارضة وقاعدتها الشعبية منذ عام 2015. حيث توظِّف المعارضة قضايا الفساد والقضايا القومية بغية إنجاح مساعيها.

إذ تسعى المعارضة بزعامة حزب فيتيفندوسي إلى عرقلة كافة مساعي البرلمان الرامية إلى إقرار الاتفاقية التي تمّ توقيعها عام 2015: وتقضي بإنشاء روابط وجمعيات في البلديات ذات الغالبية الصربية داخل كوسوفو، بالإضافة إلى عملية ترسيم الحدود مع جمهورية الجبل الأسود. وتستخدم المعارضة العنف ضدّ مؤسسات الدولة خلال 2015-2016. وحيث أقرت المحكمة الدستورية العليا عدم دستورية جزء من تلك الاتفاقية، فإنّ ذلك أعطى زخماً وشعبية أكبر للمعارضة، مترافقاً مع نزعة قومية يمينية جديدة منذ نهاية عام 2015، وشهدت الدولة تصاعد أعمال التظاهر والعنف في الآونة الآخرة، للمطالبة بإسقاط الحكومة. وقد تؤدّي نشاطات المعارضة في حال لم يتم حلّ الأزمة القائمة، إلى:

-      إسقاط الحكومة الحالية (بما فيها الوزارة والبرلمان وربما الرئاسة).

-      إسقاط الاتفاقيات الموقّعة مع صرب كوسوفو، ومع جمهوريتي صربيا والجبل الأسود.

 

د‌-    تحديات سياسية أخرى: وتبرز من خلال:

-      عدم اعتراف صربيا باستقلال كوسوفو، والتعامل معها باعتبارها حكومة محلية.

-      الحاجة إلى تحقيق المزيد من الاعتراف الدولي بالدولة، والانضمام إلى مزيد من المنظّمات الدولية.

-      ضغط أوروبا والولايات المتحدة لمنح مزيد من الحقوق للأقلية الصربية، وتعزيز حكمها الذاتي، وخصوصاً أنّ هناك أطرافاً في هذه الأقلية ما تزال ترفض استقلال كوسوفو.

-      تمّ في شهر يناير/كانون الثاني 2016، تشكيل محكمة خاصة في لاهاي، للكشف عن المسؤولين عن جرائم الحرب التي ارتكبها جيش تحرير كوسوفو، وحيث أنّ بعض من سيتمّ اتهامهم قد يكونون "أبطالاً" محليين أو مسؤولين سياسيين، فإنّ كوسوفو قد تشهد مزيداً من الاضطرابات الداخلية، وتصاعداً في النزعة القومية.

-      التنافس السياسي الداخلي/الحزبي، وبروز توجّه جديد في توظيف الإسلام (الإسلام السياسي) في المعارك الانتخابية.

-      يبرز تحدٍّ داخلي آخر، عبر محاولات إدراج التعليم الديني في المدراس، وتعزيز موقع تيار الإسلام السياسي، ما قد يؤدي إلى تقويض المبادئ العلمانية وتشجيع حالات التطرف الديني فيها.

 

د‌-    آفاق سياسية:

-      تشهد العلاقة بين كوسوفو وصربيا تحسّناً مضطرداً بين الطرفين منذ توقيع اتفاقية عام 2013، واتفاقية عام 2015، واللتان نصّتا على تعاون بين الطرفين في مجالات الاتصالات والطاقة والمعابر الحدودية، وتعاون في مجال إقامة نظام قضائي يساعد شمال كوسوفو على الحكم الذاتي. وذلك يعني اعترافاً بأنّ صرب شمال كوسوفو جزء من الدولة الكوسوفية. وقد أقرّت صربيا من خلال هذا الاتفاق حقّ حكومة كوسوفو بممارسة سلطة إدارية على إقليم كوسوفو باعتبارها حكومة شرعية، بما يتضمّن الاعتراف بالحدود بين الجانبين، دون الاعتراف بالاستقلال.

-      هناك تطلّع صربي للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وهو ما يدفع الحكومة الصربية إلى التعاون مع الاتحاد الأوروبي فيما يخصّ كوسوفو، أي أنّ نهجاً براغماتياً (تنحية النهج العرقي السابق) بات يسيطر على الحكومة الصربية، ما يساعد في تحقيق مزيد من الاستقرار في المنطقة.

-      وطالما أنّ الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي يشكّل حافزاً لدول البلقان، فإنّها ستعمل على تطوير بنياتها الداخلية وعلاقاتها البينية، لكن في حال انخفضت تلك الجاذبية، أو ازدادت حدّة أزمات الاتحاد الأوروبي في المستقبل، فإنّ فرص التدخل الخارجي (تركيا وروسيا) ربما تزداد، وتؤدي إلى تصعيد النزعات الإثنية مرة أخرى.

-      أبرز القوى التي تتدخّل في شؤون دول البلقان، هي روسيا وتركيا على أسس إثنية (دينية وعرقية)، عدا عن أنّ هناك استقطاباً إثنياً بين ألبانيا وصربيا. حيث تشكّل كوسوفو قضية لتوحيد الشعور القومي الألباني في عموم البلقان. ويرتبط مستقبل هذا الشعور بمدى إنجاز بنية تشاركية في المنطقة، وقدرة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على ربط المنطقة بعموم أوروبا.

-      تحاول تركيا جعل كوسوفو منطقة نفوذ جديد لها (على أساس ديني وتاريخي)، خصوصاً عقب توقيع اتفاق إعفاء من نظام تأشيرة الدخول بين البلدين عام 2009. كما تحاول توظيف الأقلية التركية (1%)، وانتشار اللغة التركية في بعض أجزاء كوسوفو كلغة رسمية في المؤسسات الحكومية. غير أنّ هذه المحاولات التركية لم تستطع تحقيق الكثير، خصوصاً عقب رفض الحكومة الكوسوفية طلباً تركياً بمعاقبة أحد كبار الصحفيين الذين أيدوا الانقلاب العسكري في شهر يوليو/تموز 2016.

-      ويبقى تعزيز الاستقرار وتوسيعه في منطقة البلقان، رهناً بمتغيرات النظام الدولي، حيث أنّ تراجع قدرة الولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية على القيام بأدوار فاعلة، سيؤدي إلى مزيد من الدور الروسي -الرافض في الأصل لتفكيك يوغسلافيا-، وقد يعمد إلى إسناد التطلعات الصربية في إعادة بناء ما يتم المطالبة به (صربيا الكبرى).

ثانياً- البنية الاقتصادية:

أ‌-      مؤشّرات البنك الدولي:

شكل رقم (5)


ب‌- مؤشّرات أخرى:

-      تبلغ نسبة السكان تحت سن 25 سنة، قرابة 50% من المجتمع.

-      نصف السكان تحت سن 30 سنة، عاطل عن العمل.

-      تتراوح نسبة البطالة 40-50%، وهي الأعلى في كامل أوروبا.

-      يُضاف كل عام إلى السوق الكوسوفية، قرابة 30 ألف باحث جديد عن العمل، يجد منهم 8000 فقط فرصة عمل.

-      على كوسوفو أن تحقِّق نسبة نمو تتجاوز 8% سنوياً، طيلة الأعوام القادمة، حتى يمكنها استيعاب حجم البطالة المتزايدة. فيما حقّقت عام 2013 نسبة نمو 3%. وفي مطلع عام 2016 بلغ بحدود 3.8%، فيما اتسمت طيلة الفترة اللاحقة للاستقلال بمعدل وسطي بحدود 5%.

-      تحتاج كوسوفو لثلاثة عقود حتى تلحق بالمستوى الاقتصادي الكرواتي.

-      تحتاج كوسوفو ستة عقود حتى تلحق بمستوى دولة أوروبية متوسطة الاقتصاد.

-      من أبرز ثروات كوسوفو: الزراعة، الفحم الحجري، مناجم المعادن، مناجم الرخام، صناعة الخشب.

-      70% من السكان يعيشون على دخل بحدود 3 دولار في اليوم. و50% من السكان يعيشون على دخل بحدود 2 دولار في اليوم. و33% من السكان يعيشون على دخل بحدود 1 دولار في اليوم.

ج‌-   ملاحظات حول البنية الاقتصادية:

-      لم تخرج كوسوفو بعد من آثار فترة التهميش الاقتصادي، التي عانتها في ظلّ الاتحاد اليوغسلافي وأثناء نزاعات تسعينيات القرن العشرين، ويظهر ذلك من استمرارها في موقع متدنٍ اقتصادياً مقارنة بكافة دول البلقان المنفصلة عن يوغسلافيا. حيث كانت عام 1999، أقل المناطق تنمية من باقي أجزاء يوغسلافيا.

-      أثرت الأزمة المالية العالمية منذ عام 2008، في القدرة على تحسين مستوى الاقتصاد الكوسوفي، وما تزال بعض آثاره قائمة (مؤشر تراجع النمو).

-      من الملاحظ، أنّ الاقتصاد الكوسوفي ما زال غير مستقر، بمعنى أنّ مؤشراته تتراوح صعوداً وهبوطاً، غير أنّه يتّسم بشكل عام، بأنّه يحقق مزيداً من التحسن، وإن كان ما زال مقيداً، نتيجة حداثة الدولة.

-      إنّ أبرز ما يعيق تحقيق تنمية شاملة، ومنها كذلك تحقيق نمو اقتصادي مضطرد، هو مستويات الفساد العالية مع انخفاض قيمة القانون (المؤشرات السياسية).

-      أدى الفساد إلى تقيد الاستثمار الأجنبي، نتيجة خشية المستثمرين الأجانب على مشاريعهم من جهة، ولتعدّد الجهات المتلقية للرشوة من جهة أخرى، ونتيجة غياب قوانين استثمارية حمائية، وقد أبدى مستثمرون بريطانيون وأمريكيون امتعاضهم من قضايا الفساد، عدا عن انسحاب مستثمرين آخرين.

-      يعتمد دخل الدولة بشكل رئيس على الضرائب والجمارك، والصادرات الزراعية، والمعونات الأوروبية والخليجية (الإمارات والسعودية وقطر والكويت)، وتحويلات العمالة الكوسوفية خارج البلاد.

-      تمتلك كوسوفو أحد أهم مناجم المعادن في أوروبا، وخصوصاً في شمالها في منطقة Trepca، والتي كانت تغطي 70% من الدخل القومي. غير أنّ الإنتاج متعطّل فيها منذ عام 1999، ووفقاً لبعض التقديرات فإنّ هذه المناجم تحتاج إلى استثمارات أجنبية بقيمة 650 مليون دولار لإعادة تأهيليها، غير أنّها تصطدم بعاملين يعيقان ذلك: الفساد، والمشاكل غير المنجزة مع الإقليم الشمالي الصربي ذي الحكم الذاتي.

-      عدا عن مناجم الرخام في الجنوب الغربي، التي تضم 240 مليون متر مكعب من الرخام عالي الجودة.

-      من المعوّقات الاقتصادية الأخرى: انقطاع التيار الكهربائي المتكرر، وتخلّف الإدارة، والتهرب الضريبي الواسع، وارتفاع معدلات الفائدة على قروض البنوك، والتمييز في الوظائف حسب العرق والجنس، وتدني مستوى الكفاءات المحلية (غالبيتها كفاءات غير متعلمة وغير مدربة).

-      من التحديات، هجرة الشباب الواسعة إلى أوروبا، بحثاً عن فرص العمل (غالباً أعمال يدوية ومهن ذات دخل متدن)، حيث كان 40% من المهاجرين غير الشرعيين إلى أوروبا من كوسوفو عام 2014.

د‌-    آفاق اقتصادية:

-      تشهد كوسوفو مساعٍ وضغوطاً أوروبية لإحداث إصلاح سياسي يكافح الفساد ويرسخ البينة القانونية فيها، وهو من المتوقع أن يؤثر في السنوات القادمة بشكل إيجابي في البينة الاقتصادية، غير أنه يبقى رهناً لإرادة النخب السياسية.

-      تمّ إنجاز إطار العمل التشريعي لكوسوفو، والذي تمّت صياغته وفق معايير الاتحاد الأوروبي، ومن المتوقع أن يؤثر إيجابياً في البنية الاقتصادية.

-      كما تسعى كوسوفو إلى إحداث مزيد من التصالح مع صربيا، من خلال توسيع الاتفاقيات الثنائية بين الجانبين، وهو ما يمهّد لإحداث استقرار أكبر في عموم كوسوفو، وفي شمالها بشكل خاص، عدا عن أثره في إحداث مزيد من الاستقرار في منطقة البلقان، ما يشجّع الاستثمار الأجنبي.

-      حيث كانت كوسوفو الأقل تنمية في العهد اليوغسلافي، فإنّه من الطبيعي أن تشهد السنوات الأولى من الاستقلال اضطرابات سياسية واقتصادية وأمنية، لكن مع ترسيخ الاستقلال ومؤسسات الدولة، من المتوقع لاحقاً أن يؤدي ذلك إلى تحسّن في مؤشراتها الاقتصادية والأمنية (وهو نمط شهدته كثير من دول العالم الثالث).

-      تحتاج كوسوفو إلى دور خارجي محفّز للإسراع في إصلاحاتها السياسية، ويقع العبء الأكبر على دول الاتحاد الأوروبي.

-      ما تزال كوسوفو تشكل بيئة (خاماً) للاستثمارات الخارجية، بشرط معالجة الاختلالات السابقة.

-      ارتفع مركز كوسوفو من 126 إلى 98 في استطلاع رأي حول تسهيل الأعمال أجراه البنك الدولي في أكتوبر/تشرين الأول 2012، لكنها تحتاج إلى مزيد من العمل على ذلك.

-      تسعى ألبانيا إلى الاستثمار في مجال الطرق والنقل، وتسعى سويسرا إلى الاستثمار في مجال السياحة، حيث تعتبر كوسوفو من أكثر المناطق جذباً للسياح في حال توفير البنى اللازمة لذلك، عدا عن التعاون الاقتصادي والاستثماري مع صربيا. وهو ما يشكِّل عاملاً محفزاً للحكومة الكوسوفية لتهيئة البيئة اللازمة لجذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية.

-      تشهد الدولة مزيداً من أعمال البناء، ما سيؤدّي إلى رفع معدل النمو الاقتصادي بشكل ملموس قريباً.

-      تم طرح مشروع (يوغوسفير) من قبل أطراف أوروبية (حكومات وباحثين واقتصاديين)، يهدف إلى إحداث تعاون وتطوير لمشاريع مشتركة بين دول البلقان لبناء سوق إقليمية، وما زال هذا المشروع قيد الانتظار.

ثالثاً- التهديدات الأمنية:

أ‌-      التهديد الإرهابي:

يبرز من خلال امتداد تنظيم القاعدة، ومن ثمّ تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام-داعش، إلى عموم المنطقة، حتى غدت منبعاً جديداً لتجنيد المتطرفين، حيث انضم إلى داعش قرابة 200-350 كوسوفي، وما زالت كوسوفو –وعموم البلقان- تشهد دعاية جهادية من قبل التنظيم. ووفق مركز دراسات الأمن في كوسوفو، فإنّ كوسوفو تحتلّ المرتبة الأولى في أعدا المقاتلين المنضمين إلى هذه التنظيمات بين دول منطقة البلقان. عدا عن معلومات تشير إلى وجود خمسة مراكز عسكرية لتدريب مقاتلي التنظيم في كوسوفو قبل التحاقهم بالشرق الأوسط.

ويعود انتشار دعوة التنظيمات الجهادية في كوسوفو والبلقان، لعدّة أسباب، أهمها:

-      مشاركة جهاديين في حروب المنطقة في تسعينيات القرن العشرين، واستقرار قسم منهم في الدول ذات الغالبية المسلمة، واشتغالهم على نشر الدعوة الجهادية.

-      الإحساس بالمظلومية التاريخية-الدينية ما زال قائماً لدى مسلمي المنطقة، وهو ما يسهّل عملية تجنيد الشباب. وخصوصاً أنّ التنظيمات الجهادية تصوّر الوضع في العراق وسورية على أنّه مشابه لما تمّ في منطقة البلقان بحقّ المسلمين، لإثارة حماسة الشباب لنصرة "المسلمين المضطهدين" في الشرق الأوسط. وقد لوحظ أنّ 70% من الملتحقين بداعش من هذه المنطقة، قد التحقوا أولاً بجبهة النصرة، قبل أن يتحوّلوا عنها نحو داعش. (يعتبر السبب الأهم)

-      المستويات الاقتصادية المتدنية جداً (الفقر والبطالة)، وخصوصاً بين الشباب.

-      انخفاض مستوى الوعي والتعليم، نتيجة الاضطرابات السابقة، ما شكّل جيلاً يعاني كثير منه من مستويات أمية مرتفعة، تسهّل تجنيدهم.

-      هناك اتهامات لجماعات دعوية (وهابية/سعودية) غير رسمية، بتمويل وتشجيع الشباب الكوسوفي بشكل خاص، والمسلم في البلقان بشكل عام بالانضمام إلى هذه التنظيمات.

-      وهناك اتهامات لنفوذ وأموال عربية وتواطئ أمريكي في ذلك.

-      وأيضاً تطال الاتهامات إيران، ففي شهر يوليو/تموز 2016، تمّ إلقاء القبض على متّهم إيراني الجنسية بتلقي أموال من جهات خارجية بهدف التبييض وتمويل أربع منظمات إرهابية.

وهو ما شجّع المتطرفين الصرب على الربط بين المسلمين في المنطقة والإرهاب (تنظيم القاعدة) في أوروبا، ضاغطين باتجاه عدم توسيع الاعتراف الدولي بكوسوفو، حتى لا تتحوّل إلى "بؤرة إرهابية" داخل أوروبا.

في المقابل، تشتغل الحكومة على محاصرة هذه الدعوات، من خلال:

-      إقامة تنسيق استخباراتي مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بخصوص الخلايا الإرهابية النائمة.

-      2016: سنّ قانون يعاقب كل مواطن يلتحق بتنظيمات الجهاد العالمي، بالسجن لمدة 15 عاماً.

-      تنظيم حملات اعتقالات للمشتبه بهم، وتوقيف أئمة مساجد ودعاة، وإغلاق مؤسسات دينية.

 

ب‌- تهديد الجريمة المنظّمة:

وهو تهديد يطال كوسوفو وعموم منطقة البلقان، حيث تعتبر كوسوفو أحد المعابر الرئيسة لتجارة: المخدرات، والأعضاء البشرية، والنساء، والسلاح، والوقود المهرّب، بين شرق أوروبا وغربها. وتعتمد عصابات الجريمة المنظّمة على ضعف البنية القانونية من جهة، وعلى المستويات الاقتصادية المتدنية، في كوسوفو. ويحتاج القضاء عليها –أو الحدّ من نشاطها- تعاوناً بين كافة دول المنطقة.

 

ج‌-   التهديد الإثني:

ويشمل عموم منطقة البلقان، وخصوصاً بين إثنيّات الألبان-البوشناق/المسلمة والسلاف/المسيحية، حيث أنّ عوامل هذا التحدي، ما تزال قائمة، وأبرزها:

-      اعتماد صربيا آلية إقامة/دعم أقليات صربية داخل الدول المستحدثة (كوسوفو، البوسنة، بشكل رئيس)، ما يشكّل عامل توتر داخل هذه الدول بين الأقلية الصربية المسيحية والأغلبية المسلمة، ومن الملاحظ أنّه ذات النهج الروسي في دول الجوار.

-      التهميش السياسي والاقتصادي للأقلية المسلمة في صربيا.

-      عدم إتمام عملية معالجة آثار حروب التسعينيات، سواء فيما يتعلق بإتمام المحاكمات، أو إتمام عملية الاندماج الاجتماعي في عموم دول البلقان.

-      استمرار ظهور تصريحات وحركات اجتماعية عنصرية إثنية لدى الطرفين، ومنها:

o     اعتبر صرب كوسوفو أنّ اتفاق عام 2013 خيانة عظمى لهم.

o     رفض متطرفون ألبان في كوسوفو اتفاق عام 2013، مطالبين الانضمام إلى ألبانيا.

-      أدى صعود اليمين القومي في صربيا إلى الواجهة السياسية منذ مطلع عام 2016، إلى صعود قومي يميني آخر لدى المعارضة في كوسوفو.

-      تتميز عموم المنطقة باستقطاب ألباني-سلافي، أو مسلم-مسيحي، وتشتغل بعض الدول الخارجية على تغذية عوامل هذا الاستقطاب، حيث تسعى تركيا إلى دعم الإثنية الألبانية والبوشناقية، وتسعى روسيا إلى دعم الإثنية السلافية.

-      وتظهر مؤشّرات جديدة على احتمال بروز نزاعات إثنية في مقدونيا، قد تنتشر ثانية إلى دول المنطقة.

-      كما أنّ النزعة الحالية لصرب البوسنة نحو الانفصال، قد تؤدي إلى تغذية النزعات والنزاعات الإثنية في عموم البلقان من جديد.

-      تتوّزع نزعة صرب كوسوفو في الخيارات التالية:

o     تعزيز الحكم الذاتي داخل كوسوفو.

o     الانضمام إلى صربيا.

o     رفض استقلال كوسوفو، والمطالبة بعودتها إلى صربيا.

o     إجراء عملية تبادل أراضي بين الدولتين، بحيث تُضمّ الأقاليم ذات الغالبية الألبانية في صربيا إلى كوسوفو، مقابل انضمام المناطق الشمالية من كوسوفو إلى صربيا، ضمن ما أُطلِق عليه (زحفاً نحو الأمل).

-      أما نزعة مسلمي/ألبان كوسوفو، فتتوزّع في الخيارات التالية:

o     الحفاظ على الاستقلال المنجز، وتعزيز العلاقات مع دول الجوار (الاتجاه الأكبر).

o     إنشاء ألبانيا الكبرى/الطبيعية، في مواجهة دعوات صربيا الكبرى.

o     الاتحاد مع ألبانيا (الاتجاه الأصغر).

كما يُلاحظ، أنّه هناك محاولات للعبث بالتركيبة السكانية وتغييرها دينياً ومذهبياً، على ثلاثة مستويات، بالاعتماد على الوضع الاقتصادي الهشّ للمواطنين، وهي:

o     محاولات التنصير، من خلال 70 منظمة مسيحية، تقف خلفها الكنيسة الصربية الأرثوذكسية في كوسوفو.

o     الجمعيات الوهابية التي تسعى إلى نشر التشدّد في المنطقة، رغم أنّها ما تزال محدودة الانتشار، ولا تلقى قبولاً لدى المجتمع الحنفي والصوفي.

o     تمّ ملاحظة ادعاءات بتبشير مذهبي شيعي في عموم منطقة البلقان، حيث ادّعت شبكة الإمامين الحسنين للتراث والفكر، أنّ نسبة الشيعة في ألبانيا –على سبيل المثال-، تشكل 30% من السكان، على اعتبار أنّ الطرق الصوفية هي شيعية إثنا عشرية بالنسبة للألبان. غير أنّه لا يمكن التعويل كثيراً على هذه الأرقام (ربّما مبالغ فيها).

ويرتبط التهديد الإثني، بجملة عوامل تؤثر فيه في المستقبل، ومن أهمها:

-      مدى قدرة الاتحاد الأوروبي على ممارسة دوره الراعي والضاغط على دول المنطقة، باتجاه مزيد من الاندماج المجتمعي.

-      كما تحدّد مدى جاذبية الاتحاد الأوروبي لدول المنطقة، مستوى انخراط دول المنطقة في مزيد من الاستقرار الداخلي والتعاون مع الجوار.

-      عدم ثبات الحدود وبروز نزعات انفصالية جديدة، والتي قد تؤدّي إلى عودة النزاعات الإثنية.

-      حجم التدخل الخارجي في المجتمعات المحلية، والذي غالباً ما يستند إلى العنصر الإثني.

-      مستوى الترابط/التكامل الاقتصادي بين دول المنطقة، والذي يؤثر ارتفاعه في انخفاض مستوى النزاعات الإثنية والنزعات الانفصالية (النموذج الأوروبي الغربي).

 

 

د. عبد القادر نعناع

باحث وأكاديمي سوري