فرضيات في تفجير قندهار

 

قُتِل خمسة دبلوماسيين إماراتيين، في العاشر من يناير 2017، إثر تفجير إرهابي طال مقر حاكم مدينة قندهار الأفغانية، أثناء وجود الوفد الدبلوماسي الإماراتي، في مهمة اختصّت بافتتاح دار للأيتام، وعقد اتفاقية علمية لتمويل منح دراسية في جامعة كردان الأفغانية، ووضع حجر أساس لمعهد تعليم مهني. حيث قامت العملية الإرهابية من خلال زرع متفجرات في أثاث مقر الاجتماع، دون أن تتبنّاها أيّ من الجماعات الإرهابية العاملة في الساحة الأفغانية، ودون أن تتّضح بعد نتائج التحقيقات عن مسؤولية أيّ منها. وتحاول هذه الورقة استعراض أبرز الفرضيات المطروحة حول أسباب العملية ومنفذيها والمستهدَفين فيها.

 

أولاً-طبيعة الحضور الإماراتي في أفغانستان، والتحدّيات التي يخلقها:

تُعتَبر الإمارات من الدول الفاعلة في الساحة الأفغانية، غير أنّ طبيعة فعاليتها تقوم على مبدأ مساعدة الحكومة والمجتمع المحلي على ترسيخ مقومات الاستقرار والسلام، من خلال جهود تنموية ومساعدات إنسانية تقدّمها دولة الإمارات، تجاوزت قيمتها 400 مليون دولار خلال السنوات الخمس الفائتة.

وعليه، فإنّ الحضور الإماراتي لا يُشكِّل -في حدّ ذاته- تحدّياً للقوى الخارجية المتنافسة حول أفغانستان، حيث:

-      لا يوجد للإمارات حضور عسكري أو استخباراتي كما دول جوار أفغانستان أو القوى الدولية الفاعلة في الساحة الأفغانية.

-      لا تتدخّل المشاريع التنموية الإماراتية، في طبيعة الانتماءات الدينية للمجتمعات المحلية الأفغانية، ولا يحمل حضورها أبعاداً تبشيرية، كما الحضور الإيراني أو السعودي.

-      كما لا تُشكِّل الإمارات جزءً من التنافس الإقليمي والدولي على الموقع الأفغاني، وخصوصاً ضمن مشاريع مدّ أنابيب الغاز، والتي تتصدّرها إيران وروسيا والصين والولايات المتحدة والهند.

-      كما أنّه ليس للإمارات أطماع اقتصادية في دولة شديدة الفقر بمواردها.

إضافة إلى أنّ الحضور الإماراتي في أفغانستان، لا يُشكِّل تحدّياً لأيّ من القوى المحلية المتنافسة، حيث لا تدعم الإمارات فصيلاً في مواجهة أخرى، سواءً أكان دعماً مالياً أم عسكرياً أو لوجستياً. إنّما يبرز تحدّي حضورها من خلال تحدّي الاستقرار الذي تسعى إليه دولة الإمارات، والذي يُشكِّل تهديداً لبعض الجماعات المسلّحة أو داعميها؛ الذين يخشون من أن يؤدّي الاستقرار إلى تقويض حاضنها الشعبي، وإفقادها مشروعية عملها السياسي والمسلّح. فيما أكّدت دولة الإمارات عقب التفجير، على استمرار نهجها في الدعم الإنساني، وذلك بالتزامها بتقديم 250 مليون دولار في الفترة المقبلة، للمشاريع التنموية والإنسانية.

 

ثانياً-الأطراف الفاعلية عسكرياً داخل أفغانستان:

أ-أطراف محلية:

-      حركة طالبان، تعمل في عموم أفغانستان.

-      شبكة حقاني، وتتحالف مع حركة طالبان، وتعمل بشكل خاص في جنوب أفغانستان.

-      تنظيم داعش، ما زال قيد الانتشار في مناطق محدودة (الشكل رقم 1).

-      حركة أوزباكستان الإسلامية، بايعت أو تحالف مع تنظيم داعش، وتعمل في دول آسيا الوسطى، وفي مناطق الشمال الشرقي من أفغانستان.

-      الحزب الإسلامي-قلب الدين حكمتيار، أوقف نشاطه المسلح وفق اتفاقية سلام مع الحكومة الأفغانية، في سبتمبر 2016.

-      عصابات محلية وعصابات زراعة وتهريب المخدرات (عصابات الجريمة المنظّمة).

ب-أطراف خارجية:

-      الولايات المتحدة، وقوى التحالف الدولي.

-      الحرس الثوري الإيراني.

-      الاستخبارات العسكرية الباكستانية.

 

ثالثاً-فرضيات الاستهداف، حيث تقوم فرضيتان أساسيتان:

-      الأولى: أنّ المستهدَف فيها كان الحكومة الأفغانية، وخصوصاً أنّ الاجتماع مع البعثة الدبلوماسية، ضمّ مسؤولين كباراً في الشرطة والاستخبارات الأفغانية، وعلى رأسهم قائد شرطة قندهار الجنرال عبد الرزاق، الذي نجا من التفجير، فيما قتل شقيق الرئيس السابق: هاشم كرازي، وعدد من المسؤولين.

-      الثانية: أنّ المستهدَف فيها كان الوفد الإماراتي، لعدّة أسباب، سيتمّ تبيانها في الفرضيات التالية.

 

رابعاً-فرضيات الفاعلين:

ألقت السلطات الأفغانية باللوم مباشرة على "شبكة حقاني" التابعة لحركة طالبان، فيما نفت الحركة هذا الاتهام، ولا تزال التحقيقات جارية، بمشاركة إماراتية، لتبيان الجهة الفاعلة. حيث يمكن الاستناد إلى الفرضيات التالية:

أ-فرضية مسؤولية شبكة حقاني/حركة طالبان، وتقوم بناء على المعطيات التالية:

-      تعتبر منطقة قندهار، معقل نشوء حركة طالبان، وشكّلت خسارتها أمام القوات الحكومية، ضربة كبيرة للحركة، أدّت إلى خروج الحركة إلى شرق المنطقة وغربها وشمالها. فيما تسعى إلى استعادة نفوذها مع بداية نفوذ داعش في عدّة مناطق من أفغانستان، بناء على حاضن شعبي تحاول الحفاظ على ما تبقى منه. فيما يشكّل استقرار منطقة قندهار تحدياً لمشروعها في المنطقة، وفي عموم أفغانستان.

شكل رقم (1)

توزع السيطرة في مناطق أفغانستان


-      وخصوصاً، أنّ مناطق عمل الحركة ازدادت في أغسطس 2016 (الشكل السابق)، عمّا كانت عليه في أكتوبر 2015. أي أنّه من الممكن أن تكون مسؤولة عن عملية قندهار، ضمن مسار توسيع عملياتها.

شكل رقم (2)

نشاط حركة طالبان عام 2015


-      يُضاف إلى ذلك، تمركز شبكة حقاني في منطقة كويتا الباكستانية (إقليم وزير ستان)، القريبة حدودياً من منطقة قندهار، التي تُشكِّل لها ملاذاً من ملاحقة القوات الأفغانية أو الدولية لها، إضافة إلى تنقّلات عناصرها بشكل مستمر عبر المعابر الجبلية في المنطقة. ويُعدّ مجلس منطقة كويتا، من أبرز حلفائهم داخل باكستان.

شكل رقم (3)

منطقتا قندهار الأفغانية وكويتا الباكستانية


ب-فرضية مسؤولية باكستان وشبكة حقاني، وتقوم على المعطيات التالية:

-      وفقاً لـ DW (Deutsche Welle)، بتاريخ 11/1/2017، اتّهم مسؤول أفغاني، باكستان، بتدبير انفجار قندهار، بغية تصفية قائد الشرطة فيها، الجنرال عبد الرزاق، باعتباره أحد أكبر مناهضي الدور الباكستاني في أفغانستان، وأحد ألدّ خصوم شبكة حقاني. ووفقاً لذات المصدر، فإنّ جهاز الاستخبارات العسكري الباكستاني (ISI)، قام بالتنسيق مع شبكة حقاني، منذ فترة سابقة، وعملا على إدخال المتفجرات إلى مقرّ حاكم الولاية، بانتظار اجتماع مهمّ فيه، يشمل الجنرال عبد الرزاق.

-      وبناء على هذه الفرضية، فإنّ المستهدف هو الجنرال، وليس الوفد الإماراتي، لكنّ الفرصة لم تسنح بذلك إلّا بحضور الوفد. ووفقاً لـ BBC، بتاريخ 15/1/2017، فإنّ شبكة حقاني لم تكن تعلم بحضور الوفد الإماراتي، لذا سارعت هي وطالبان بنفي مسؤوليتها عن الحادث، حرصاً على عدم استعداء دولة الإمارات.

-      ومما يؤكِّد النقطة السابقة، أنّه في ذات يوم التفجير، 10/1/2017، وقع تفجيران آخران سابقان له، في كل من كابل وهلمند، تبنّتهما حركة طالبان فوراً.

-      فيما تضيف مجلة Eurasia Review، بتاريخ 15/1/2017، فرضية أخرى، وهي تعمّد باكستان استهداف الوفد الإماراتي، لضرب التقارب الإماراتي-الهندي، حيث كان من المقرر حضور ولي عهد أبو ظبي احتفالات الهند بيومها الوطني. وخصوصاً أنّ لباكستان نمط في إيصال رسائل غير مباشرة بهذه الطرق، لدعم دبلوماسيتها.

-      ويعزز ذلك، تأكيدات الجنرال عبد الرزاق، مسؤولية باكستان وشبكة حقاني.

-      ومما يقلّل من احتمال هذه الفرضية، طبيعة العلاقات القوية بين باكستان ودول الخليج العربي عامة، عدا عن أنّ باكستان أوقفت –ظاهراً- دعمها لطالبان بعد هجومها على المدرسة العسكرية في بيشاور، إضافة إلى تحسّن العلاقات بين الحكومة الأفغانية والباكستانية في الآونة الأخيرة. دون أن ينفي ذلك وجود علاقات بين باكستان وحركة حقاني.

 

ج-فرضية مسؤولية إيران، وتقوم على المعطيات التالية:

-      رغم أنّ الحضور الإماراتي لا يشكل إضراراً بالمصالح والأطماع الإيرانية في أفغانستان، إلا أنّ إيران ترى في هذا الحضور زيادة في النفوذ الإماراتي والخليجي، تسعى لتقويضه، ضمن صراعها مع دول الخليج العربي. بغية إضعاف مقومات القوة الدبلوماسية الإماراتية، ضمن نهج التهديد غير المباشر، لإبعادها عن أفغانستان.

-      وذهبت BBC، في إحدى فرضياتها، إلى مسؤولية أذرع إيرانية داخل أفغانستان، لضرب المصالح الإماراتية، أو حتى إيصال رسائل إلى السعودية.

-      وفي هذه الفرضية، من الممكن أن يكون تعاون قد قام بين طالبان وإيران لتنفيذ العملية، بحيث تتقاطع مصالح الطرفين من خلالها. وخصوصاً أن العلاقة بينهما تمرّ في فترة تقارب كبير، بلغ ذروته منذ عام 2013، من خلال:

o     مكث زعيم الحركة السابق، الملا أختر منصور، في إيران لمدة شهرين، قبل عودته واغتياله. وعمل على توقيع عدة اتفاقيات مع مسؤولين إيرانيين تشمل عدم انضمام الهيكل الأساسي للحركة إلى تنظيم داعش، مقابل استمرار الدعم الإيراني.

o     تمّ العثور على ألغام إيرانية الصنع، وأسلحة وذخيرة، في أحد مقرّات طالبان في منطقة باميان وسط البلاد (فبراير 2016).

o     اتّهمت الحكومة الأفغانية، إيران، بتقديم دعم عسكري ولوجستي لحركة طالبان، وإقامة معسكرات داخل أراضيها لتدريب مقاتلي الحركة، ما أدّى إلى ارتفاع منسوب عمليات الحركة (نوفمبر 2016).

o     وفق حاكم إقليم هلمند، فقد سلّمت إيران للحركة صواريخ إيرانية الصنع (يناير 2017).

o     زيارة مدير مكتب الحركة في الدوحة: طيب آغا، إلى طهران، ثلاث مرات خلال الفترة الماضية.

o     تسعى الحركة إلى تنويع مصادر دعمها الخارجية في مواجهة داعش، وهو ما تعهّدت به إيران.

o     أكّد المتحدث الرسمي باسم حركة طالبان، الملا ذبيح الله، أنّ للحركة "علاقات واتصالات جيدة مع إيران ضمن تفاهم إقليمي".

-      فيما تسعى إيران لموازنة الأدوار الباكستانية والسعودية والأمريكية، من خلال بناء شبكة تحالفات داخلية، في ظلّ خشيتها من فقدان نفوذها لدى الشيعة والأفغان الناطقين بالفارسية، مع تمدّد النفوذ الباكستاني القائم على تبادل المصالح، والتعاون مع الولايات المتحدة. إضافة إلى توسّع الدور السعودي بالتعاون مع الولايات المتحدة.

-      يؤكد هذا النمط، تعاظم دور الحرس الثوري الإيراني في أفغانستان منذ عام 2005.

-      وتجد إيران في تحالفها مع طالبان، فرصة لاستمرار تهديد المشروع والقواعد الأمريكية في أفغانستان، بحيث تستخدمها كورقة مساومة في التسويات السياسية، لحماية وجودها داخل البلاد.

-      وتتأكد هذه الفرضية كذلك، نتيجة أنّ حركة طالبان، هي حركة غير مركزية، رخوة ومرنة، تضمّ عدّة أطياف، بعضها يعمل دون تنسيق مع القيادة، وربّما تمّ استقطابها من قبل إيران بشكل منفرد، تحت ضغط الإغراءات المالية التي بدأت الحركة تفتقد كثيراً منها.

-      ورغم ما تُظهِره إيران من حرصها على دعم الحكومة الأفغانية، إلا أنّها تسعى لتحقيق توازن بين كافة الأطراف (الحكومة والميليشيات)، بحيث تحافظ على عدم استقرار الدولة، إلى حين الحصول على دور رئيس في عملياتها السياسية.

-      ما يُؤخَذ على هذه الفرضية، أنّ الجنرال عبد الرزاق، نفى أن يكون التفجير من صنع أحد فصائل طالبان المقرّبة من إيران (وفق DW).

 

د-فرضية مسؤولية تنظيم داعش، وتقوم على المعطيات التالية:

-      من ضمن الفرضيات الإضافية التي قدّمتها مجلة Eurasia Review، أنّ تنظيم القاعدة/داعش، هو من قام باستهداف مقر حاكم قندهار، بهدف استهداف الوفد الإماراتي، في عملية ردّ على استهداف القوات الإماراتية لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب/اليمن.

-      وفي إطار هذه الفرضية، عمد تنظيم داعش –عبر أطراف غير مباشرة- إلى توجيه الاتهام إلى حركة طالبان وشبكة حقاني، ضمن النزاع الحاصل بين الطرفين، بغية إحداث مزيد من التضييق عليها، ما يسمح له بالتمدّد أكثر في مناطقها وبين حواضنها المجتمعية. أي أنّ المستهدَف هو سمعة طالبان.

-      وذلك في إطار النزاع القائم بين الطرفين منذ عام 2014، وبشكل أكبر بعد إعلان وفاة الملا عمر. وإن كان الطرفان ذوا مرجعية فكرية واحدة (مرجعيات القاعدة)، إلا أنّ تنظيم داعش يُعتَبر انشقاقاً أكثر تطرفاً في القاعدة، ومن الطبيعي أن يستهدف أطراف ربّما تمثِّل بديلاً عنه. حيث استطاع أن يكرِّس حضوره في بعض مناطق أفغانستان (الشكل رقم 1)، بين مقاتلي طالبان، بل وبين بعض عناصر القوات الحكومية. حيث توزع مقاتلو تنظيم القاعدة بين الطرفين.

-      وترى بعض الأطراف، أنّ الصراع القائم بين الطرفين، هو صراع أيديولوجي، باعتبار طالبان أشعرية، وداعش وهابية، وبالتالي فهو اختلاف تضاد، يستحيل اللقاء معه.

-      فيما يبدو أنّه نزاع على مناطق النفوذ وعلى المقاتلين، وعلى الحواضن المجتمعية، تمّ توظيف مداخل دينية لتعزيز وجهة كل نظر، حيث يتّهم داعش حركة طالبان بأنّها تتساهل في موضوع استهداف الشيعة، وتبني مفاهيم مشوهة عن الإسلام، ومراعاة الأعراف القبلية.

-      وبالتالي فإنّ من مصلحة تنظيم داعش، توسيع الجهات المعادية لحركة طالبان، بغضّ النظر عمّا إذا كان استهداف الوفد الإماراتي متعمّداً أم بالصدفة.

-      غير أنّ ما يؤخذ على هذه الفرضية، أنّ داعش يعمد إلى المواجهة المباشرة مع خصومه أكثر من هذا النمط غير المباشر، وأنّه يتبنى عملياته دون تردّد، دون أن ينفي ذلك قيام هذه الفرضية.

 

ه- فرضية مسؤولية الجماعات المحلية، وتقوم على الاعتبارات التالية:

-      وهي الفرضية التي قدمتها حركة طالبان مباشرة بعد التفجير، بل واعتبرتها عملية في سياق خلافات بين المسؤولين المحليين.

-      وتشمل أنّها إمّا صراع بين فصائل محلية فيما بينها، أو بين هذه الفصائل وبين القوات الحكومية، أدّت إلى تفجير مقر حاكم قندهار.

-      ما يعزّز هذه الفرضية أن المنطقة هي تحت سيطرة القوات الحكومية (الشكل رقم 1).

-      كذلك ليس من مصلحة طالبان ضرب علاقاتها مع دول الخليج العربي.

-      أيضاً، أنّ هناك جماعات داخل حركة طالبان تسعى للتفاوض مع الحكومة، كما فعل حكمتيار، وبالتالي لا مصلحة لها في استعداء الحكومة الأفغانية والأطراف الدولية الداعمة لها.

-      غير أنّ النقطة السابقة، ربّما تدفع إلى فرضية: قيام خلافات داخل الحركة ذاتها، دفعت أطرافاً فيها لضرب مشروع التفاوض مع الحكومة، وضرب الجماعات التي تؤيده داخل الحركة، من خلال استعداء الحكومة والقوى الخارجية من جديد على الحركة.

-      وتبقى هذه الفرضية (مسؤولية الجماعات المحلية)، إحدى الفرضيات التي قدمتها BBC.

-      كما أنّ هذه الفرضية يمكن أن تكون في إطار النزاع بين القوى المسيطرة على زراعة وتجارة المخدرات. حيث تأتي منطقة قندهار ثالثاً لناحية أهميّتها في هذه التجارة (شكل رقم 4). والتي تدرّ قرابة 70 مليار دولار سنوياً، حصة الحكومة منها لا تتجوز 5%، فيما لا يتجاوز الدخل القومي للدولة 5 مليار دولار سنوياً. وخصوصاً أنّ الجنرال عبد الرزاق، أحد الخصوم الأشداء لكثير من عصابات المخدرات.

-      وتتصدّر داعش وطالبان النزاع حول مناطق زراعة المخدرات، فيما تميل الولايات المتحدة –بشكل غير مباشر- إلى إسناد طالبان في هذا المحور، لضرب تنظيم داعش من جهة، ولأنّ للولايات المتحدة حصة من هذه التجارة من جهة ثانية، ترعاها حركة طالبان (مصادر روسية).

-      غير أنّ القدرة على استهداف مقر الحاكم، والمترافق بإجراءات أمنية عالية، ربّما ينفي ضلوع جماعات صغيرة في التفجير. وفي حال قبول هذه الفرضية، فإنها من فعل جماعات أكبر (طالبان أو داعش)، سواء لأسباب تتعلق بالنزاعات المحلية أو بتجارة المخدرات أو لأسباب سياسية أو خارجية. ما يحيل من جديد إلى إحدى الفرضيات السابقة.

شكل رقم (4)

مناطق زراعة المخدرات في أفغانستان


و-فرضيات أخرى، وهي فرضيات أقلّ تداولاً من سابقاتها، وتبقى احتماليتها قائمة ولكن محدودة، وأبرزها:

-      مسؤولية قطر عن التفجير، من خلال تنسيقها مع حركة طالبان، وخاصّة أنّ للحركة مكتباً في الدوحة، برعاية حكومية قطرية. وقد ساق هذا الاتهام بعض الأطراف المحسوبة على الحركة الحوثية (منها: موقع العهد)، على اعتبار أنّ مسؤولاً حكومياً قطرياً سابقاً هو من أدار التخطيط للعملية، في مدينة كويتا، بالتنسيق مع شبكة حقاني. ما يعيب هذه الفرضية أنّه ليس لها مصادر أكثر مصداقية من جهة، وأنّ قطر في مرحلة تقارب وتصالح مع دولة الإمارات، وأنّ من مصلحة الحوثيين وإيران إحداث وقيعة بين الدول الخليجية. غير أنّه في ذات الوقت، لا يمكن استبعاد هذه الفرضية بالمطلق، حيث أنّ تاريخ الخلاف القريب بين الدولتين ربّما يشكل حافزاً لقطر من جهة، عدا عن طبيعة علاقة قطر بعدة جماعات مسلّحة في العالم العربي والإسلامي، ولا يُستَبعَد هذا النهج عن سلوكياتها.

-      مسؤولية حركة الإخوان المسلمين الأفغانية، المتمثِّلة بالجمعية الأفغانية للإصلاح والتنمية الاجتماعية (جمعية الإصلاح). ورغم أنّه لم تُقدَّم أيّة اتهامات ضدّها، عدا عن أنّها لا تتبنى نهجاً مسلحاً ظاهراً في أفغانستان، بل تُقدِّم نفسها بديلاً عن طالبان وداعش، إلا أنّ نزاع الحركة الأم مع دولة الإمارات، والخسائر التي تكبّدتها، ربّما تشكل حافزاً قوياً لهذه الفرضية، عدا عن طبيعة علاقات جمعية الإصلاح مع إيران، التي ربّما تجمع الطرفين على هذا الحدث الإرهابي.

 

د. عبد القادر نعناع

باحث وأكاديمي سوري