أبعاد استقالة الحكومة الكويتية وتداعياتها



 

 يشهد النظام السياسي الكويتي المعاصر، منذ نشأته في ستينيات القرن العشرين، فعالية ديموقراطية تتسع أكثر فأكثر، ويُعبَّر عنها تحديداً من خلال البرلمان الكويتي (مجلس الأمة)، حيث يجمع النظام الكويتي بين النظام الأميري (الملكي) المطلق والنظام البرلماني الديمقراطي. ويُعبّر البرلمان الكويتي دوماً عن حالة التوازن السياسي والمجتمعي في الكويت (وهو الضابط لها كذلك، تحت إدارة الأمير)، إذ هو انعكاس للحالة العامة التي تمرّ بها البلاد. وحيث أنّ هناك العديد من المتغيّرات الداخلية والخارجية التي تتعرّض لها الكويت منذ استقلالها، فإنّ هذه المتغيرات تركت أثرها في تلك التوازنات، وأدت إلى خلافات ونزاعات بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، خلقت أزمات عديدة في مسار الكويت بعد الاستقلال.

تُعبّر تلك الأزمات دوماً عن حاجة ملّحة لتحديث البنية السياسية والدستورية والقانونية، التي أوصلت السلطتين إلى مرحلة الأزمة، وهي وإن كانت حالة صحية لتطوير النظام السياسي، إلا أنّها كذلك طالما شكّلت عقبة أمام السلطتين في أداء واجباتهما، وخصوصاً في حال إعادة إنتاج الأزمة بغالبية مقوّماتها دون إيجاد حلول لها، من خلال إعادة إنتاج السلطتين: حلّ مجلس الأمة (17 مجلس منذ الاستقلال حتى أكتوبر 2017، تم حلّه 10 مرات)، أو إعادة تشكيل الحكومة (34 حكومة منذ الاستقلال حتى أكتوبر 2017، لها 7 رؤساء).

وأحدث تلك الأزمات، يتمثّل في تقديم الحكومة الكويتية برئاسة الشيخ جابر المبارك الحمد الصباح استقالتها لأمير البلاد بتاريخ 30/10/2017، ليُصار إلى إعادة تكليف الشيخ جابر بتشكيل حكومته السابعة، خلال ست أعوام، وتحديداً منذ 30/11/2011. وتتناول هذه الورقة الأسباب المباشرة وغير المباشرة وراء هذه الاستقالة، والاحتمالات التي تواجهها الحكومة التالية للشيخ جابر.

 

أولاً-الأسباب المباشرة لاستقالة الحكومة:

تُعتبر الأزمة الحالية استمراراً لأزمة نوفمبر 2016، والتي أدّت إلى حلّ مجلس الأمة، والدعوة إلى انتخابات مبكّرة، أتت بالمعارضة إلى المجلس مع حضور فعّال (24 مقعد من أصل 50 مقعداً)، وتغيير في تركيبة المجلس بنسبة قاربت 62%، يتصدّرها الإخوان المسلمون (الحركة الدستورية) وحلفاؤهم والشباب، والمقاطعون والمستقيلون من المجلس السابق، مع تراجع في مقاعد بعض القبائل والشيعة والنساء والنواب الموالين لحكومة الشيخ جابر.

قادت هذه النتائج إلى استقالة حكومة الشيخ جابر الخامسة، وتشكيله حكومة سادسة، فيما دفعت المعارضة في المجلس إلى مواجهة الحكومة منذ مطلع عام 2017، من خلال جملة استجوابات، حول عدّة ملفات شائكة، سواء تلك التي لم تستطع الحكومة إنجازها، أو أنّها ما تزال قيد النظر، أو أنّها من صلاحيات أمير البلاد، وصولاً إلى بحث المعارضة عن آليات لإسقاط الحكومة، والتي تمثّلت في الضغط عبر أسلوب الاستجوابات. وأبرزها كان استجواب رئيس الوزراء في إبريل 2017، الذي تقدّم به النوّاب: وليد الطبطبائي ومرزوق الخليفة ومحمد المطير، حول المحاور الخمسة التالية:

-      مخالفة القانون.

-      سوء استعمال السلطة بشأن سحب أو إسقاط أو إفقاد الجنسية الكويتية عن بعض حامليها.

-      مخالفة المعاهدات والمواثيق الدولية وسوء استعمال السطلة.

-      تفشي الفساد والتفريط بأصول استراتيجية للدولة.

-      الإخلال بمبدأ المساواة.

وأحدث تلك الاستجوابات، والتي قادت مباشرة إلى استقالة الحكومة، طالت وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء ووزير الإعلام بالوكالة، الشيخ محمد عبد الله المبارك الصباح، ضمن اتهامات أو مزاعم، أبرزها:

-      التقصير في حلّ مشكلة البطالة، رغم أنّ الوزير أكد أن نسبة البطالة انخفضت في عهده إلى 3.3%.

-       توظيف غير كويتيين في مراكز مهمة رغم وجود كفاءات كويتية.

-      التقاعس عن إيجاد رقابة صارمة على بعض أوجه الإنفاق في بعض الهيئات التابعة له، ما أدى إلى خسارة عشرات ملايين الدولارات.

-      ادعاءات بتورّط الوزير بتسهيل عمليات اقتصادية لإيران وقطر، لمساعدة قطر في أزمتها الاقتصادية عقب المقاطعة العربية لها.

-      فشل الوزير في رفع الإيقاف عن الرياضة الكويتية.

-      كما تضمّنت صحيفة الاستجواب، ملفات أخرى، على رأسها: الأمانة العامة لمجلس الوزراء، والتضليل في الأسئلة البرلمانية، وإدارة الفتوى والتشريع.

فيما كان نوّاب المعارضة يُحضّرون لطرح مسألة الثقة بالوزير بتاريخ 1/11/2017، حيث طرح 10 نواب في مجلس الأمة، مبادرة لحجب الثقة عن الشيخ محمد المبارك، وأعلن 27 نائباً اعتزامهم نزع الثقة عن الوزير، مع إمكانية كبيرة للوصول إلى النسبة المطلوبة لذلك (50%+1، أي 32 نائباً)، أي أنّ المعارضة لم تكن بحاجة أكثر من 5 أصوات لسحب الثقة عن الوزير. عدا عن اعتزام المعارضة استجواب وزراء آخرين، أبرزهم:

-      الشيخ خالد محمد الصباح، نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع.

-      الوزير عصام المرزوق، وزير النفط والكهرباء والماء.

-      الوزيرة هند الصبيح، وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل ووزيرة الدولة للشؤون الاقتصادية.

في المقابل، أكد الشيخ محمد، في 24/10/2017، عدم نيته الاستقالة، كما حصل –على سبيل المثال- باستقالة وزير الثقافة (فبراير 2017) تجنّباً للصدام بين الحكومة والمجلس، عقب استجوابه حول جملة ملفات أبرزها الملف الرياضي. دفع هذا الرفض من قبل الشيخ محمد المبارك الحكومة ككل إلى تقديم استقالتها، تحاشياً لنزع الثقة عن الشيخ محمد المبارك، والذي تعتبره الحكومة (ورئيسها تحديداً)، شكّاً بنزاهتها، وخصوصاً أنّها ترى أنّ الوزير المُستَجوَب لم يكن مسؤولاً عن كافة تلك المحاور التي تمّ استجوابه على أساسها، وأنّه جاوب عن تلك التي تقع ضمن مجال اختصاصه، عدا عن أنّ طرح الثقة بالوزير جاء في أول جلسة من دور انعقاد المجلس (أمر معدٌ مسبقاً)، وقبل أن يدلي الوزير بمرافعته أمام المجلس. عدا عمّا تراه الحكومة، من أنّ ما يُطرَح في الاستجوابات قضايا غير دستورية، أو أنّها ما تزال منظورة أمام القضاء ولجان التحقيق.

ووفق صحيفة القبس الكويتية، فإنّ التشكيلة الوزارية الجديدة قد تستغرق شهراً لإتمامها، وربّما تتضمن تغيراً وزارياً يطال 4 إلى 5 وزراء فيها، دون حلّ مجلس الأمة. وهو ما يعني إبقاء ذات التشكيلة الوزارية والبرلمانية (تقريباً) قائمة، وهو ما قد يحمل معه احتمال عودة الأزمة إلى الظهور في عام 2018، وخصوصاً أنّ أبعادها تتجاوز الأسباب المباشرة إلى عدّة أزمات قائمة في الكويت لسنوات خلت.

 

ثانياً-الأسباب غير المباشرة:

تشهد الكويت، خلافاً بين السلطتين التشريعية والتنفيذية منذ عدة سنوات، وتحديداً منذ تعديل قانون الانتخابات (قانون الصوت الواحد)، عدا عن تداعيات الاحتجاجات التي رافقت موجات الثورات في عدة دول عربية، ترافقت بعدّة ملفات متأزّمة لم تُنجَز بعد، اشتدت حدّتها منذ مطلع عام 2017، وخصوصاً أنّ مجمل تلك الأزمات، أتى في ظلّ وضع اقتصادي صعب تمرّ به الكويت (وعموم دول الخليج العربي)، نتيجة الانخفاض الحادّ في أسعار النفط عالمياً، ما دفع إلى سياسة تقشف زادت الأعباء على الحكومة والمجتمع الكويتي، ودفعت عدداً من النواب إلى الاعتراض على خطط التقشف وترشيد النفقات العامة.

مجمل هذه الأزمات، أدّت إلى الصدام بين السلطتين عبر أداة الاستجوابات، حيث شهد الدور البرلماني السابق 4 استجوابات، فيما افتُتِح هذا الدور باستجواب جديد.

وأوردت صحية العرب اللندنية، عدّة أسباب (وغير مباشرة) دفعت إلى استقالة الحكومة، وهي:

-      دفع الإخوان إلى طرح الثقة بالوزير، رغم تنديدهم بالاستجواب قبل أيام. ويعود ذلك إلى رفض الحكومة العرض الذي تقدّم به النائب عن الإخوان، جمعان الحربش، بالتهدئة مقابل إنجاز ملف إعادة الجنسيات لبعض من سُحِبت منهم وحصلوا عليها بالتزوير.

-      خلاف شخصي بين الوزير المُستَجوَب والشيخ أحمد الفهد، حول:

o     رفض الوزير المسائل الرياضية العالقة.

o     رفض الوزير لفبركة أفلام وشرائط تطعن في ذمم شخصيات ومسؤولين سابقين.

o     ورفضه كذلك استخدام الشيخ أحمد للمعارضة بهدف تهديد الحكومة وتحسين موقع الشيخ أحمد في السلطة.

-      الضعف الحكومي، والذي أدّى إلى تسويات مشبوهة مع أطراف مصلحية، وعلى رأسها الإخوان. حيث تحالف وزير الصحة مع النائب الحربش، نتيجة تورط شقيق الحربش بضياع أموال من مكتب الصحة الذي يديره في ألمانيا.

-      عدا عن سعي المعارضة في مجلس الأمة، إلى حلّ المجلس، أو على الأقل الإطاحة بالحكومة، بهدف تعزيز نفوذها وسلطتها.

 

ملفّا الجنسية الكويتية والعفو العام:

منذ عدّة أعوام، تُحقّق السلطات الكويتية فيما يقارب 400 ألف حالة تجنيس، أدّت إلى سحب عدد من الجنسيات لأسباب تتعلق بالحصول عليها بطرق غير قانونية، عبر مزوِّرين يتمتّعون بمناصب عليا في أجهزة أمنية. وقد تمّ تبرئة هؤلاء نتيجة مضي المدة وسقوط الدعوى بالتقادم. أمّا الشق الآخر منها فيتعلق بإسقاط الجنسية نتيجة المعارضة السياسية أو ما تسميه الحكومية "نشاطات معادية للأمن الكويتي".

وترفض الحكومة تعديل قانون الجنسية (مشروع القانون الجديد)، إلى جانبها أغلبية برلمانية على رأسها رئيس المجلس مرزوق الغانم. على اعتبار أنّ التعديل يحمي المزوِّرين ومزدوجي الجنسية ويساعدهم في حماية جنسياتهم وعدم سحبها مستقبلاً، وهو ما أدّى إلى استجواب 3 نواب لرئيس الوزراء (إبريل 2017). وقدّمت الحكومة بالمحصلة تسوية تتضمن تمكين القضاء من النظر في أعمال السحب فقط دون غيرها (الترافع والتظلّم فقط).

وتتعدّد الأطراف المناهضة لمشروع قانون التجنيس الجديد، وخصوصاً بعض القوى القبلية، التي ترى أن القانون يستهدفها، رغم أنّ بعض نواب القبائل قد صوتوا لصالح المشروع الجديد. فيما يرفض الشيعة تحديداً، التصويت لصالح قانون الجنسية، لسببين معاً:

-      الأول يندرج ضمن محاولة الشيعة الحصول على مكسب مقابل، أو عملية التنازلات المتوازنة بين الحكومة ومجلس الأمة، وتحديداً إدراج دور العبادة وقانون الإبعاد الإداري ضمن القوانين التي يسمح للمحكمة الإدارية النظر فيها، وهو ما رفضته الحكومة.

-      أما الثاني فهو شخصي، يتعلّق بتخوف بعض النوّاب الشيعة من سحب جنسية عبد الحميد دشتي الموالي لإيران والمعادي لدول خليجية.

يترافق مع ملف الجنسية، ملف قانون العفو العام، والذي ينصّ على العفو عن المدانين بتهم تتعلّق بالانضمام إلى المعارضة الشعبية المطالِبة بتعديل قانون الانتخابات وتمكين حكومة منتخبة في البلاد، وإعادة الجنسية لمن سحبت منه على هذا الأساس. وتم رفض هذا القانون باعتباره تجاوزاً لسلطات الأمير والجهاز القضائي، قبل أن يصار إلى إطلاق سراح عدد منهم وإعادة الجنسية لهم.

حيث وافق أمير الكويت (مارس 2017)، على قانون العفو العام، وإعادة الجنسية للمتّهمين الذين أُسقِطت عنهم، بشرط تعاون السلطتين التشريعية والتنفيذية وتمرير حزمة قوانين، أهمّها قوانين الإصلاح الاقتصادي. غير أنّ هذه التسوية انهارت في (مايو 2017).

 

الملف الاقتصادي:

دخلت الكويت منذ عام 2016 مرحلة العجز المالي لأول مرة منذ 15 عاماً، عقب الانخفاض الحاد في أسعار النفط عالمياً، وهو ما قاد إلى جملة تحديات اقتصادية داخلية، أثارت شرائح من الرأي العام (والنواب) ضد الحكومة المستقيلة، وعلى رأس تلك القضايا:

-      الخلافات السابقة التي تتعلق بالإجراءات الاقتصادية التقشفية، ورفع أسعار الوقود.

-      ارتفاع أسعار الوقود والخدمات والكهرباء والماء والعلاج ورسوم الإقامة، مع ترشيد الإنفاق الحكومي، أدّى إلى تراجع القدرة الشرائية وانخفاض مستوى الرفاه.

-      انعكاس الأزمة الاقتصادية على قطاع التمويل العقاري السكني، ودخوله في أزمة حادّة بسبب الاعتماد على الدعم الحكومي فقط.

-      تراجع مستوى الخدمات العامة التي تقدمها الدولة في مجالات الطرق العامة والصحة والتعليم.

-      أنتج ذلك حالة اجتماعية عصبوية لدى شرائح من المجتمع الكويتي ضد العمالة الوافدة، وتحميلها عبء هذا التراجع، وهو ما بدأ بخلق أزمة اجتماعية انعكاساً للأزمة الاقتصادية.

إلا أن الأزمة الاقتصادية لا ترتبط بالانخفاض الحاد في أسعار النفط عالمياً فقط، حيث أنّ هذا الانخفاض طال جميع الدول المنتجة، وتحديداً دول الجوار الخليجي، إلا أنّ الأزمة ربّما بدت أكثر سوءً مع تفشٍ كبير للفساد في الكويت، وتحديداً في ظلّ الحكومة المستقيلة، ما جعل الكويت الأكثر فساداً بين الدول الخليجية الأخرى. وتتعد أشكال هذا الفساد، من اختلاسات للمال المال، والهدر، ومخالفات الشروط التنفيذية للمشاريع العامة، والرشى.

وحيث تسيطر الحكومة على 70% من الاقتصاد الكويتي، فإن ذلك كان مدعاة لتفشي الفساد والمحسوبية في كثير من مؤسسات الدولة. وكان سبباً إضافياً في ارتفاع الأسعار، حيث يقوم القطاع الخاص بتحميل كلفة الفساد للمنتجات التي يقدّمها، حيث يضطر القطاع الخاص للانخراط في آليات الفساد وتقديم الرشي للمؤسسات الحكومية، ليضمن استمراريته في السوق الكويتية. أي أنّ أحد أوجه مكافحة الفساد تتطلّب تفعيل برنامج الخصخصة، كأحد آليّات مكافحة الفساد في القطاع الحكومي الكويتي، ضمن برنامج إصلاح مالي واقتصادي واسع، يعبّر عنه بوثيقة الإصلاح الاقتصادي التي تعتبر أحد أشكال الأزمة بين الحكومة والمعارضة، والتي لم يتم الاتفاق على إنجازها رغم توجيهات أمير الكويت في مارس 2017، مقابل وعد بحل ملف الجنسيات.

رغم ذلك، تتخوّف أطراف نخبوية في الكويت وتبدي معارضتها لبرنامج الخصخصة الواسع في حال إطلاقه، وتطالب بالتدرج بذلك؛ خشية الانعكاسات السلبية على مستوى معيشة الأفراد من جهة، والخشية من أن يطال الفساد مشاريع الخصخصة، في ظلّ مستويات الفساد التي ما تزال ترتفع.

فوفق مؤشر الفساد، الصادر عن منظمة الشفافية الدولية، فقد شهدت الكويت تراجعاً حاداً في فترة حكومة الشيخ جابر المبارك، من المرتبة 54 عالمياً عام 2011 وبقيمة 46 نقطة، إبّان تسلم الشيخ رئاسة الحكومة للمرة الأولى، إلى المرتبة 75 عام 2016 وبقيمة 41 نقطة. رغم التحسن البسيط الذي حققته هذه الحكومة عام 2015، إلا أنها عادت وشهدت انتكاسة أكبر من كافة السنوات السابقة.



وتتخوّف صحيفة النهار الكويتية أن تتحوّل الأزمة التي تشهدها البلاد (انخفاض أسعار النفط، وارتفاع مستويات الفساد، وارتفاع تكاليف المعيشة)، إلى أزمة اقتصادية قريباً جداً، تكون شبيهة بالتي حصلت في الولايات المتحدة 2007-2008. مع الخشية بأن يؤدي استمرار الاقتراض الكويتي (داخلياً وخارجياً) لتمويل عجز الموازنة مع استمرار الأسعار المنخفضة للنفط إلى انكماش اقتصادي شبيه بالحالة الفنزويلية (10%).

ويترافق ذلك مع بعدين آخرين في الأزمة الاقتصادية، يتمثّلان في:

-      هجرة رؤوس الأموال الكويتية إلى أسواق أقل فساداً، وأكثر استقراراً، وهو ما يُفقِد السوق الكويتية ملاءة مالية، ويشكل ضغطاً آخر على الحكومة.

-      ترتفع خطورة هذه النقطة، مع التراجع الحاد الذي تشهده الكويت في الاستثمار الأجنبي المباشر، والذي بلغ 5.16 مليار دولار عام 2015، ورغم تحسنه المحدود إلى أنّه بعيد للغاية عن أعلى مستوى حققته الكويت عند 15.21 مليار دولار لعام 2013 (ثلث القيمة تقريباً).

 


الملف الرياضي:

وهي إحدى الملفات المتأزمة والمستمرة في الكويت منذ عام 2015، والتي اشتدت حدتها مع نهاية عام 2016، حيث يتمحور طرفاها حول:

-      الطرف الأول: الشيخ أحمد الفهد الصباح، والشيخ طلال الفهد الصباح، وإخوتهم ومؤيدوهم، حيث يسيطرون على معظم الأندية والاتحادات الرياضية داخل الكويت. يرى هذا الطرف أن الحكومة تسعى للإطاحة بالشيخ أحمد الفهد، في مخالفة للمواثيق الرياضية الدولية.

-      الطرف الثاني: الشيخ سلمان الحمود الصباح وزير الإعلام والشباب، وأفراد من العائلة الحاكمة، ووزراء، ورئيس مجلس الأمة. حيث يتطلع هذا الطرف إلى إصدار قانون يجيز للحكومة حل الاتحادات الرياضية، ويتهم هذا الفريق، الفريق الآخر بتجميد الرياضة الكويتية.

وقد علقت هيئات رياضية دولية منذ قرابة عامين، مشاركة الكويت في المسابقات الخارجية على خلفية تدخل الحكومة الكويتية في الشأن الرياضي، أبرزها اللجنة الأولمبية الدولية والاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا). وبناءً عليه، حُرِمت الكويت من استكمال التصفيات المؤهلة الى كأس العالم 2018 لكرة القدم في روسيا، والتصفيات المؤهلة الى كأس آسيا 2019 في دولة الإمارات العربية المتحدة، فيما خاض رياضيوها غمار دورة الألعاب الأولمبية في ريو دي جانيرو 2016 تحت العلم الأولمبي.

ووفق المحلل السياسي الكويتي ناصر العبدلي: "مشكلات الرياضة في الكويت أنها أصبحت تستخدم كأداة من أدوات الصراع على السلطة ... أجنحة الحكم يستخدمون الرياضة في صراعاتهم".

إضافة إلى بعد مالي يتعلق بالأموال التي تضخ في الرياضة، والتي تقدر بأكثر من 1.3 مليار دولار، خلال الأعوام الخمسة الأخيرة، والتي وسّعت مجال الفساد في الملف الرياضي خصوصاً، وفي الاقتصاد الكويتي بشكل أعم، وهو ما يشكل نقطة نزاع بين الطرفين السابقين، ويعيق رفع الحظر عن مشاركة دولة الكويت في الأنشطة الرياضية الدولية.

 

الأدوار الخارجية:

رغم أنّ الإشكال القائم بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في الكويت، حمل اتهامات للحكومة، أو أطراف فيها، بتسهيل عمليات اقتصادية لإيران وقطر، لمساعدة قطر في أزمتها الاقتصادية عقب المقاطعة العربية لها. فإنّ تدخلات قطرية أخرى ظهرت لدى أطراف في المعارضة الكويتية (وتحديداً لدى جماعة الإخوان المسلمين ولدى موالي إيران).

حيث تمّ تسريب أنباء عن لقاء أطراف في المعارضة الكويتية (مسلم البراك والإخوان) مع عبد الله طاهر محامي رئيس الوزراء القطري السابق حمد بن جاسم، داخل الكويت، أحدثها في يونيو 2017، على خلفية دعاوى يرفعها رئيس الوزراء القطري على أطراف داخل الكويت، أسهمت في تصعيد موقف الإخوان –والمعارضة- تجاه الحكومة الكويتية والسعي لإسقاطها، أو حتى إعادة تغيير التوازنات داخل الكويت، لصالح إيران وقطر.

كما موّلت قطر عبر شيكات بملايين الدولارات، صادرة من حسابات تابعة للشيخة موزة، أفراداً من المعارضة الكويتية، وذلك وفق الحساب الرسمي للشيخة نوف بنت أحمد آل ثاني على تويتر. إذ أظهر الحساب شيكاً بقيمة 25 مليون ريال قطري تمّ صرفه لبعد الحميد دشتي.

عدا عن أنّ التدخلات الإيرانية تظلّ قائمة في الشأن الكويتي الداخلي، بغية كسر التوازنات القائمة، وإعادة بنائها بما يتفق مع التوجهات الإيرانية، ولعلّ من أبرز وأخطر تلك التدخلات ما عُرف باسم (خلية العبدلي).

لكن محاولة توظيف الوضع المتأزم بين السلطتين في الكويت، لصالح أية قوة خارجية، يبقى قراءة خاطئة حول إمكانية تدخّل فعّال في التوازنات السياسية والاجتماعية الكويتية، وهو الخطأ الذي وقع فيه صدام حسين عام 1990، حين اعتقد أنّ الأزمة القائمة آنذاك –وهي شبيهة بالأزمات اللاحقة والسابقة- ستقود إلى بناء تيار واسع داخل الكويت يؤيد الغزو العراقي، لصالح حل الأزمة على حساب الهوية الكويتية.

 

تداعيات الاستقالة وإعادة التكليف:

تتعدّد الملفات الأخرى التي تّشكل عوامل نزاع بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في الكويت، ومنها كذلك: موضوع تسليم 6 حقائب وزارية من أصل 15 لأفراد من الأسرة الحاكمة، ومستوى دخل المواطن الكويتي، والخدمات التي ينالها الوافدون والعلاقات الخارجية، وملف البدون، وملف دور العبادة، وملف قانون الإبعاد الإداري، وتداعيات نظام التصويت الجديد، عدا عن التصعيد الذي تدفع إليها أطراف نحو تحديث جذري للنظام السياسي والنحو به باتجاه النظام المقيّد، عبر توسيع صلاحيات البرلمان من جهة، واختيار حكومة منتخبة.

دفعت هذه الملفات وسواها، دون إيجاد حل نهائي وجذري لها (وخصوصاً عبر تحديث البنية التشريعية والدستورية)، إلى تشكيل الشيخ جابر المبارك ست حكومات، والشروع بالسابعة، وهو ما يدفع إلى الاعتقاد أن البناء على ذات الأسس كما في جميع الحكومات السابقة، قد يقود بالمحصلة إلى ذات النتيجة، سواء عبر عودة ذات الملفات للتأزم بين السلطتين، أو عبّر حلّ مجلس النواب والدعوة إلى انتخابات مبكرة قد تأتي بمزيد من المعارضة إلى مجلس الأمة.

أما الوجه الآخر لحكومات الشيخ جابر المبارك، فهو أنه رغم تراجع الأداء الاقتصادي لحكوماته (وخصوصاً في ملف الفساد ومستوى الرفاه)، وخصوصاً مع انهيار أسعار النفط عالمياً، إلا أنّه حافظ على استقرار الكويت، في ظلّ اضطرابات محلية وإقليمية، وتهديدات جمّة، بل واستطاعت حكوماته الارتقاء بالكويت من مرحلة التحذير الذي كانت تعيشه عام 2010 بقيمة 61.5 نقطة، إلى مرحلة الاستقرار الضعيف عام 2017 بقيمة 58.5 نقطة، وإن شهد تراجعاً عن تلك المرحلة المحقّقة عام 2015 بقيمة 57.5 نقطة.



غير أن هذا التحسن يبقى محدوداً، ومرتبطاً بالقدرة على معالجة الأزمات التي ما تزال قائمة، وخصوصاً أن مستوى التوازن الذي يمنع إحدى السلطتين من فرض توجهاتها يحيل إلى الأمير دوماً لتغيير هذا التوازن. حيث لا يملك البرلمان القدرة على إلزام الحكومة باتباع مسارات محددة، أو التراجع عن أخرى، كما لا تملك الحكومة القدرة على العمل باستقلالية عن البرلمان.

وفيما تُعتَبر الاستجوابات وسيلة للضغط على الحكومة من قبل المجلس ومن قبل الرأي العام، فإنّ ذلك يحوّل البرلمان إلى اتباع أسلوب المناكفة من جهة، وتدخل الأسباب والعلاقات الشخصية أحياناً وفتح ملفات لا علاقة لها بالأزمة، وإحداث استعصاء في ملفات أخرى.

وخصوصاً أنّ المعارضة في الكويت عبارة عن عدّة تكتلات أو أشخاص تتباين توجهاتها ومستوى ارتباطاتها وفق الأبعاد المصلحية من جهة، ووفق الملفات المطروحة ثانياً، ووفق المساومات التي تتم مع الحكومة أو مع أمير البلاد، عدا عن تدخل العامل الزمني في بنية التشكيلة المعارِضة، وفيما تتمتع المعارضة بثقل المساءلة والاستجواب والإشراف وطرح الثقة في الحكومة، لكن ليس لها ثقل التشريع منفردة إذ أنها تخضع هي الأخرى لسلطة الأمير.

لذا، يشترط للخروج من الأزمات المتتالية التي تشهدها الكويت، تدعيم دور المجلس التشريعي مع توسيع صلاحيات الحكومة التنفيذية، وفي كلتا الحالتين سيكون ذلك على حساب تقييد سلطات الأمير، أو تنازله عن جزء منها لصالح الاستقرار العام، وهو وإن كان يحدث بشكل محدود سابقاً، إلا أنه يبقى أمراً حتمياً وأكثر شمولاً من سابقه.

وحيث إنّ تشكيل الحكومة الجديدة يتطلب برنامجاً جديداً يمنع عودة ظهور الأزمة، فإنّ ذلك يبدو شاقاً في ظل استمرار ذات الرئاسة، وربّما استمرار غالبية الوزراء من الحكومة المستقيلة كذلك، مع استمرار مجلس الأمة كما هو، وفي ظلّ تتمسك المعارضة بحلحلة ملف الجنسية، عدا عن تمسك الطرفين بمواقفهما من الملفات الأخرى، وتَحضُّر كلا الطرفين لمرحلة جديدة من الخلافات. وهو ما يعني أن الأزمة (الملفات العالقة بين السلطتين) لم تجد بعد مخرجاً فعلياً لها، وربما تشهد عودة قريبة.


د. عبد القادر نعناع

باحث وأكاديمي سوري