كوبا: البنى الداخلية والعلاقات الخارجية

 


 

أولاً: البنى السياسية المحلية

 حافظت كوبا على موقعها، كدولة غير حرة، منذ أن انطلق استبيان دار الحرية Freedom House، رغم ما شهدته في العقد الماضي، من تحسن طفيف للغاية، إلا أنها ظلت في ذات المرتبة.

شكل رقم (1)


إلا أن ذلك يتم تعديله قليلاً بانخفاض (نسبي) في مستوى الفساد عن نظيرتها الأرجنتين، حيث تقع تقريباً في الربع الثالث الأدنى، بقيمة مؤشر إدراك فساد تبلغ 47 نقطة من أصل 100 نقطة، وبترتيب عالمي أعلى متوسط تحتل فيه المكانة 62 من أصل 182 دولة، وفق منظمة الشفافية الدولية Transparency International.

وبالعودة إلى تقارير دار الحرية، فإن حكومة راؤول كاسترو، التي خلفت شقيقه فيدل كرئيس في عام 2008، ظلت تحتكر معظم النشاط الاقتصادي في مؤسسات الدولة على الرغم من الإصلاحات الأخيرة التي تسمح ببعض العمل الحر. ولم تتأثر طبيعة النظام القمعية غير الديمقراطية بالجهود الرامية إلى "تطبيع" العلاقات مع واشنطن تحت إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما.

فيما استمر القمع المنهجي لجماعات المجتمع المدني المستقلة خلال عام 2017، مع ارتفاع عدد النشطاء البارزين الذين يواجهون الملاحقة القضائية أو طلب اللجوء في الخارج. وفي أغسطس 2017، أعلنت الحكومة تجميداً مؤقتاً لإصدار تراخيص التوظيف الذاتي الجديدة في العديد من المجالات. وأحبطت السلطات جهداً لم يسبق له مثيل من قبل 175 من مرشحي المعارضة لمناصب في انتخابات المجلس البلدي في كوبا في نوفمبر 2017، ولم يظهر أي منهم في نهاية الأمر في الاقتراع.

في ديسمبر الفائت، أجلت الحكومة الانتخابات الوطنية لمدة حتى إبريل 2018، ومن المتوقع أن يبقى كاسترو سكرتيراً أولًا للحزي الشيوعي الكوبي حتى عام 2021 على الأقل، بعد أن فاز بفترة رئاسة جديدة مدتها خمس سنوات في ذلك المنصب في مؤتمر الحزب في عام 2016.

وتعمل الحكومة على تشويه أو إقصاء مرشحي المعارضة المحتملين وترهيب الناخبين، حيث أدين بعض المرشحين بتهم ملفقة في محاكمات موجزة، أو تم اعتقالهم لمنعهم من حضور اجتماعات الترشيح. وفي حالات أخرى، لم يتم إعلام السكان المحليين أبداً بتاريخ ووقت اجتماعات الترشيح، مما سمح لأنصار الحكومة بحظر الترشح المستقل.

فيما سعت مجموعة من 175 من النشطاء المرتبطين بائتلاف المعارضة أوترو 18 (Otro 18) إلى الترشح في الانتخابات، لكن لم يتمكن أي منهم في النهاية من الحصول على مكان على ورقة الاقتراع، كما واجه الناشطون عمليات الاعتقال والترهيب أثناء محاولتهم مراقبة أماكن الاقتراع وفرز الأصوات.

وأبلغت اللجنة الكوبية لحقوق الإنسان والمصالحة الوطنية، وهي منظمة غير حكومية، عن وقوع 1555 حالة اعتقال تعسفية للمعارضين السلميين خلال عام 2017. وأصبحت هذه الاعتقالات الوجيزة ذات الدوافع السياسية تكتيكاً قمعياً رئيساً للحكومة، حيث بلغ مجموع الحالات التي تم توثيقها 51833 حالة منذ 2010، وفق بيانات CCDHRN، رغم أن العدد عام 2017 كان الأدنى مستوى منذ عام 2011.

في المقابل، أعطى راؤول كاسترو الأولوية لمكافحة الفساد، وتم فرض عقوبات طويلة في قضايا مختلفة تورط فيها مسؤولون كوبيون ورجال أعمال أجانب. ومع ذلك، لم تسنّ الحكومة أية إصلاحات داخلية تجعل النظام أكثر شفافية وأقل عرضة للإساءة، كما أنها لا تسمح لمجموعات المجتمع المدني أو الصحفيين أو المحاكم بالعمل كضوابط خارجية على سلطتها.

وتفتقر كوبا إلى قوانين فعالة تنص على حرية المعلومات والوصول إلى السجلات الرسمية. ولم تحقق المطالب الأخيرة من قبل الصحفيين بقانون جديد لوسائل الإعلام يمنح المواطنين الحق في الحصول على المعلومات وتوفير الحماية القانونية لقطاع الإعلام غير الحكومي الناشئ.

وقد عانى عدد من منظمات المجتمع المدني المستقلة من عمليات مداهمة ومصادرة خلال عام 2017، كما تم اعتقال بعض النشطاء بتهم تعسفية أو أجبروا على النزوح. على سبيل المثال، سعى 14 من أعضاء مركز كوبا ليكس للمعلومات القانونية، وهو شركة استشارية متخصصة في المصلحة العامة، للحصول على اللجوء في الولايات المتحدة ابتداءً من مايو 2017 بعد تعرضهم لضغوط من الحكومة.

في نوفمبر 2017، أعلنت الحكومة أنه اعتباراً من يناير 2018 ستخفف القيود المفروضة على زيارات الأمريكيين الكوبيين من خلال إلغاء حاجتهم إلى "إعادة تأهيل" جوازات سفرهم دورياً، والسماح لهم بالزيارة على متن اليخوت، وإلغاء شرط الإقامة للأطفال المولودين في الخارج. ومع ذلك، لا يزال المهاجرون الكوبيون يواجهون رسوماً كبيرة لجوازات السفر، ويمنع الأطباء الكوبيون والدبلوماسيون والرياضيون الذين "انشقوا" من زيارتهم لمدة ثماني سنوات.

إلا أن كوبا بدأت تتخذ منحا ًمختلفاً عن العقود الستة الماضية، من خلال تنحي راؤول كاسترو عن السلطة في إبريل الماضي، بعد انتخابات المجلس الوطني (التي شارك فيها 605 مرشحاً لشغل 605 مقعداً، كلهم من مرشحي الحزب الحاكم)، واختار النواب المنتخبون، ميغيل دياز كانيل رئيساً للبلاد.

ورغم أنه يصنّف في عداد التيار المعتدل في القيادة إلا أن مواقفه الأخيرة تعكس توجهاً أكثر تشدداً وخاصة فيما يتعلق بالموقف من العلاقة مع الولايات المتحدة وتحرير الاقتصاد الكوبي. وتسرّب شريط مصور عام 2015 ظهر فيه دياز متحدثاً خلال اجتماع حزبي منتقداً خلال حديثه "الإعلام المستقل"، وقال إن السفارات الغربية في كوبا تدعم الأنشطة "الهدامة" في البلاد، ووصف خطوة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما بإعادة العلاقات الدبلوماسية مع بلاده بأنها "طريقة أخرى لتحقيق الهدف النهائي وهو تدمير الثورة الكوبية. (إبريل 2018، BBC عربي)

غير أن هذه البيئة (غير الديموقراطية) أنتجت في المقابل، ثباتاً في استقرار الدولة، وتعزيزاً مستمراً له.

حيث احتلت كوبا على مؤشر الاستقرار لصندوق السلام Fund for Peace، المرتبة 119 من أصل 178 دولة (ترتيب تنازلي)، في تهديد الفشل.

شكل رقم (2)



وشهد مؤشرها تحسناً في الأخير، بأكثر من نقطة ونصف النقطة، وبحدود 10 نقاط خلال السنوات الخمس الأخيرة، وأكثر من 15 نقطة في العقد الأخير.

وبذلك انتقلت كوبا من دولة ذات تحذير عالٍ جداً قبل عقد من الزمن، إلى دولة ذات تحذير، عام 2018، وبقيمة تعادل (62.9 نقطة)، بل وتتجه كوبا إلى أن تصبح دولة ذات استقرار بسيط، قريباً، في حال حافظت على نهجها في تعزيز استقرار الدولة.

شكل رقم (3)


وسعت كوبا، إلى تعديل دستور عام 1976، حيث كرس الدستور الجديد أموراً منها بعض الإصلاحات في مجال اقتصاد السوق وتطوراته خلال الأعوام الماضية، مثل الاعتراف بالملكية الخاصة.

غير أنه في وقت سابق من شهر يوليو الحالي، أكدت مديرة الأمريكيتين في منظمة العفو الدولية، أن مسودة الدستور الكوبي الجديد لم تتضمن آليات جديدة للحد من القمع الممارس من قبل السلطات ضد المواطنين ممن يدافعون عن حقوق الإنسان، وأن المنظمة لا زالت تتلقى تقارير مقلقة بشأن اعتقال ناشطين وحقوقيين دون وجه حق، مع الاستمرار في التحفظ عليهم لفترات داخل السجون.

وأشارت أن الاستعراض الدولي الشامل لدي كوبا أمام الأمم المتحدة، لم يُخفِ واقع الحياة الحقيقية في الجزيرة حيث تحافظ السلطات على استخدام وسائل القمع القسرية من خلال ممارسات مثل الاستخدام التعسفي للقانون الجنائي والفصل العنصري لموظفي الدولة. فيما الإدارة الجديدة في كوبا لا تزال لديها فرصة لتفكيك أجهزة الدولة القمعية، والتي لا زالت تفوق أي تقدم في تلبية حقوق الإنسان.

ومن بين القضايا الأخرى، رحبت باعتماد الجمعية الوطنية لكوبا الدستور الجديد، الذي من بين أمور أخرى يمهد الطريق لإضفاء الشرعية على زواج المثليين، واعتبرت أنه بمثابة خطوة كبيرة إلى الأمام من أجل حقوق الأشخاص المثليين في كوبا والكاريبي.

 

ثانياً: البيئة الاقتصادية

تعتبر كوبا من الاقتصادات الصغرى دولياً، حيث لا يتجاوز دخلها القومي 75 مليار دولار، لكن لا تتوفر بيانات حديثة عن تطورات اقتصادها، في ظل تراجع اقتصاديات عدة دول في أمريكا الوسطى والجنوبية. ويمكن ملاحظة الاتجاه العام للاقتصاد الكوبي من خلال البيانات المتاحة لدى البنك الدولي:

شكل رقم (4)


 

ووفق البيانات السابقة، يلحظ أن الدولة تحافظ على مستوى بطالة متدنٍ، مع ارتفاع تدريجي في مستويات الدخل القومي والناتج المحلي. لكن اعتمادها الكبير على واردات الطاقة، يجعل اقتصادها عرضة للأزمات مع عودة ارتفاع أسعار النفط مؤخراً، وبما يضغط على الإنفاق الحكومي.

وخاصة أن كوبا تصنف دولة (قمعية) اقتصادياً، بمعنى أن الاقتصاد يبقى بيد الدولة، التي تتحكم في مساراته (شيوعي)، وهو ما يجعله ضعيف الإنتاجية والفعالية، عدا عن محدودية تنافسيته المحلية والخارجية.

وبالعودة إلى بيانات مؤشر الحريات الاقتصادية الصادر لعام 2018 عن Heritage، يمكن ملاحظة وقوع غالبية مؤشرات الحريات الاقتصادية في مراتب دنيا للغاية، مع تراجع في غالبيتها. حيث لم تسجل سوى (31.9) نقطة، لتقع في المرتبة 178 عالمياً، من أصل 180 دولة.

شكل رقم (5)


حيث تسجل قيماً قمعية ومتراجعة في كل من حقوق الملكية، والنزاهة الحكومية، والفعالية القضائية، وحرية الأعمال، وحرية العمال، والإنفاق الحكومي، وحرية الاستثمار، وحرية التمويل، إضافة إلى قيمة غير حرة فيما يتعلق بالعبء الضريبي.

وتسجل تراجعاً في الصحة المالية، وتقدماً في حرية النقد وحرية التجارة، وهي مؤشرات تقع في مرتبة (غالباً غير حرة).

ومما لا شك فيه أن أي حكومة مستقبلية في كوبا لن تجرؤ على التلاعب بالدعامات الأساسية للثورة، وخصوصاً العناية الصحية المجانية والتعليم المجاني والدعم المقدم لفقراء الأرياف. لكن لا يبدو أن هناك مخططاً واضحاً لكيفية التصدي للتحديات الاقتصادية المستقبلية.

ووفق أحد مسؤولي الحزب الحاكم في بايامو: "لقد مررنا بما هو أسوأ، انهيار الاتحاد السوفييتي والمرحلة الخاصة ... إذا كنا قادرين على تجاوز تلك الصعوبات، فإننا قادرون على تجاوز أي شيء". لكن يواجه الملايين من الكوبيين صراعاً يومياً تحت ظروف قاسية من أجل توفير حياة كريمة لهم ولأسرهم، ومع تصاعد مطالب الكوبيين بظروف معيشية أفضل، ستتصاعد أيضاً التحديات التي تواجهها مؤسسات الدولة وقيادة البلاد الجديدة.

ومن التحديات الكبيرة التي تنتظر دياز، مواجهة الركود الاقتصادي وتجاوز الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها حيث لا يتجاوز دخل العامل الكوبي في الدولة 30 دولاراً شهريا، ويعمل 80% من الكوبيين لدى الدولة.

وكانت فنزويلا تقدم لكوبا كميات كبيرة من النفط بأسعار زهيدة أقرب إلى الهبة، وصلت قيمتها إلى نحو 6 مليارات دولار سنوياً في مرحلة ما، لكن مع تراجع أسعار النفط والاضطرابات التي تعيشها فنزويلا بعد رحيل زعيمها هيوغو شافيز توقفت المساعدات المقدمة من فنزويلا تقريباً. (إبريل 2018، BBC عربي)

أما في مستوى التجارة الخارجية، وفق بيانات Trade Map، فيبقى حجمها محدوداً، وبميزان سلبي يستنزف الدولة، وبمعدل نمو سلبي في واردتها، وسلبي بعشرة أضعاف في صادراتها.

شكل رقم (6)


هذه المؤشرات ذات الأداء المتدني أو السلبي أو القمعي، لم تمنع من تحقيق انتعاش اقتصادي طفيف عام 2017، رغم تراجع العلاقات مع الولايات المتحدة والدمار الذي خلّفه إعصار إيرما. حيث بلغ نمو الناتج المحلي 1.6%، وظلّ بعيداً عن الطموح الذي كانت تستهدفه السلطة عند 2%، والذي عادت السلطة وحدّدته هدفاً لها عام 2018، لكن يبدو أن من الصعب تحقيقه دون إجراءات إصلاحية قوية، وخصوصاً مع عودة ارتفاع أسعار النفط.

ويبدو أن الدستور الجديد يتطلع إلى هذه الإصلاحات الجذرية، حيث اعترف للمرة الأولى بالملكية الخاصة، وباقتصاد السوق، دون التخلي عن النهج الاشتراكي، مع إزالة الإشارة إلى "المجتمع الشيوعي".

ومن ضمن العوامل التي أثرت سلباً في الاقتصاد الكوبي، كانت القيود التي فرضتها إدارة ترامب على الشركات الأمريكية، من خلال حظر التبادلات التجارية مع 179 شركة ومؤسسة كوبية مرتبطة بالقوات المسلحة أو الأجهزة الأمنية الكوبية.

وما تزال مسألة توحيد العملة المزدوجة المتداولة (البيزو الكوبي والدولار الكوبي) معلقة، وهي ما يسبب تشوّهاً في الاقتصاد وعائقاً أمام الاستثمار الأجنبي، رغم أن كوبا استقطبت عام 2017 استثمارات أجنبية تصل إلى ملياري دولار أمريكي لتعزيز مشاريع مشتركة مختلفة في قطاعات رئيسة، وفقاً لما ذكره وزير الاستثمار الأجنبي. كما استمر ارتفاع عدد السياح الدوليين الوافدين، حيث بلغ رقماً قياسياً مسجلاً 4.7 مليون زائر في عام 2017.

ويبدو أن كوبا لديها بدائل عن الدعم الفنزويلي في مجال النفط، حيث أعلنت شركة سوناطراك الجزائرية للطاقة، أن الجزائر أرسلت 2.1 مليون برميل من النفط الخام إلى كوبا العام الماضي وستشحن نفس الكمية في 2018، لمساعدة كوبا على تعويض نقص في الإمدادات من حليفتها فنزويلا.

حيث تستورد كوبا سنوياً منتجات نفطية بنحو 200-300 مليون دولار من الجزائر، من بينها بعض المشتريات من النافتا، وهي مشترٍ منتظم أيضاً لوقود الطائرات من الجزائر. لكن كوبا تعتمد بالكامل تقريباً على فنزويلا في وارداتها من النفط الخام من خلال برنامج مساعدات عمره 15 عاماً، تسعى كراكاس جاهدة للإبقاء عليه وسط هبوط في إنتاجها النفطي ناتج عن انقطاعات في الكهرباء وشح في الاستثمارات ومدفوعات متأخرة.

كما تشتري كوبا منتجات نفطية من روسنفت الروسية، وبدأت مؤخراً محادثات مع الحكومة الكوبية حول شراكات تصديرية محتملة. (يناير 2018، سكاي نيوز عربية)

 

  

ثالثاً: القوة العسكرية

رغم تعداد جيش فاعل بحدود 70 ألف جندي، إلا أن كوبا تظل من ضمن القوى العسكرية الصغرى، بعتاد محدود يعود إلى الحقبة السوفيتية في غالبيته، وبموازنة عسكرية سنوية لا تتعدى 700 مليون دولار، وغياب تهديدات خارجية سوى التهديدات الأمريكية طيلة العقود الماضية، والتي تراجعت تدريجياً إلى أن وقع الطرفان اتفاقيات متبادلة عام 2015، قبل أن يلغي ترامب كثيراً منها، ويعيد رفع مستوى التهديدات.

أي أن الجيش الكوبي الحالي (ضعيف القدرات) يخدم بالأساس وظيفة حماية السطلة، ومنع الانقلاب عليها من المؤسسات الحكومية أو من حراك شعبي محتمل. ويمكن ملاحظة حجم هذه القوات من خلال تقديرات عام 2018، التي أصدرها موقع The Global Fire Power.

شكل رقم (7)


 

رابعاً: العلاقات مع الولايات المتحدة

سبق أن استعادت كوبا علاقاتها مع الولايات المتحدة، إبان إدارة أوباما، إلا أن الرئيس راؤول كاسترو، آنذاك، خاطب أعضاء المجلس الوطني: "لا يجب أن نتصور بأنه في سبيل تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة، ستتخلى كوبا عن المبادئ التي حاربنا من أجلها لأكثر من قرن والتي ضحى شعبنا في سبيلها بدمه وركب المخاطر من أجل إعلائها"، أي أنه أكد على الاستمرارية السياسية، وألا مكان لتعدد الأحزاب أو المعارضة العلنية في كوبا.

وقد قوبل تحسن العلاقات بين هافانا وواشنطن بشيء من الريبة، فعلى الجانب الأمريكي، استنكره بشدة حاملو رايات معاداة الكاستروية وعلى رأسهم السيناتور ماركو روبيو. أما على الجانب الكوبي، فكان هناك العديد من المؤدلجين الذين عزّ عليهم رؤية رئيس أمريكي وهو يزور هافانا.

وكانت خطط التطبيع، التي أبرمتها إدارة أوباما عام 2015، تتضمن مراجعة الولايات المتحدة تصنيفها لكوبا كدولة راعية للإرهاب، وتخفيف القيود على سفر الأمريكيين إلى كوبا، وتحفيف القيود المالية، وتكثيف الاتصالات بين البلدين، إضافة إلى جهود تستهدف رفع الحظر التجاري. (يونيو 2017، BBC عربي)

وسرعان ما أعاد الرئيس ترامب تقييم هذه العلاقات، وألغى جزءً من الاتفاق الذي أبرمته إدارة أوباما، باعتباره "اتفاقاً يخدم كوبا من جانب واحد تماماً". وفي لقائه السابق بالأمريكيين من أصل كوبي، أكد أن سياسته الجديدة من شأنها أن تشدد القيود على السفر إلى كوبا وإرسال التحويلات المالية إلى هناك، لكنه قال إنه لن يغير العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع هافانا كما أنه لن ينقل سفارة الولايات المتحدة في هافانا.

ومع رحيل فديل كاسترو، غرّد ترامب قائلاً، رحيل "ديكتاتور وحشي" سيكون إرثه عبارة عن "فرق إعدام وسرقة ومعاناة لا يمكن تصورها وفقر وحرمان من أبسط حقوق الانسان"، وهو ما أعاد التوتر بين الطرفين، إلى حينه.

عدا عن حوادث متفرقة، ما تزال تشكل عقبة في تطبيع كامل للعقبات، ومنها شكوى أكثر من 20 من الدبلوماسيين الأمريكيين، من أعراض متعددة (صمم وارتجاج دماغي) تعذر إيجاد تفسير لها، وقالت وزارة الخارجية الأمريكية إن موظفيها كانوا ضحايا "هجمات صحية"، وحملت كوبا مسؤولية التقاعس في حماية دبلوماسييها إن لم تكن مسؤولة مسؤولية مباشرة عن الهجمات المزعومة، وهو ما نفته كوبا واعتبرته قصصاً ملفقة وهستيرية.

لذا، سحبت الولايات المتحدة معظم دبلوماسييها من هافانا ولم تبق إلا عدداً قليلاً، وأضحت العلاقات الأمريكية-الكوبية، بعيدة كل البعد عن تلك التي كانت سائدة خلال حكم ادارة أوباما. (إبريل 2018، BBC عربي)

زاد من تعقيداتها، الملاحظات الساخرة لترامب من الشيوعية، والقول إن الأمريكيين من أصل كوبي عندهم "قصة مؤلمة ولكنها مهمة بشأن الطبيعة الحقيقية والوحشية لنظام كاسترو".  وتعددت الأوصاف التي أطلقها ترامب على النظام الكوبي، ومنها اعتباره: "الأرباح المتأتية من الاستثمار والسياحة تصب مباشرة في صفوف الجيش الكوبي، النظام يأخذ الأموال ويمتلك هذه الصناعة"، "لا نريد للدولارات الأمريكية أن تتدفق على كوبا".

 

  

خامساً: العلاقات مع الاتحاد الأوروبي

أعلنت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي، في يناير 2018، عن استثمارات وعقود جديدة مع هافانا، مؤكدة رغبة الاتحاد في مواكبة الانتقال السياسي التاريخي في كوبا. وقالت "فتحنا فصلاً جديداً في علاقاتنا، ومن الآن فصاعداً، نرغب في مزيد من الاستثمارات والعلاقات الاقتصادية مع كوبا". غير أنها شددت على أن "وضع حقوق الإنسان في كوبا ما زال مهماً بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي".

حيث أصبح الاتحاد الأوروبي، وفق الوزيرة، الشريك التجاري الأول لكوبا عام 2017، وتجاوزت التجارة بين الطرفين 2.4 مليار دولار في العام 2016. فيما تمت مناقشة سبل زيادة الاستثمارات في كوبا، وتم توقيع ثلاثة اتفاقات تعاون بين الاتحاد الأوروبي وكوبا بقيمة 49 مليون يورو: الطاقة المتجددة (18 مليون)، والزراعة (21 مليون)، والثقافة (10 مليون).

مع إطلاق أول مجلس مشترك بين الاتحاد الأوروبي وكوبا، بهدف المضي قدماً في اتفاقات التعاون، مع زيارة وفد من بنك الاستثمار الأوروبي لكوبا، لدرس اتفاقات مشتركة.

وفي مواجهة السياسة الحمائية للرئيس الأميركي دونالد ترامب، يريد الاتحاد الأوروبي وكوبا إظهار أن شراكتهما التي أبرماها في نوفمبر 2017 قائمة، وتم تعزيزها بتوقيع اتفاق في مايو حول الطاقات المتجددة. وقالت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي في انتقاد للموقف الأميركي "لم تساهم الانعزالية أبداً في تشجيع أي تطور إيجابي".

فيما اندرج الاجتماع الأول للمجلس المشترك للاتحاد الأوروبي وكوبا في إطار اتفاق "الحوار السياسي والتعاون" الذي دخل حيز التنفيذ في الأول من نوفمبر 2017. وشهد الاجتماع خصوصاً توقيع مشروع ثنائي لتطوير الطاقات المتجددة في كوبا بقيمة 18 مليون يورو.

كما يعتزم الأوروبيون في عام 2018، تمويل برنامج دعم للأمن الغذائي في كوبا مع مساهمة بقيمة 19.65 مليون يورو. إلى جانب إطلاق مشترك لخمسة حوارات حول التنمية المستدامة، والسيطرة على الأسلحة وعدم انتشارها، وحقوق الإنسان والإجراءات الأحادية، ويبحث المحور الأخير الحظر المفروض من واشنطن على كوبا.

وتشكل دول الاتحاد الأوروبي أبرز مستثمر أجنبي في كوبا وتنشط أساساً في قطاعي السياحة والبناء، وفقاً للمفوضية الأوروبية. (مايو 2018، الحياة اللندنية)

ومع أواخر شهر يوليو 2018، قام وزير الخارجية الفرنسي بزيارة رسمية لكوبا، أكد من خلالها حرص بلاده على تقوية العلاقات معها، وهو أول وزير خارجية أوروبي يزور كوبا منذ الانتخابات التي جرت فيها في إبريل.

وأشاد الطرفان بعلاقاتهما التجارية والاقتصادية البينية، والتعاون الثنائي، والدور المتزايد الذي تقوم به الشركات الفرنسية في مختلف القطاعات الاقتصادية مثل الطاقة والنقل والإنشاءات.

 

 

سادساً: العلاقات مع روسيا

تسعى روسيا إلى إعادة بناء نمط العلاقات السابقة مع كوبا، بعد جمود استمر طيلة الفترة اللاحقة لانتهاء الحرب البادرة، ويمكن إعادة هذا التطلع الروسي الجديد، إلى عام 2014، عندما أسقطت روسيا 90% من ديون كوبا التي كانت تبلغ 35 مليار دولار منذ الحقبة السوفييتية.

فيما يتدفق التمويل الحكومي الروسي باتجاه كوبا، وزادت مبيعات الشركات الروسية إلى كوبا 11 ضعفاً، ضمن تحرك أوسع نطاقاً تقوم به موسكو لتجديد الروابط التجارية والعسكرية والسياسية.

حيث قفزت الصادرات الروسية إلى كوبا بنسبة 81% على أساس سنوي لتصل إلى 225 مليون دولار في الفترة يناير-سبتمبر 2017، وهو ما يمثل ربع الصادرات الصينية إلى كوبا، الشريك التجاري الرئيس لكوبا. ووفق الممثل التجاري الروسي في كوبا: "يمكننا أن نسمي هذه الفترة نهضة". ويتوقع أن تنمو التجارة الثنائية إلى 350 مليون دولار إلى 400 مليون دولار.

كما استأنفت شركة روسنفت الروسية للنفط، منذ مايو 2017، شحنات الوقود إلى كوبا للمرة الأولى هذا القرن، بالترافق مع توقيع اتفاقية للطاقة، تتضمن شحن النفط الروسي إلى الجزيرة وتطوير حقول النفط البحرية الكوبية.

كما شملت العلاقات الاقتصادية، قيام شركة سينارا الروسية الخاصة بتسليم قاطرة من 75 قاطرة بقيمة 190 مليون دولار، في نوفمبر 2017. إلى جانب قيام أكبر شركة لتصنيع الشاحنات في روسيا "كاماز" برفع صادراتها إلى كوبا، في ظل مفاوضات على تحديث خطوط السكك الحديدية والبنية التحتية الأخرى.

كما بدأت روسيا بتوفير التمويل للتصدير للشركات الروسية التي تتطلع إلى التجارة مع كوبا، بما في ذلك التأمين، والقروض والإعانات بقيمة تبلغ نحو 430 مليون يورو.

ومن المتوقع أن تبلغ تكلفة اتفاق تحديث السكة الحديد الكوبية بين الطرفين، 1.9 مليار يورو، كما تتطلع شركة روسنفت للنفط لتحديث مصفاة سينفويغوس النفطية في كوبا. (ديسمبر 2017، Reuters)

وترى روسيا في تراجع ترامب عن التزامات الولايات المتحدة تجاه كوبا، فرصة لتعزيز علاقتها مع كوبا، حيث أن ازدياد الحضور الروسي في كوبا، يعني ازدياد مستويات معارضة الولايات المتحدة. ويمكن ملاحظة ذلك من خلال التطلعات العسكرية الروسية.

حيث ذكر الرئيس التنفيذي لشركة "روس أوبورون اكسبورت"، أن السلطات الكوبية وجهت طلباً رسمياً لروسيا بغية تحديث المعدات العسكرية التي بحوزتها. حيث تقدمت بطلبات متعلقة بترميم وتحديث المعدات العسكرية الموجودة في حوزتها وبتوريد قطعِ الغيار لها.

وسبق للهيئة الفيدرالية الروسية للتعاون العسكري أن أعلنت أن روسيا وكوبا وقعتا اتفاقية برنامج التعاون التكنولوجي في ديسمبر 2016، ويقضي هذا البرنامج بالتحديث الشامل للمجمع الدفاعي الصناعي الكوبي، فيما يستمر سريان مفعوله لغاية 2020. (يوليو 2017، روسيا اليوم)

إلا أن روسيا تتطلع إلى ما هو أكثر من تنشيط مبيعات الأسلحة وإعادة تأهيل الجيش الكوبي، إلى وجود شبيه بالوجود الذي كان إبان الحرب الباردة.

حيث حث مستشاران رئيسان لبوتين، علانية، على إعادة فتح قاعدتهما الكوبية، وذلك في نوفمبر 2017، وهو ما يمكن أن يثير أزمة صواريخ كوبية ثانية من خلال إعادة فتح قاعدة هافانا العسكرية.

وفيما تحولت القاعدة القديمة إلى جامعة بعد أن أغلقها الكرملين، فإن إعادة افتتاحها تبدو محتملة بشكل متزايد، وقال نائب رئيس لجنة الدفاع والأمن في روسيا: "يجب أن تكون قاعدتنا في كوبا والبحرية والطيران موجودة. إنها قضية أساسية ... يجب أن يتم ذلك بالتأكيد ويجب تكثيفه اليوم ... يجب أن يكون وجودنا في كل مكان".

وهو ذات الاقتراح الذي سبق وأن تقدم به رئيس اللجنة السابق لقيادة القوات الجوية الروسية، إلى جانب دعوته إلى إعادة فتح القواعد الروسية القديمة في فيتنام. (نوفمبر 2017، The Express)

وبالطبع حافظ الطرفان على نمط علاقات سياسية مستمرة، تضمنت التواصل المباشر بين القيادات. ومن أحدثها ما أعلنه الكرملين من أن الرئيس الروسي بوتين أجرى اتصالاً هاتفياً في إبريل الفائت، بالرئيس الكوبي الجديد، وقال بوتين إن بلاده على استعداد لتقديم الدعم في التحديث الاجتماعي والاقتصادي لكوبا.

وأكد الرئيسان عزمهما "تنفيذ المشاريع المشتركة .... وفي المقام الأول مجالات الطاقة والبنية التحتية والنقل". كما أرسل بوتين برقية إلى راؤول كاسترو، شكره فيها على السنوات العديدة من التعاون المثمر، التي ساهمت في التطور التدريجي للعلاقات الروسية الكوبية. (إبريل 2018، سبوتنيك عربي)

 

سابعاً: العلاقات مع قطر

أشارت وسائل الإعلام الكوبية، إبان انطلاق المقاطعة العربية لقطر، في يونيو 2017، إلى أن وزير الخارجية القطري يحث الدول المجاورة، التي قررت قطع العلاقات الدبلوماسية مع بلاده، إلى الحوار، مؤكداً أن قطر لن تتخذ إجراءات تصعيدية تجاه الدول الشقيقة، وأن الدوحة مستعدة لقبول وساطة الكويت، في محاولة لاحتواء الأزمة.

وأشارت لاحقاً إلى ما اعتبرته قطر لناحية المهلة التي أعطتها السعودية، والإمارات، والبحرين لمواطنيها لمغادرة القطريين هذه الدول، تمثل انتهاكاً لحقوق الإنسان، وهو الأمر الذي يتطلب تدخلاً من جانب الأمم المتحدة.

حيث تشير التقارير الكوبية إلى أن الرياض وأبو ظبي والمنامة، قطعت العلاقات الدبلوماسية والقنصلية مع الدوحة بعد اتهامها بالترويج للإرهاب، وتأييد سياسة إيران تجاه كتلة الملكيات العربية. وقد أيد هذا الإجراء كل من: مصر، واليمن، وليبيا، وجزر المالديف، وموريتانيا، والأردن، والذي تضمن حصار الحدود البرية والبحرية والجوية، فضلاً عن إلغاء الرحلات الجوية في كلا الاتجاهين.

وفي إطار ذات التقارير، في يونيو 2017، أشارت إلى مصادقة الرئيس التركي على قرار البرلمان التركي بتطبيق اتفاقية نشر قوات تركية على الأراضي القطرية، كما صادق البرلمان أيضاً على مشروع قانون حول التعاون بين تركيا وقطر بشأن تعليم وتدريب القوات بين البلدين.

وإبان اجتماع سفراء كل من الإمارات والسعودية ومصر في هافانا، في أغسطس 2017، أشارت وسائل الإعلام الكوبية إلى رغبة هذه الدول في الحوار مع قطر، بعد أن تنفذ قطر كافة المطالب المقدمة لها، بما يسمح بمواجهة الإرهاب وتعزيز الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط.

فيما أشارت السفارة القطرية في هافانا، إلى اجتماع قام بين النائب الأول لرئيس جمهورية كوبا ووزير الاقتصاد والتخطيط، في أكتوبر 2017، مع السفير القطري، حيث بحثا قضايا متعددة، مثل الأزمة الخليجية الراهنة، والعلاقات الثنائية وسبل دعمها وتطويرها، بالإضافة الى الأمور ذات الاهتمام المشترك.

ووفق السفارة القطرية، فقد وضح السفير خلفيات أزمة الخليج التي مر عليها أكثر من ثلاثة أشهر، وفق النقاط التي تكررها قطر دوماً. مؤكداً على أن قطر تعول على دور المجتمع الدولي والدول الصديقة، لممارسة الضغوط على الدول الأربعة للكف عن هذه السياسات، وإدانة التهديد باستخدام القوة لتغير أنظمة الحكم.

ووفق بيان السفارة، فإن نائب الرئيس الكوبي، يرى أن موقف هذه الدول غير قانوني، ولا يمكن قبوله، وقال "نحن نفهم وضعكم تماماً، والعالم اليوم يمر بمرحلة عصيبة وجنونية، وهنالك حاجة الى السلام أكثر من أي وقت مضى". وأضاف "عليكم ألا تتنازلوا عن حقوقكم المشروعة، وواصلوا النضال". ووعد بنقل ما جرى من الحديث الى السطات في وزارة الخارجية.

وقام كذلك بمقارنته بما تعاني منه بلاده منذ أكثر من ستة عقود، حيث تمت عزلة كوبا في دول أمريكا اللاتينية ما عدا المكسيك، موضحاً أن التهم الموجهة إليهم أنهم كانوا يصدرون الثورة إلى دول المنطقة.

أما فيما يتعلق بالعلاقات الثنائية، أشار الطرفان الى جودتها، وأنها علاقات متينة على مختلف المستويات وفي شتى الميادين، وأنها تشهد بشكل مستمر محطات تقدم وتجدد وأنها تسير قدماً بشكل جيد في مجالات متعددة منها الصحة والثقافة والتعليم ومجالات اقتصادية وسياسية واجتماعية أخرى.

ومن الخطوات الايجابية على مسار هذه العلاقات بين البلدين، هو التقدم الذي تم إحرازه في اتفاق الخدمات الصحية بين كوبا وقطر في مستشفى دخان.

ووفق الصحف القطرية، فقد عقدت في مايو 2018، في العاصمة الكوبية، جولة مشاورات سياسية ثنائية بين وزارتي الخارجية، ترأسها وزير الدولة القطري للشؤون الخارجية، والنائب الأول لوزير الخارجية الكوبي، لبحث العلاقات الثنائية وسبل تطويرها.

وأشار راديو هافانا كوبا، في يوليو 2018، إلى عقد لقاء بين سفير كوبا لدى دولة قطر ومدير الشؤون القانونية لوزارة العلاقات الخارجية القطرية، حيث ناقشا إمكانيات تعزيز الامتثال للاتفاقيات الموقعة بين البلدين، وعلى وجه الخصوص، الإعفاء من التأشيرة الدبلوماسية وتأشيرة الخدمة.

كما التقى السفير الكوبي برئيس سلطة الطيران المدني في دولة قطر، حيث استعرض معه الوضع الحالي للعلاقات الثنائية، وقضايا متعلقة بتعزيز التعاون بين كوبا وقطر في مجال الطيران المدني.

 

ثامناً: العلاقات مع إيران

تعتبر العلاقات بين البلدين واحدة من أوثق العلاقات منذ تأسيسها، ومنذ قيام النظام الإيراني الحالي، حيث كانت كوبا من أوائل الدول التي اندفعت للاعتراف به، غير أن التطورات اللاحقة أصابت العلاقات ببعض الفتور.

حيث أدت التهديدات التي أطلقها ترامب من جديد باتجاه كل من كوبا وإيران، إلى تقارب جديد بينهما، منذ بدء ولاية ترامب، حيث وقع الطرفان في فبراير 2017، على 12 اتفاقية تعاون جديدة، مع اقتراب موعد اجتماع اللجنة الحكومية الدولية في هافانا. وتغطي الاتفاقيات ومذكرات التفاهم مجموعة واسعة من المجالات من الزراعة والصحة والتكنولوجيا الحيوية والتعليم العالي.

وبموجب الاتفاقيات الثنائية، دخل المعهد الكوبي للإذاعة والتليفزيون وشبكة إيران Hispan TV في مذكرة تفاهم حيث يسعى البلدان إلى تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري. ووفقاً لوزير الصحة الإيراني: "في الساحة السياسية، نحن دولتان لديهما مواقف مشتركة في القضايا الدولية ... إننا نؤيد بعضنا البعض كدول عدم الانحياز". (فبراير 2017، Tele SUR TV)

وفي يناير 2018، تسلم روحاني أوراق اعتماد سفير كوبي جديد لدى إيران، ومن خلاله أكد روحاني أن إيران عازمة على تقوية علاقاتها مع كوبا، خاصة في القطاع الاقتصادي، معرباً عن معارضته لسياسة العقوبات التي تستهدف الدول المستقلة.

وقال روحاني إن إيران وكوبا هما البلدان الثوريان اللذان يتمتعان بعلاقات جيدة جداً، مؤكداً أن إيران "عازمة على تطوير العلاقات مع الحكومة الكوبية وسوف أتبع هذا المسار". وأكد أنه ينبغي تفعيل الطاقات لتعزيز العلاقات بين طهران وهافانا في مختلف المجالات الاقتصادية، وخاصة في قطاع العلوم والطاقة. وانتقد روحاني فرض مزيد من العقوبات، قائلاً إن إيران "تعارض فرض العقوبات الجائرة ضد الدول المستقلة، بما في ذلك على كوبا".

من جانبه، أشاد السفير الكوبي بالدور الإيراني الفعال في اللجوء إلى الاستقرار والأمن في المنطقة والعالم بأسره. وأشار إلى أن هافانا عازمة على زيادة علاقاتها الاقتصادية والسياسية مع طهران. حيث ترى كوبا أن تعزيز العلاقات مع إيران في جميع المجالات هو أفضل وسيلة لمواجهة العقوبات الجائرة ضدهما. (يناير 2018، Press TV)

ومؤخراً، استقبل نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الاقتصاد والتخطيط الكوبي، في هافانا، النائب الأول لوزير العلاقات الخارجية لإيران، الذي سلّمه رسالة من الرئيس الإيراني إلى نظيره الكوبي، وناقشا إمكانية توسيع نطاق التعاون الاقتصادي والتجاري والتعاون القائم بين البلدين، وأشادا بالوتيرة الجيدة للعلاقات الثنائية، والوضع الجيد للعلاقات والاهتمام بمواصلة تطويرهما في المجالات الاقتصادية والتجارية والتعاونية، كما تناولا قضايا ذات الاهتمام الثنائي والدولي. (يونيو 2018، راديو هافانا كوبا)


الموقف الكوبي من الأزمة السورية

طبيعة العلاقات الكوبية مع الولايات المتحدة وإيران، انعكست على موقفها من تطورات الأحداث السورية، ففي إبريل الماضي، تشاركت كوبا وإيران مع عدد آخر من الدول، إدانة ما وصفته بالعدوان الثلاثي الأمريكي البريطاني الفرنسي ضد سورية، رداً على استخدام النظام السوري للأسلحة الكيماوية.

ووفق بيان وزارة الخارجية الكوبية، فإن هذا الإجراء يعد انتهاكاً سافراً لمبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة ولدولة ذات سيادة، محذرة من أن هذا الهجوم يؤدي إلى تفاقم الأزمة في سورية، وإلى تداعيات خطيرة في المنطقة بأكملها. (إبريل 2018، اليوم السابع)

وأكد رئيس دائرة العلاقات الدولية في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الكوبي، على موقف بلاده الداعم للنظام السوري في المجالات كافة، منوهاً "بتضحيات الجيش العربي السوري وانتصاراته في مواجهة الإرهاب". وأشار إلى أن كوبا ستواصل دعم سورية في كل المجالات، كما لن تقبل أبداً بالتفاوض على سيادتها واستقلالها وقرارها الوطني ولن تساوم على مصالح شعبها.

وذلك خلال لقائه بوفد حزب البعث العربي الاشتراكي، الذي يشارك في منتدى ساو باولو للأحزاب والقوى اليسارية والتقدمية في أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي المنعقد في هافانا.

وأشار رئيس وفد حزب البعث، في لقائه المسؤول الكوبي، إلى "تصميم الجيش العربي السوري على مواصلة تصديه البطولي للتنظيمات الإرهابية وملاحقتها أينما كانت حتى اجتثاثها من كامل الأراضي السورية"، مشيراً إلى "الدور التخريبي والداعم للإرهاب الذي أدته بعض الأنظمة الإقليمية والعربية، ولا سيما أنظمة السعودية وقطر وتركيا". (يوليو 2018، راديو هافانا كوبا)

 

الموقف الكوبي من الأزمة اليمنية

أكد سفير اليمن لدى كوبا، أن ‏إيران مستمرة في التدخل في الشؤون الداخلية ‏لبلاده، وزعزعة استقرار المنطقة عبر دعمها المليشيا ‏الحوثية الانقلابية بالأسلحة. وأشار السفير لدى لقائه مدير دائرة الشرق ‏الأوسط وشمال إفريقيا بالخارجية الكوبية، إلى أن تحرير ميناء الحديدة من شأنه أن ‏يعمل على وقف تهريب الأسلحة والصواريخ الإيرانية ‏للحوثيين.

ولفت السفير اليمني الانتباه، إلى حرص حكومة بلاده، ‏ودوّل التحالف العربي على ألا تؤثر العمليات العسكرية ‏الجارية في الحديدة في السكان المدنيين والمنشآت ‏المدنية ووصول المساعدات الإنسانية والإغاثية القادمة ‏عبر الميناء والعمل مع شركائها على تنفيذ عملية ‏إغاثية إنسانية في مدينة الحديدة بالتزامن مع سير ‏العمليات العسكرية.

 من جهته أكد المسؤول الكوبي وقوف بلاده إلى جانب ‏اليمن في مساعيها بوقف الحرب وإحلال السلام. (يوليو 2018، صحيفة الرياض)

ويمكن تلمّس مزيد حول موقف كوبا، من خلال تقرير إذاعة هافانا كوبا، في شهر يوليو 2018، الذي تناولت فيه سقوط ثلاثة مدنيين قتلى، وإصابة تسعة آخرين عندما سقطت قذيفة هاون على سوق مزدحمة في مدينة تعز، المحاصرة من قبل المتمردين الحوثيين.

وأشار التقرير إلى أنه قد قُتل ما يقرب من 10 آلاف شخص في هذا النزاع منذ عام 2015، علماً بأن أكثر من 2200 من هؤلاء الضحايا هم من الأطفال. وأن هذه الحرب قد أدت بالبلد الفقير إلى حافة المجاعة، وإلى أسوأ أزمة إنسانية في العالم على حد قول الأمم المتحدة.

 

د. عبد القادر نعناع

باحث وأكاديمي سوري