الجمهورية الإسلامية المتهالكة: جيش من خردة

 


يُصرّ النظام الإيراني على تذكيرنا دوماً بخيباته العلمية والصناعية العسكرية، والتي لن يكون آخرها، مؤودته كوثر، التي حاول من خلالها استحضار الطائرة الأمريكية F-5 التي هي خارج الخدمة منذ عقود، في محاولة يائسة للتقليل من شأن أثر العقوبات الأمريكية الجديدة، والعودة إلى ذات النهج في تضخيم قدراته العسكرية، التي طالما انكشفت على شاشاته بأنها لا تتجاوز الخردة القديمة المُعاد طلاؤها، أو أنها –في أحسن الأحوال- بدائية الصنع لدرجة لا ترقى لمستوى الأسلحة.

فرضية بسيطة تؤكد هذا الاستنتاج، بل وتعّممه على كافة قطاعات الجيش الإيراني، وهو أن التدخلات الإيرانية الخارجية على شكل احتلال في سورية والعراق واليمن، لم تترافق بأسلحة حديثة تواجه فيها دول المنطقة، بقدر ما اعتمدت على تحشيد العنصر البشري، وزجّه في أتون معارك لا تنتهي، تحت شعارات تاريخية وطائفية وعنصرية، لم تؤدّ سوى إلى قتل مزيد من العرب والإيرانيين.

الطائرة كوثر، التي لم يتسنّ لها إثبات قدرتها على الطيران لأكثر من جولة واحدة، هي جزء من أسطول واسع كان لدى إيران، يضم 100 طائرة من طراز F-5F، ضعيفة المناورة. وحيث أن غالبية الآراء تذهب إلى أن إيران حصلت على هذا الأسطول في الفترة السابقة لعام 1979، إلا أن هناك آراء أخرى ترى أن الولايات المتحدة، بل وإسرائيل، عملتا على تزويد إيران بهذه الطائرات لمواجهة العراق في حرب الخليج الأولى، تحت قاعدة "عدو عدوي صديقي"، وفق ما جاء في تحليلات موقع Forces Network.

لم يتبق من هذه الأسطول سوى 48 طائرة تقبع في حظائرها منذ مدة طويلة، في حين أن الأخريات في غالبيتها تم تدميرها في حرب الخليج الأولى.

وفي حال اعتبارها طائرة مقاتلة، فإن هذا العدد يشكل ثلث عدد الطائرات المقاتلة في إيران (من أصل 150)، وبافتراض ذات المستوى التشغيلي لها، فإن ثلث القوى الجوية المقاتلة الإيرانية خارج الخدمة، أو على وشك السقوط والاحتراق إن حاولت الطيران.

في حين يرى البعض أنها لا تتعدى كونها طائرة تدريب، ولذلك يتم التقليل من شأن تحطمها، وإن كانت كذلك، فهي تمثل نصف طائرات التدريب العسكرية الإيرانية (من أصل 101)، وهو ما يعني فقدان نصف القدرة التدريبية، عدا عن أنها تظل عنصر تهديد يشكل خطراً على حياة طواقمهما.

يُضاف إلى ذلك، أن الطائرات الأخريات في الأسطول الحربي الإيراني، ليست بأفضل حالاً، حيث أن غالبيتها (إن لم يكن جميعها)، تعود لحقبة حرب الخليج الأولى وما قبلها، وتحتل الطائرات السوفييتية نسبة مهمة منها كذلك، لكنها في مرحلة الاحتضار التشغيلي، وتسعى كثير من الدول التي ما تزال تحتفظ بهذه الطائرات إلى التخلص منها، وفي مقدمتها بلغاريا التي تشهد حوادث طيران عسكري شبه شهري، في الطائرات السوفييتية، وأودى بحياة عدد من طياريها. أما في إيران فإن حوادث الطيران العسكري المُعلَن عنها، تتكرر بشكل غير منتظم:

-      في وقت سابق من يوليو 2018، تحطمت مقاتلة إيرانية من طراز F-4 في إقليم بلوشستان، وتمكن الطياران من الخروج قبل الحادث.

-      في مايو 2018، قُتل اثنان من أفراد طاقم إحدى طائرات التدريب الخفيفة التابعة للجيش الإيراني، عندما تحطمت في جنوب طهران، وقال الجيش إن الحادث وقع بسبب مشكلة فنية.

-      وقع حادث مماثل في عام 2017 مع مقاتلة Sukhoi Su-22، مما أسفر عن مقتل الطيار ومساعد الطيار.

بل إن طائرتها التي أحدثت كثيراً من الضجيج الإعلامي حولها في نوفمبر 2013، تحت مسمى "قاهر"، على اعتبار أنها طائرة مقاتلة خفيّة، لم تتجاوز عمليات إعادة طلاء لطائرة F-313، ولم يتم الحديث عنها مطلقاً منذ ذلك الحين، ويعتقد أنه لم تم تخزينها في إحدى الحظائر، ويرى البعض أنها لا تتعدى كونها طائرة نموذج (غير قابلة للطيران أو للتصنيع).

إن العقلية السائدة داخل النظام الإيراني، تقوم على صناعة الوهم لتحشيد الشارع خلف النظام، لكن إشكالية هذه العقلية أنها هي الأخرى ما تزال موروثة من حرب الخليج الأولى، وتتجاهل كل التطور التقني الذي يتيح الوصول إلى المعرفة سوى لدى الجمهور المؤيد أو لدى الخصوم.

فرغم تصنيفها دولة إقليمية "كبرى"، إن جاز ذلك، كنتيجة لحجم تدخلاتها العسكرية والميليشياوية في المنطقة، إلا أن مستواها التسليحي (الحروب التقليدية)، ينفي ذلك تماماً، فمن خلال مقارنة بين الموازنات الدفاعية لدول جوار إيران، لعام 2017، نلحظ أن موازنات غالبية تلك الدول تتفوق بأشواط على إيران، فهي 9 أضعاف في السعودية وضعفين ونصف في دولة الإمارات، وقرابة الضعف في أفغانستان. بل إن دول عمان والكويت والعراق، والتي ليس أي نشاط عسكري خارجي، تعادل موازناتها موازنات إيران أو تتجاوزها.

لتأتي إيران في المرتبة 33 عالمياً في النفقات الدفاعية، وهنا الحديث بغض النظر عما يطال هذه النفقات من عمليات فساد تستنزفها.




 أما على مستوى القوى الجوية، لناحية العدد الإجمالي، وليس النوعية أو الفعالية، فإن إيران أتت أيضاً متأخرة عن غالبية دول جوارها، وفي المرتبة 24 عالمياً. عدا عن أن مشتريات هذه الدول، المعلن عنها، تؤكد حجم الفارق في النوعية والحداثة والفعالية.

 ووفقاً للباحث Jordan Steckler، محلل الأبحاث الإيراني في مركز التفكير الأمريكي "United Against Nuclear Iran": فإنه من وجهة نظر عسكرية، فإن الكشف عن" Kowsar-88"، ليس مهماً على الإطلاق، وأن كشف النقاب عنها لا يتجاوز أغراض الدعاية المحلية، ويأتي في وقت يواجه فيه النظام ضغوطاً داخلية متزايدة بسبب إعادة فرض العقوبات الأمريكية، فضلا عن تصاعد الاحتجاجات على سوء الإدارة الاقتصادية والبيئية والفساد".

ويؤكد أن خصوم إيران، وفي مقدمتهم دول الخليج، عدا عن إسرائيل، تتمتع بقوات جوية أكبر من أسطول طهران المحدود من الطائرات الهجومية الروسية والأمريكية التي سبقت الثورة الإسلامية عام 1979. حيث أن نظام العقوبات قد حدّ بشكل فعّال من قدرتها على الحفاظ على أسطولها المتقادم، وزاد من اعتمادها على الصين وروسيا من أجل قطع الغيار".

 

د. عبد القادر نعناع

باحث وأكاديمي سوري