السياحة الجنسية: محاولة إيرانية يائسة لحصد الدولارات

 

 تُعتَبر تجارة الجنس واحدة من الإشكاليات المترسّخة في البنية المجتمعية الإيرانية، بل إنّها حوّلت عدة مدن إيرانية إلى محطات لهذه التجارة، لاستقطاب الزوار المحليين والأجانب. ورغم أنّ الموضوع غير مستحدث في إيران، إلا أنّ السلطات طالما سعت إلى إخفاء ملامح ذلك علناً، والحفاظ عليه مستمراً دون ذلك. على خلاف ما يجري في تركيا على سبيل المثال، من عدم مبالاة حكومية (عدم تقييد)، تجاه هذه التجارة التي تشكل أحد روافد السياحة الأجنبية في إسطنبول تحديداً.

المُستَحدَث في إيران، أنّ السلطات بات تبحث عن أي منفذ يمكّنها من توفير الدولار الأمريكي، في مواجهة تصاعد العقوبات ضدها. ونلحظ هنا ما نشرته صحيفة شرق الإصلاحية، قبل أيام معدودة، على لسان رئيس نقابة أصحاب الفنادق في خراسان، عن وجود 6000 دار إقامة تقدم خدمات جنسية للسيّاح العراقيين.

تقرير الصحيفة "الإصلاحية" المقرّبة من روحاني، هو إقرار (شبه حكومي)، باضطلاع السلطات الإيرانية وإشرافها على هذه التجارة، وإقرار بكل ما ورد من تقارير سابقة. بل إنّ صحيفة كيهان، حاول الاعتراض عليه علناً بإعادة الإشارة لما جاء في هذا التقرير، يوم أمس الأول، للتذكير بذلك.

سبق وأن صدرت تقارير عدة من مؤسسات غير إيرانية حول تجارة الجنس، لكن التضييق الاقتصادي الذي يعانيه النظام، يدفعه إلى أن يروّج بذاته لهذا الموضوع.

ففي عام 2015، كشفت صحيفة الغارديان البريطانية، في تحقيق أجرته في مدينة مشهد الإيرانية، جانباً من العالم السفلي لعاملات الجنس فيها. وأكد العديد من العاملين في فنادق خمس نجوم، أن سياحاً عراقيين يتوافدون على شارع الإمام رضا في المدينة للبحث عن بائعات الهوى وليس الصلاة وزيارة الأماكن المقدسة فقط.

أي أنّ السلطات الإيرانية، من خلال صحيفة شرق واعتراضات صحيفة كيهان عليها، تحاول إظهار الموضوع للعلن، مع اقتراب مواسم السياحة الدينية في إيران (عاشوراء)، في محاولة استقطاب للسياح، كما تفعل كل عام. مستفيدة من انهيار سعر صرف الريال الإيراني، إذ باتت السياحة عموماً، والجنسية خاصة، أقل تكلفة مما كانت عليه سابقاً للأجانب.

حيث تتراوح الأسعار التي كان يدفعها الزبائن بين 70-100 دولار، لليلة الواحدة، إلا أنه مع انهيار أسعار الريال الإيراني الأخيرة، فقد باتت هذه الأسعار تعادل نصف ما كان يتم دفعه، أو حتى أقل من ذلك. وهو ما يقدم عامل جذب لمزيد من الأجانب من جهة، ويوفر مداخيل من الدولارات للسلطة، وفرص عمل لشبكات واسعة.


على المستوى الاجتماعي، تشكل الدعارة، إشكالية في عدة اتجاهات: 

-      أنها مصدر رزق لكثير من الفقراء الذين لم يستطيعوا الحصول على فرص عمل، في ظل بطالة تشد، وانهيار اقتصادي، وعجز سلطوي عن توفير بنى اقتصادية جديدة. فطهران وحدها تضم أكثر من 10 آلاف عاهرة.

-      أن ممارسة الجنس غير الشرعي، إشكال ميثولوجي (أسطوري) تأسيسي في الثقافة الفارسية، حيث تتباهى الثقافة الفارسية التاريخية بذلك، ومنها ما جاء في الملحمة شاهنامة. وربما يكون المجتمع الشرقي الوحيد الذي يتباهى بذلك علناً. ولو لو أتيح للمجتمع الفارسي، لتحرر من كل قيوده الدينية (بما تتضمنه من قيم أخلاقية).

بل إن البعض وجد تبريراً لمهنة الدعارة، ومن ذلك ما قاله الباحث الإيراني في علم الاجتماع، حسين قاضيان: "إذا نظرنا إلى مسألة الدعارة من الناحية المنطقية، فهي تكون مهنة حالها حال بقية المهن؛ لأنّ المهنة هي أن تقوم بعمل ما مقابل مكافأة أو أجر، وبالتالي فإن تقديم المرأة جسدها للرجل مقابل دفع الأموال، وظيفة ... نحن اليوم نُسخِّر عقولنا في بعض المؤسّسات والدوائر الحكومية وغيرها مقابل أن نحصل على الأموال، فهل هذا يعني أننا بهذه الطريقة نبيع أجسادنا؟".

أما الإشكال الثالث، فيكمن في تداعيات هذه الممارسات على صحة المجتمع، فمنذ أيام، نشر راديو فردا، تقريراً حول الإصابات بمرض الإيدز، وانتشار المخدرات، اعتمد فيه على دراسة استقصائية أجرتها الأمم المتحدة عام 2016، أظهرت النتائج التالية:

-      هناك ما يقرب من 5000 إصابة جديدة بين عامي 2010 و2016، تضاف إلى 66000 إصابة سابقة (إحصائية رسمية إيرانية).

-      تدّعي بعض التقديرات أنه قد يكون هناك أكثر من 100 ألف إيراني مصابون بالإيدز.

-      حوالي 2.8 مليون إيراني يستخدمون المخدرات بانتظام.

-      هناك 9.3% من مدمني المخدرات الإيرانيين مصابون بالإيدز.

وهنا يظهر التناقض في الإحصائيات، حيث أن الإحصائيات ذاتها تقر بأن قرابة 270 ألف مدمن مصاب بالإيدز، في حين أشارت سابقاً إلى أن الرقم لا يتجاوز 100 ألف في أعلى التقديرات. وهي جزء من محاولة النظام للتعمية عن حقيقة حجم الإصابات.

عدا عن الإصابات غير المكتشفة والتي تحتاج إلى سنوات لاكتشافها، وما تسبِّبه من تفشٍ غير معروف وغير معلن، قبل أن يطال شرائح واسعة داخل المجتمع.

عدا عن أن ارتباط الدعارة بانتشار المخدرات (3.5% من الشعب مدمن على مواد لا تشمل الحشيش والعقارات المشابهة له). يؤكد أن ارتباط الموضوعين (المخدرات والجنس غير الشرعي) بالسلطة، فليس صحيحاً أن هذا العالم خفي عن السطلة وأنها تسعى للقضاء عليه.

فالسلطات وفّرت مكاتب رسمية (مكاتب دينية)، لتوثيق ممارسة الجنس غير الشرعي، بصورة شرعية، من خلال ما أسمته زواج المتعة (الذي يدوم لساعات)، بغية أن تضبط السلطات هذه التجارة من جهة، وأن تستطيع السيطرة على عوائدها من العملات الأجنبية قبل أن تتسرب إلى السوق السوداء.

فخاتمي على سبيل المثل، وفّر ما يسمى ببيوت العفة (بيوت الدعارة)، لتستطيع الأرامل ممارسة الجنس تحت إشراف السلطة. ومنذ أعوام خرجت دعوة من وزير الداخلية الإيراني الأسبق بور محمدي إلى إشاعة الزواج المؤقت، لمواجهة المشكلات الجنسية عند الشباب. وبالتالي فإن ما تقوم به السلطات من ضبط لشبكات الدعار، رغم آلاف دور الدعارة المنتشرة علناً، هو محاولة لضبط العاملين دون تنسيق مع أجهزة الدولة.

إشكال آخر يضاف إلى كل ما تقدم، يتمثّل في سعي النظام الإيراني إلى نقل هذا الانحطاط القيمي الذي يدمر العائلة والمجتمع بأسره، إلى المجتمعات التي تغلغل فيها أو فرض سلطته عليها، كما في العراق ولبنان، وسورية واليمن مؤخراً، حيث تشهد مظاهر شبيهة بذلك.


د. عبد القادر نعناع

باحث وأكاديمي سوري