صفقة القرن: مضمون الصفقة، والمواقف المرتقبة منها، وآثارها

 

 


نتائج عامة

-       لا يمكن لأية جهة كانت، أن تدعي حصولها على معرفة كاملة عن حقيقة الصفقة، وكل ما يتم تداوله تسريبات بعضها يتناقض مع الأخريات، ويبدو أن هناك تعمداً في إحداث هذا التشويش، بهدف اختبار الرأي العام المحلي والعالمي، وبهدف إحداث تغييرات في مضمون الصفقة تتناسب مع أية ردود فعل سلبية.

-       هي صفقة شبيه، بما كان يتم طرحه خلال ربع قرن الماضي، لذا هي بحاجة إلى كثير من الجهد لخلق فرص نجاح ما تزال غير متوفرة.

-       البيئة الدولية تسمح بطرح الصفقة، حيث أن الولايات المتحدة وروسيا، تؤيدان تمرير الصفقة، وتسعيان لتحقيق مصالح مشتركة مع إسرائيل في المنطقة.

-       البيئة الإقليمية المضطربة والحروب الأهلية في المنطقة، تساعد مؤقتاً على تمرير الصفقة.

-       يأتي الرفض/التحفظ الأوروبي على الصفقة، بحثاً عن مكانة للاتحاد الأوروبي في إدارتها، وحرصاً على مصالح الأوروبيين في الشرق الأوسط، لكن تأثيرهم محدود في هذا الملف.

-       هذه الصفقة، لا تقوم على حل إشكاليات القضية الحقيقية، بل محاولة الهروب إلى الأمام عبر خلق فرص اقتصادية، يعتقد صانعوها أنها كفيلة بحل القضية.

-       ولكننا لا نرى أن العامل الاقتصادي كفيل بإقناع الشارع والقوى الفلسطينية بالتخلي عما يعتبرونه ثوابتاً، حتى أكثر الجهات استعداداً للتنازل، ستكون في موقف حرج للغاية، وتحت ضغط شعبي فلسطينيي كبير.

-       كافة القوى الفلسطينية، السلطة وحماس والمستقلون، رافضون حتى الآن للصفقة، ويبدو أن مهمتهم باتت شاقة للغاية، وسيجدون أنفسهم في وضع حرج قريباً.

-       هذه الصفقة تؤجل حل القضية، بشكل حاد، ما يهيئ البيئة الإقليمية إلى انفجارات لاحقة.

-       في حال تمرير الصفقة، فإن مصر والأردن والسعودية وإسرائيل وفلسطين ستشهد تغييرات جغرافية، بهدف تحقيق الصفقة.

-       المطلوب من دول الخليج العربي، أن تخضع لعمليات ابتزاز مالي طويلة الأمد، بهدف حماية الصفقة وتمريرها، وترويج مشروع التطبيع.

-       دول الخليج العربي إلى جانب مصر والأردن، هي الفاعل الأكثر أهمية في المنطقة، بخصوص الصفقة.

-       بعد أن اعترضت قطر على الصفقة، عادة لتنخرط فيها، رغبة في المحافظة على مصالحها المستقبلية في المنطقة، والحفاظ على علاقتها بالولايات المتحدة وإسرائيل والفلسطينيين.

-       الأردن، حتى الآن، هو الأكثر قلقاً من الصفقة، لناحية الديموغرافيا والأبعاد السياسية والاقتصادية. ويبدو أن موافقته لن تكون سهلة وفق الشكل الحالي.

-       رغم أن لبنان ومصر قلقة نسبياً، إلى أن مسار الدراسة يوحي بأنهما على استعداد للتنازل في مقابل مكاسب ملحوظة.

-       لا تأثير لسوريا في الصفقة، وخصوصاً بعد سكوتها على ضم الجولان. لكن لإتمام الصفقة قد تشهد سوريا تغييرات سياسية أو جغرافية لاحقة.

-       المنظمات الدولية، ملتزمة بالقوانين الدولية وقرارات مجلس الأمن، ومسائل حقوق الإنسان، وبالتالي فإنها غير معنية إلا بما يتم التوافق حوله، أو الحفاظ على مواقفها التقليدية.

-       أما الجماعات الإسلامية المتطرفة، فإن موقفها سيبقى رافضاً للصفقة، لكن سلوكها سيكون مرتبطاً بموقف الفلسطينيين من جهة، وموقف تركيا وإيران من جهة ثانية.

-       ستحاول تركيا الظهور بمظهر المعترض على الصفقة، بهدف الحصول على مكاسب في ملفات أخرى، على رأسها سوريا وقضايا التسليح والتجارة.

-       إيران هي الأخرى قد تحاول استخدام الصفقة لتمرير أزمتها، وستفاوض بحدة قبل أن تقدم تنازلات ملحوظة.

-       بالمحصلة، تعتبر هذه الصفقة صفقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل من جهة، ودول الخليج العربي ومصر والأردن من جهة ثانية.

-       يمكن أن نشهد فترة سلام عربي-إسرائيلي بدءاً من عام 2020، لكنه وفق المعطيات الحالية، وهو سلام هش غير قابل للاستمرار.

-       في حال رفض الفلسطينيين للصفقة، فإن الولايات المتحدة ستجد في ذلك مبرراً للتخلي عنهم، وكذلك دول الخليج العربي، وهو ما يعزز النقطة السابقة، بأننا قد نشهد مرحلة سلام عربي-إسرائيلي، وليس سلاماً فلسطينياً-إسرائيلياً.

-       نقترح ألا يتبلور موقف إماراتي (وخليجي)، قبل أن يتم تقديم مسودة الصفقة إلى الدولة، ومناقشتها بشكل موسع مع كافة الأطراف، أي أننا نقترح التزام الحياد، إلى حين تبيان كافة التفاصيل الضرورية، بغية الحفاظ على خطوط عودة، وخصوصاً أن دولة الإمارات ليس على تماس جغرافي مباشر بالصفقة.

 

 

المحور الأول:

ماهية صفقة القرن، وبنودها

باتت المساعي الأمريكية، إلى حل الصراع العربي-الإسرائيلي، وإعادة ضبط منطقة الشرق الأوسط برمتها، وتوزيع الأدوار على القوى الفاعلة فيها، القديمة والجديدة، تسمى بصفقة القرن. لكن دون أن تتضح بشكل واضح ومباشر بنود هذه الصفقة وآلياتها، والأطراف الفاعلة فيها (عدا الولايات المتحدة وإسرائيل)، ومآلاتها.

حيث يقود كبير مستشاري البيت الأبيض وصهر الرئيس الأمريكي، جاريد كوشنر، ومبعوث الولايات المتحدة للشرق الأوسط، جاسون غرينبيلت، الجهود المتعلقة بخطة السلام في الشرق الأوسط، وقد أمضى المسؤولان فترة طويلة في التحضير لهذه الخطة.

وكان كوشنر قد قال في تصريحات لـCNN  حول الخطة: "الناس يسمحون لصراعات أجدادهم بالتأثير على مستقبل أبنائهم، هذه الخطة ستقدم طريقاً مثيراً للاهتمام وواقعياً ومستداماً، وهو أمر غير متوفر حالياً". وقال إن الخطة ستتضمن 4 عناصر وهي: البنية التحتية، والصناعة، والتمكين والاستثمار في الشعوب، بالإضافة إلى الإصلاحات الحكومية، وذلك من أجل خلق بيئة جاذبة للاستثمار في المنطقة.

حيث تسعى الخطة لحل النزاعات التي أثرت في عملية السلام وتسببت بإطالة أجل نجاحها، ومن ضمن هذه النزاعات: حق الفلسطينيين بإقامة دولتهم المستقلة، ووضع القدس، والإجراءات التي تتخذها إسرائيل من أجل الدفاع النفس، بالإضافة إلى قضية اللاجئين الفلسطينيين.

وأشارت صحيفة العرب اللندنية، إلى أنه ولضمان السرية التامة، قيّد كوشنير ومحامي ترامب السابق: غرينبلات، على عدد من يحق لهم الاطلاع على الخطة طوال العامين اللذين عكفا فيهما على وضعها. حيث إن أربعة أشخاص فقط هم الذين لهم الحق في الاطلاع على تطوراتها بانتظام، وهم كوشنير وغرينبلات والسفير الأميركي لدى إسرائيل ديفيد فريدمان وآفي بركويتس مساعد كوشنير.

فيما يتم إطلاع ترامب بانتظام على فحوى الخطة لكن ليس من المعتقد أنه قرأ الوثيقة المؤلفة من عشرات الصفحات بالكامل.

وقال مسؤولان آخران إنه يتم اطلاع نائب الرئيس الأميركي مايك بنس وبومبيو وجون بولتون مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض على تطورات خطة السلام لكنهم لا يتدخلون فيها نزولا عند رغبة كوشنير.

وقد أشار الرئيس المصري الأسبق، حسني مبارك، في حوار له مع صحيفة الأنباء الكويتية، في شهر مايو الجاري، إلى أن لا أحد يعلم بالضبط ماهية الصفقة وبنودها، وأن كافة الأطراف المعنية بها، تتداول تسريبات غير مكتملة بعد.

تصريحات مبارك، تتفق مع كثير من الآراء التي ترى أن ما يتم تداوله، ما زال مقدمة وتمهيداً يرمي إلى اختبار ردود فعل الأطراف المعنية بالأمر (وتحديداً الأطراف العربية)، وتحضيراً معنوياً مسبقاً للمنطقة بأسرها، حكومات وقوى وشعوباً، للقبول بأية طروحات، أو حتى امتصاص ردود الفعل غير المستحبة (وربما العنيفة)، عبر التسريبات المتتالية لفترة طويلة.

عموماً، هناك بعض التسريبات التي باتت متداولة بين كثير من المصادر العربية والأجنبية، والتي يبدو أنها ستشكل قاعدة العمل للوصل إلى الصفقة الكاملة، ويمكن إيجاز أبرز بنود هذه التسريبات، فيما يلي. على أن من المقرر أن يتم نشرها، أو الكشف عن جزء منها، في مؤتمر يُعقد في البحرين، نهاية شهر يونيو القادم.

فقد نشرت صحيفة إسرائيل اليوم، في بدايات شهر مايو الجاري، ما قالت إنها نص وثيقة متداولة في وزارة الخارجية الإسرائيلية، حول عناصر خطة "صفقة القرن" الأمريكية للتسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين. ولم تؤكد أي جهة أمريكية أو إسرائيلية أو فلسطينية، ما ورد في هذه الوثيقة.

واستنادا إلى صحيفة "إسرائيل اليوم" فإن الخطة تضم النقاط الرئيسية التالية:

1-    الاتفاق:

سيتم توقيع اتفاقية ثلاثي بين إسرائيل، ومنظمة التحرير الفلسطينية، وحركة حماس، وسيتم إنشاء دولة فلسطينية تسمى "فلسطين الجديدة"، في يهودا والسامرة (الضفة الغربية) وغزة، باستثناء المستوطنات الإسرائيلية المقامة بالضفة.

2-    إخلاء الأرض:

ستبقى الكتل الاستيطانية (بالضفة الغربية) كما هي اليوم في أيدي إسرائيل، وستنضم إليها مستوطنات معزولة، وسوف تتوسع مناطق الكتل لتصل إلى المستوطنات المعزولة التي ستضاف إليها.

3-    القدس:

لن يتم تقسيمها وتقاسمها بين إسرائيل وفلسطين الجديدة، وستكون عاصمة إسرائيل وفلسطين الجديدة، وسيكون السكان العرب هم مواطنو فلسطين الجديدة.

وستكون بلدية القدس (الإسرائيلية) مسؤولة عن جميع مناطق القدس باستثناء التعليم، الذي ستتعامل معه الحكومة الفلسطينية الجديدة، وستدفع السلطة الفلسطينية الجديدة لبلدية القدس الضرائب والمياه.

لن يُسمح لليهود بشراء المنازل العربية، ولن يُسمح للعرب بشراء المنازل اليهودية، ولن يتم ضم مناطق إضافية إلى القدس، وستبقى الأماكن المقدسة كما هي اليوم.

4-    غزة:

ستقوم مصر بتأجير أراض جديدة لفلسطين لغرض إنشاء مطار ولإنشاء المصانع والتجارة والزراعة، دون السماح بالسكن فيها، وسيتم تحديد حجم المناطق والسعر بين الطرفين من خلال وساطة الدول الداعمة.

5-    الدول الداعمة:

الدول التي ستدعم مالياً تنفيذ هذا الاتفاق هي: الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول الخليج العربية. وستوفر الدول الداعمة ميزانية قدرها 30 مليار دولار على مدى خمس سنوات للمشاريع الوطنية في فلسطين الجديدة، (تكلفة ضم المستوطنات المعزولة والكتل الاستيطانية إلى إسرائيل).

وتقسم الأموال التي ستدفعها الدول الداعمة، وفق الشكل التالي:

أ‌-      الولايات المتحدة الأمريكية 20٪.

ب‌-  الاتحاد الأوروبي 10٪.

ج‌-   تتقاسم دول الخليج العربية 70٪ المتبقية، كل حسب إنتاجه من النفط. أي أن معظم العبء سيكون على الدول الخليجية المنتجة للنفط لأنها ستكون المستفيدة الرئيسة من هذا الاتفاق. وفق ما يراه صانعو الصفقة.

6-    الجيش:

لن يكون لفلسطين الجديدة جيش، السلاح الوحيد هو الأسلحة الخفيفة التي تحتفظ بها الشرطة. وسيتم توقيع اتفاقية دفاع بين إسرائيل وفلسطين الجديدة تضمن فيها إسرائيل لفلسطين الجديدة الحماية من كل عدوان خارجي، وستدفع فلسطين الجديدة لإسرائيل مقابل هذه الحماية.

على أن تتحدد تكلفة عملية الدفاع في مفاوضات بين الطرفين، بوساطة الدول الداعمة.

7-    الجداول الزمنية ومراحل التنفيذ:

عند توقيع الاتفاقية:

أ‌-      ستودع حماس جميع أسلحتها، بما في ذلك الأسلحة الشخصية لدى المصريين.

ب‌-  سيستمر أعضاء حماس، بمن فيهم القادة، في تلقي رواتب من الدول الداعمة حتى قيام الحكومة.

ج‌-   ستكون حدود القطاع مفتوحة لمرور البضائع والعمال إلى إسرائيل ومصر، كما هي اليوم مع يهودا والسامرة (الضفة الغربية) وعن طريق البحر.

د‌-    في غضون عام، سيتم إجراء انتخابات ديمقراطية وسيتم انتخاب حكومة لفلسطين الجديدة، وسيكون بإمكان كل مواطن فلسطيني الترشح للانتخابات.

ه‌-   سيتم إطلاق سراح السجناء (الأسرى الفلسطينيون)، بعد مرور عام على الانتخابات وإنشاء الحكومة، تدريجياً في مدة ثلاث سنوات.

و‌-    في غضون خمس سنوات، سيتم إنشاء ميناء بحري ومطار في فلسطين الجديدة، وحتى ذلك الحين سيتم استخدام المطار في إسرائيل والموانئ البحرية في إسرائيل.

ز‌-    ستكون الحدود بين فلسطين الجديدة وإسرائيل جديدة، أمام مرور المواطنين والبضائع كما هو الحال مع الدول الصديقة.

ح‌-   سيتم إقامة "أتستراد" بارتفاع 30 مترا عن سطح الأرض (أي فوق الأراضي الإسرائيلي)، يربط الضفة الغربية وقطاع غزة تساهم فيه: الصين 50٪، اليابان 10٪، كوريا الجنوبية 10٪، أستراليا 10٪، كندا 10٪، والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي 10٪.

9-             غور الأردن:

أ‌-      سيظل وادي الأردن في أيدي إسرائيل كما هو اليوم.

ب‌-  سيتحول الطريق 90 إلى طريق ذي أربعة حارات.

ج‌-   ستصدر إسرائيل مناقصة لتوسيع الطريق.

د‌-    سيتم منح مسلكين من الطريق لفلسطين الجديدة إلى الأردن، وستكون هذه المعابر تحت سيطرة فلسطين الجديدة.

10-         المسؤولية:

أ‌-      إذا اعترضت حماس ومنظمة التحرير الفلسطينية على هذه الاتفاقية، فإن الولايات المتحدة سوف تلغي كل دعمها المالي للفلسطينيين وتضمن عدم قيام أي دولة في العالم بتحويل الأموال إليهم.

ب‌-  إذا وافقت منظمة التحرير الفلسطينية على شروط هذا الاتفاق ولم توافق حماس أو الجهاد الإسلامي، فسيتم اعتبار قادة حماس والجهاد الإسلامي مسؤولين، وفي جولة أخرى من العنف بين إسرائيل وحماس، ستدعم الولايات المتحدة إسرائيل لإلحاق الأذى شخصيًا بقادة حماس والجهاد الإسلامي، فمن غير المعقول أن تحدد مجموعة من عشرات الأشخاص حياة ملايين الأشخاص.

ج‌-   إذا اعترضت إسرائيل على هذا الاتفاق، فإن الدعم الاقتصادي لإسرائيل سوف يتوقف.

وحسب المخططات المسربة سابقاَ، فإنه من المزمع أن تصبح القدس برمتها عاصمة للدولة الإسرائيلية، مقابل أن تصبح بلدة أبو ديس القريبة من القدس عاصمة للدولة الفلسطينية.

ويبدو أن ردود الفعل على الموضوع دفعها للتراجع واعتماد القدس عاصمة لكلا الدولتين، على أن تكون بلدية القدس تابعة لإسرائيل وأن تكون مسؤولة عن جميع أراضي المدينة، فضلاً عن تلقيها الضرائب من الفلسطينيين في المدينة.

وبهذا تكون القدس عاصمة فعلية لإسرائيل، بينما تكون في الوقت ذاته عاصمة لدولة فلسطين الجديدة أيضاً، من الناحية النظرية فقط.

وتشير الإحصائيات الرسمية، إلى أن عدد سكان القدس في الوقت الحالي يتجاوز 850 ألف نسمة، 64 بالمئة من اليهود، و34 بالمئة من المسلمين، ونحو 2 بالمئة من المسيحيين، أي أن التركيبة الديموغرافية للمدينة، تغيرت منذ سنوات طويلة.

وتشير تسريبات الصفقة إلى منع الإسرائيليين والعرب في القدس من شراء المنازل من بعضهما البعض.

 

رأي مركز المزماة:

لا تختلف هذه الصفقة (المبادرة)، عما يطرح منذ مؤتمر مدريد للسلام عام 1991، فطيلة قرابة 28 عاماً، تداول الطرفان، بشكل علني ومباشر، أو بشكل غير مباشر، عدة مشاريع، لم يكتب لأي منها النجاح، خصوصاً في الفترة اللاحقة لاتفاق أوسلو، حيث يمكن القول إن اتفاق أوسلو، هو آخر اتفاق استطاع الطرفان التوصل إليه، وتطبيق بعض بنوده، فيما تتعثر كافة المشاريع الأخرى مذ حينها. وذلك رغم تقدم العرب ككل، وكنظام إقليمي، ممثلين بجامعة الدول العربية، بمبادرة السلام التي قدمها الملك السعودي السابق عبد الله، دون أن تتجاوب إسرائيل معها بشكل كلي.

من الناحية النظرية، فإن فرص نجاح هذه الصفقة، لا تختلف عن فرص المشاريع السابقة، سواء لناحية التعنت الإسرائيلي بعدم منح أي مكسب للفلسطينيين، يتعلق بتنازلات عن الأرض، مقابل سقوف لن تستطيع السلطة الفلسطينية تجاوزها، عدا عن إشكالية منح أراض مصرية إلى الفلسطينيين.

لكن من الضروري وضع الصفقة (أو المشروع)، في سياقه الإقليمي والدولي، فالتغيرات التي تشهدها المنطقة منذ قرابة عقد من الزمن، وانهيار منظومة الثقافة السياسية السابقة، وقيام منظومات ثقافية في الوعي الجمعي العربي، عدا عن تفكك (بل وانهيار) ما يسمى حلف الممانعة، الذي كان يشكل عامل مساومة عنيد مع إسرائيل، من خلال رفع سقف مطالبه.

هذه المتغيرات، مع وجود حراك عسكري أمريكي وروسي واسع لإعادة رسم أو ضبط المنطقة، جيوسياسياً، يجعل من فرص تحقيق الصفقة أكبر من فرص المشاريع السابقة، دون أن يعني ذلك سهولة تحقيقها.

وخصوصاً في ظل عوائق عدة، أولها عدد المستوطنات الإسرائيلية وكثافة انتشارها في الضفة الغربية. حيث تبلغ مساحة الضفة الغربية 5655 كم مربعا، وتشير المصادر الرسمية الإسرائيلية إلى أن عدد المستوطنات فيها هو 156 مستوطنة إسرائيلية، وعدد سكانها حوالي 400 ألف نسمة، وهي تقع في محيط المدن الفلسطينية، وهي أشبه بالجُزر المستقلة عن بعضها البعض، وتتصل ببعضها بشبكة من الطرقات، ما يجعل من موضوع دولة فلسطينية في الضفة الغربية؛ لا يحمل أي معنى من الناحية الفعلية.

شكل رقم (1)

خريطة تقسيم الضفة الغربية


شكل رقم (2)

خريطة فلسطين وإسرائيل


شكل رقم (3)

القسم المقترح منحه للفلسطينيين من سيناء (تسريب 1)


شكل رقم (4)

القسم المقترح منحه للفلسطينيين من سيناء (تسريب 2)


 

هناك تسريبات أخرى، غير ذات كثير موثوقية، وخصوصاً أن اطرافاً محسوبة على ما يسمى "محور المقاومة والممانعة"، تحاول تروجيها أكثر من ترويج ما سربته صحيفة إسرائيل اليوم.

تلك التسريبات الأخرى، ومن تسريبات قناة الميادين اللبنانية، ترى أنه سيكون للفلسطينيين قطاع غزّة فقط (مشروع غزّة أولاً) مع بعض الأراضي من صحراء سيناء والأردن، على أن تقوم السعودية بتعويض تلك الأراضي للدولتين، بالإضافة إلى توطين اللاجئين الفلسطينيين في أماكن وجودهم.

وترى أن القدس بأكملها ستكون عاصمة "إسرائيل"، وأنه سيضمّ الضفة الغربية إلى السيادة الإسرائيلية وسيطلب نتنياهو من الرئيس الأميركي ترامب الاعتراف بتلك السيادة.

رغم عدم موثوقية المصدر، إلا أن هذا التسريب أيضاً يبدو ممكن العمل عليه، ولكن لا يعني أن سهل التطبيق، حيث أنه من المنطقي أكثر من سواه، أن تكون كامل الضفة تقريباً بيد الإسرائيليين، نتيجة التشظي الحاد في أراضي السلطة الفلسطينية، إلى جانب رغبة إسرائيل بتثبيت "يهودية الدولة"، بمعنى عدم قبول ضم فلسطينيين (مسلمين) إلى الدولة الجديدة.

لكن ذلك يخلق عائقاً آخر، وهو ما يعني طرح تبادل أراضٍ، أو تهجير قسري للسكان الفلسطينيين، أو العودة إلى النقطة الأولى، لناحية منح حكم ذاتي/أو حكم السلطة لمناطق داخل دولة إسرائيل الجديدة، تكون متفرقة عن بعضها، ويصعب الوصول إليها، إلا بإشراف أمني إسرائيلي.

ما يزيد تعقيد هذا الأمر، أن إسرائيل ذاتها، غير راغبة بخيار تبادل أراضٍ في الضفة، فهي تعمد منذ اتفاق أوسلو، على قضم أراضي الضفة شيئاً فشيئاً، ولم تقبل يوماً التخلي عن أي من مشاريعها التوسعية في الضفة، ما يعني أنها لن تسمح أراضي سبق وأن هيمنة عليها، من أجل أن يقام رابط بري بين المدن والتجمعات الفلسطينية في الضفة.

وترى صحيفة المدن أن كل المؤشرات تفيد بأن ثمة تحالفاً ثلاثياً أصبح واقعاً بين واشنطن وموسكو وتل أبيب، يعمل من أجل فرض تلك الصفقة. هو حلف بدأ بالالتقاء على تقديم الهدايا الكثيرة لرئيس الوزراء الإسرائيلي، من القدس إلى الجولان وصولاً إلى صفقة الرفات.

ويمكن أن نضع في هذا السياق، أن الضغوط الأمريكية الحادة (شبه العسكرية)، على إيران، تهدف فيما تهدف إليه، إلى إجبار إيران على الرضوخ للصفقة، والعمل على تثبيتها، ووقف دعم الميليشيات والقوى الفلسطينية المحسوبة على محورها.

 

المحور الثاني:

التغيرات الجغرافية المتوقعة، ووضع القدس

هناك تسريب ثالث مختلف، وسابق لهذه التسريبات، أعلنت عنه القناة 13 العبرية، في يناير الماضي، وأشارت فيه إلى ما قالت إنها تفاصيل حصلت عليها من مسؤول أميركي رفيع عن "صفقة القرن"، وأولى بنودها إقامة دولة فلسطينية على غالبية أراضي الضفة الغربية (قدرتها القناة بـ 90% من الضفة وإن كانت قد ذكرت كذلك أن غالبية المستوطنات ستبقى وهو ما يفوق بطبيعة الحال 10% من مساحة الضفة).

كما تشمل البنود أيضاً إعلان أجزاء من القدس الشرقية عاصمة لهذه الدولة وتكون القدس الغربية عاصمة لإسرائيل، على أن تبقى البلدة القديمة والمسجد الأقصى تحت الحكم الإسرائيلي، ولكن تدار بشكل مشترك بين الفلسطينيين والإسرائيليين والأردن ودول أخرى.

وأضافت أن الخطة قسمت المستوطنات في الضفة الغربية إلى ثلاث أقسام: الكتل الاستيطانية الكبيرة لا مساس بها، أما بالنسبة للمستوطنات خارج الكتل الاستيطانية الكبيرة لا يتم توسيعها أو إضافة بناء جديد عليها، والمستوطنات العشوائية يتم تفكيكها.

فيما يتم اعتماد مبدأ تبادل الأراضي بين فلسطين وإسرائيل للأراضي التي أقيمت عليها المستوطنات.

تسريب رابع شبيه بذلك، أشارت له صحيفة البيان الإماراتية في شهر إبريل الماضي، جاء فيه أن الصفقة تسعى إلى ضم 10 في المئة من الضفة ومزارع شبعا إلى إسرائيل. وأن نتنياهو، طلب من ترامب ضم 15 في المئة من مساحة الضفة الغربية، وليس 10 في المئة فقط.

ووفقاً للتسريب، سيتم تخصيص أجزاء من ميناءي حيفا ومطار بن غوريون لاستعمال الفلسطينيين، لكن الصلاحيات الأمنية في هذه الأماكن ستكون بيد إسرائيل، وكذلك سيتم إنشاء ممر آمن وحرية تنقل بين الضفة الغربية وقطاع غزة، تحت السيادة الإسرائيلية.

ويمكن أن نضيف تسريباً خامساً، وفق ما جاء في كتاب جديد حول عائلة كوشنر، صدر في مارس 2019، للكاتبة Vicky Wood [1]:

Kushner, Inc: Greed. Ambition. Corruption. The extraordinary story of Jared Kushner and Ivanka Trump.

مؤسسة كوشنر: الجشع والطموح والفساد، القصة الاستثنائية لجاريد كوشنر وإيفانكا ترامب

جاء فيه أن خطة كوشنر، تضمَّنت في مرحلة ما أخذ أراض من الأردن تضاف للأراضي الفلسطينية، في مقابل حصول الأردن على أراض من السعودية، التي حصلت على جزيرتين من مصر.

واستشهدت الكاتبة بـ "الكثير من الأشخاص الذين رأوا مسودات هذه الخطة" التي وضعها كوشنر، والتي لا تتضمن إسرائيل والفلسطينيين فحسب، وإنما تشمل أيضاً السعودية والأردن ومصر والإمارات.

وكتبت "إنَّ ما أراده كوشنر هو أن يقدم السعوديون والإماراتيون المساعدة الاقتصادية للفلسطينيين. كان ثمة خطط لإنشاء خط أنابيب من السعودية إلى غزة، حيث يمكن بناء مصافٍ ومحطة للشحن. وسوف تمكن الأرباح من إنشاء مصانع لتحلية مياه البحر، ليتمكن الفلسطينيون من العثور على عمل، ومعالجة معدل البطالة المرتفع".

في المقابل، غرَّد جيسون غرينبلات، مبعوث البيت الأبيض إلى الشرق الأوسط، أنَّ مزاعم الكتاب حول خطة كوشنر للسلام غير صحيحة. وغرَّد غرينبلات: "لن يفشي أي شخص اطلع على الخطة المعلومات بمثل هذه الطريقة. أياً كان من قدَّم هذه المزاعم، فقد كانت لديه معلومات خاطئة".

ووفق دراسة موسعة لموقع Middle East Eye، نشرت في يونيو 2018 [2]، فإن جملة من المتغيرات الجغرافية والسياسية ستقع وفق الخطة، من أبرزها:

-       في محاولة لكسب ود ترامب، اقترح عباس التنازل عن 6.5٪ من أراضي الضفة الغربية لإسرائيل.

-       وفقاً لمسؤولين فلسطينيين، من المحتمل أن يتم منح الفلسطينيين حدوداً مؤقتة على أجزاء من الأراضي المحتلة، أو 11٪ من فلسطين إبان الاحتلال البريطاني.

-       ستكون المناطق الفلسطينية منزوعة السلاح، بحيث تسيطر إسرائيل على مجالها الجوي وحدودها.

-       بعد الاتفاق الأولي، سيتم ترك الفلسطينيين والإسرائيليين للتفاوض المباشر فيما بينهم حول وضع المستوطنات غير القانونية في الضفة الغربية والقدس الشرقية.

-       من حيث المبدأ يرفض الأمريكيون حق عودة اللاجئين الفلسطينيين كلياً.

-       اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل، كان تمهيداً للاعتراف النهائي وفق الصفقة.

-       ستعمل إسرائيل على هندسة القدس اجتماعياً، وتحويلها إلى قدس يهودية، عبر عمليات تغيير ديموغرافي: 150 ألف يهودي إلى داخل القدس، و100 ألف فلسطيني إلى خارج القدس. مع التضييق الحاد على من تبقى ثقافياً ودينياً.

-       اقتراح أبو ديس عاصمة للفلسطينيين بديلاً عن القدس.

-       إلى جانب حديث عن خطة لإنشاء ممر بري ضيق من أبو ديس إلى المسجد الأقصى.

شكل رقم (5)

تقسيمات القدس


-       في هذه الأثناء، ما تزال إسرائيل تعمل على توسيع المستوطنات الإسرائيلية في المناطق المصنفة (مناطق ج)، في الضفة الغربية. ووفق خطة ترامب، فإن مناطق ج سيتم ضمها كاملة لإسرائيل. وخصوصاً تلك التي في وادي نهر الأردن.، مع حرمان الفلسطينيين من الوصل إلى 85٪ من أراضي وادي النهر.

-       وترى الدراسة، أن هناك التزاماً من قبل ترامب بإجبار مصر على تقديم جزء من شمال سيناء لإقامة دولة فلسطينية عليه. وفي المرحلة الأولى من المشروع على شكل منطقة مشاريع زراعية وصناعية -وليست سكنية- وبتمويل خليجي بقيمة قد تصل إلى 1.5 مليار دولار.

شكل رقم (6)

تقسيمات القدس


وتنوّه دراسة Middle East Eye، إلى جملة من المعطيات المهمة في هذا الشأن، من أهمها:

-       يعلم نتنياهو أن الأمريكيين لن يعترضوا مساره، وأنه مطلق الحرية في التصرف في هذا الشأن، لذا فإن الخطة ستكون مواتية له ولتطلعاته. بل ووفقاً لـ Yossi Beilin، وهو سياسي إسرائيلي سابق، وكان شخصية محورية في عملية السلام في أوسلو في أوائل التسعينيات، فإن نتنياهو سيتلاعب بالخطة لصالحه.

-       سيرفض الفلسطينيون الخطة، لكنهم سيتحملون لاحقاً عواقب ما أسمته الدراسة "الفشل".

-       في حال رفض الفلسطينيين الخطة، فإن ترامب سيجد في ذلك مبرراً لترك الفلسطينيين بشأنهم، على اعتبار أنه بذلك قصارى جهده لأجلهم.

-       هناك قلق أمريكي من تدهور صحة محمود عباس قد إتمام الصفقة.

-       رغم تقديم مصر تطمينات للجانب الفلسطيني بأنها تعارض تسوية سيناء، إلا أن الدراسة ترى أن المعارضة المصرية تضعف شيئاً فشيئاً، في مواجهة ضغوط الولايات المتحدة والدول الخليجية.

 

 

المحور الثالث:

المواقف الفلسطينية (السلطة والفصائل)

القلق الإسرائيلي من موقف السلطة:

سلم الجيش الإسرائيلي إلى الحكومة تقييماً حذّر فيه بأنه من غير المرجح أن تتراجع السلطة الفلسطينية عن موقفها الرافض تماما لخطة السلام، وذلك في مايو الجاري.

وأفادت صحيفة "هآرتس"، بأن هذا التقييم يتوقع أن يستمر الرئيس الفلسطيني في موقفه الرافض لأول خطوة ضمن إطار تطبيق "صفقة القرن"، أي مؤتمر تشجيع الاستثمار في المناطق الفلسطينية المقرر في البحرين الشهر المقبل، وذلك على الرغم من أن الاقتصاد الفلسطيني سيدخل مرحلة الانهيار خلال فترة لا تتجاوز شهرين أو ثلاثة أشهر، حسب تقديرات معظم المؤسسات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية.

وخلُص التقييم إلى أن عباس يرى نفسه أمام هجوم ثلاثي، من قبل إسرائيل وحركة حماس والولايات المتحدة، "ما قد يكون غالبا نتيجة لجهود منسقة تهدف إلى منع تطبيق حل الدولتين".

وذكر التقييم أن عباس الذي لا يزال متمسكا بموقفه الأصلي إزاء النزاع رفض جميع حلول الوسط بشأن "صفقة القرن"، بسبب اقتناعه بأن الوقت ليس ملائما للتفاوض أو لأي تنازلات ستؤدي إلى فرض "سلام اقتصادي" على الفلسطينيين ودفن حل الدولتين.

وأشار تقييم الجيش إلى أن عباس يعزز مواقعه الداخلية والروابط بين السلطة الفلسطينية و"منظمة التحرير" وحركة "فتح"، لاسيما من خلال تعيين محمد اشتيه لمنصب رئيس الحكومة، بالتزامن مع تصعيد التوتر بين السلطة الفلسطينية و"حماس"، لافتا إلى أن الرئيس الفلسطيني لا يزال ملتزما بمبدأ "رفض الإرهاب"، حسب التقييم (روسيا اليوم).

 

موقف السلطة الفلسطينية:

أعلن رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية في 20مايو الجاري، أنه لم يتم التشاور مع الفلسطينيين بشأن الورشة الأمريكية في البحرين. وقال في افتتاح الاجتماع الأسبوعي لحكومته في رام الله: "حل الصراع في فلسطين لن يكون إلا بالحل السياسي، عبر إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإحقاق الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني المتمثلة في حقه بإقامة دولته المستقلة ذات السيادة والقابلة للحياة على الحدود المحتلة عام 1967 وعاصمتها القدس، وحق العودة للاجئين استناداً إلى قرارات الشرعية الدولية".

وأكد أن "الشأن الاقتصادي هو نتاج للحل السياسي لأن الفلسطيني وقيادته لا يبحث عن تحسين شروط الحياة تحت الاحتلال" (DW).

ودعت منظمة التحرير الفلسطينية، الدول العربية التي قررت المشاركة في ورشة العمل الاقتصادية بالبحرين في يونيو المقبل، بـ "إعادة النظر في مواقفها والثبات على قرارات قمة الظهران (قمة القدس) 2018، وقمة تونس عام 2019، ومبادرة السلام العربية دون تغيير أو تبديل.

وقالت اللجنة التنفيذية إن "الهدف الذي تسعى إليه الإدارة الأمريكية من مثل هذا المؤتمر (السلام من أجل الازدهار) هو البدء بتطبيق "صفقة القرن" بجانبها الاقتصادي بعد أن خطت خطوات واسعة في تطبيق الصفقة في جانبها السياسي".

وأوضحت في البيان أن التطبيق السياسي للخطة بدأ "من خلال جملة من القرارات والتدابير والخطوات، التي من شأنها تكريس الاحتلال وشطب حقوق الشعب الفلسطيني الوطنية المشروعة غير القابلة للتصرف".

وجددت المنظمة "معارضتها الحاسمة لعقد هذا المؤتمر ودعت جميع الدول والهيئات والكيانات السياسية والاقتصادية المدعوة للمشاركة في المؤتمر إلى احترام موقف الإجماع الفلسطيني وعدم المشاركة في هذا المؤتمر"، مشيرة إلى أنها "لم تكلف أي جهة بالتفاوض نيابة عن الشعب الفلسطيني". وأفادت بأنها "تنظر بخطورة إلى محاولة إدماج إسرائيل اقتصاديا وسياسيا وأمنيا في المنطقة مع استمرار احتلالها وضمها غير الشرعي لأراض عربية وفلسطينية" (روسيا اليوم).

 

موقف محمد دحلان:

اعتبر دحلان، قبل أيام، أن صفقة القرن الأمريكية صارت قيد التطبيق، والجميع يدعي أنه يريد إسقاطها. وأضاف دحلان في كلمة خلال إفطار للصحفيين بغزة، أن الصفقة أخطر ما يتعرض له الشعب الفلسطيني، فهي ستغير معالم المنطقة، كما تغيرت في الحرب العالمية الثانية.

ودعا "من يمتلك المصداقية لمواجهة الصفقة، للموافقة على حكومة وحدة وطنية انتقالية، ثم يعيد الأمانة لأهلها عبر الانتخابات".

وأكد أن الرهان بالمرحلة الحالية ليس على الوضعين الإقليمي والدولي، بل على الوحدة الفلسطينية كحل، ومخرج من كل مشاكل الشعب الفلسطيني بغض النظر عن كل تراكمات التجارب السابقة. وطالب دحلان بتنفيذ برنامج عمل وطني واحد لمواجهة صفقة القرن، معتبرا أن من يعارض هذا البرنامج يساهم ويعزز الصفقة الأمريكية (روسيا اليوم).

 

موقف حركة حماس:

ونشرت صحيفة القدس العربي، في 27 مايو الجاري، موقف حركة حماس، ممثلة بتصريحات عضو مكتبها السياسي، سهيل الهندي، ومما جاء فيها:

-       خطة التسوية الأمريكية المرتقبة، لم تُطرح على وفد حركته، خلال زيارته الأخيرة للقاهرة.

-       استبعد وجود أية مساعٍ خارجية لإقامة دولة في قطاع غزة وأجزاء من منطقة سيناء المصرية، مشددا على أن "صفقة القرن" تستهدف بشكل رئيس، ابتلاع الضفة الغربية المحتلة.

-       جدد تأكيد حركته رفضها إقامة "دولة بغزة، أو دولة فلسطينية دون قطاع غزة".

-       أكد أن حركته على استعداد لـ "تقديم المزيد من التنازلات في ملف المصالحة من أجل القضية الفلسطينية". لكنه استبعد تقديم حركته لتنازلات متعلقة بـ "الثوابت" الفلسطينية، ومنها ملف "سلاح المقاومة".

-       وفي تعقيبه على ورشة العمل الاقتصادية التي تستضيفها البحرين، قال الهندي إن حركته تنظر بعين "الشك والريبة إلى هذه الورشة، كونها جزء من صفقة القرن". وأضاف: "هي جزء من صفقة التآمر على الشعب الفلسطيني والتي كنا نرغب أن ترفض البحرين استضافتها، وتمتنع الدول العربية عن المشاركة فيها".

 

 

المحور الرابع:

المواقف الإقليمية

تأثير الصفقة في دولة الإمارات ودول الخليج العربي:

تشير كافة التسريبات حول الصفقة، ورغم تباينها، إلى أن الصفقة تعتمد بشكل شبه كلي، على التمويل الخليجي لإقامتها، أي أنه في حال تم الوصول إلى هذه الصفقة فإن دول الخليج العربية، وعلى رأسها السعودية، ثم دولة الإمارات والكويت وقطر، باعتبارها الأكثر ملاءة مالياً، مطالبة بتوفير تمويلات طويلة الأجل، وربما مرهقة للخزينة الخليجية العامة، أكبر بكثير مما هو وارد في التسريبات، تشمل ما يلي:

-       تمويل تعويضات مالية لمصر والأردن، في مقابل أية تنازلات عن أراض للفلسطينيين.

-       تمويل تعويضات للاجئين الفلسطينيين الذي سيتم إسقاط حق عودتهم. وتمويل تعويضات للدول التي ستقوم بتوطينهم.

-       تمويل إنشاء مؤسسات الدولة الفلسطينية، وتوفير وراتب مؤسساتها، وضمان قدرتها على الاستمرار اقتصادياً.

-       تمويل مشاريع مشتركة عربية-إسرائيلية، تقود إلى تطبيع كامل مع إسرائيل ودمجها في النظام الإقليمي العربي.

-       تمويل أية عمليات أمنية تستهدف القضاء على خصوم الصفقة.

أما في الشق السياسي، فواضح أن الولايات المتحدة، وإسرائيل، تحاول أن تجعل من دول الخليج العربي، مركز الثقل السياسي لتأييد المشروع (باستثناء الكويت الرافضة للصفقة بشكلها الحالي).

ورغم محاولة الولايات المتحدة، إعطاء بعض الأهمية للبحرين، ما يحوي أن لها دوراً إقليمياً، لكن ذلك لا يتجاوز مكانة "قاعة اجتماع" لا أكثر، في حين تبقى الفاعلية السياسية الأكثر أهمية في المنطقة للسعودية والإمارات، المناط بهم، بعد عقد الصفقة، ترويجها في العالم العربي، وتحويلها إلى مشروع سلام عربي عام.

إلا أن ذلك لا يعني أن عدم إتمام الصفقة، أن تأثيرات سلبية ستقع على دولتي الإمارات والسعودية، فكلاهما على تنسيق واسع مع الطرف الأمريكي. لكن ربما يقع تأثير سلبي لناحية موقف الشارع العربي منها -الرافض للصفقة- والذي سيرى أن الإمارات والسعودية هما المسؤولتان الأهم عن التفريط بالقضية الفلسطينية. في ظل التعبئة المضادة التي تقودها كل من تركيا وقطر وإيران.

وحيث تدرك قطر هذه الحقيقة، فإنها تراجعت عن انتقاداتها الحادة، وتحاول أن يكون لها موطئ قدم في الأدوار الإقليمية المقبلة، مالياً وسياسياً، من خلال تصوير ذاتها، طرفاً منحازاً للجانب الفلسطيني، مدافعاً عن حقوقه، فيما تحاول قطر من خلال خطابها هذا، استخدام القضية الفلسطينية في ثلاثة اتجاهات:

-       الالتفاف على ملف المقاطعة العربية، ومحاولة استحداث خرق عبر التنسيق مع دول الخليج العربي لإتمام الصفقة، دون الالتزام بالشروط الثلاثة عشر.

-       توظيف القضية الفلسطينية في ضمان مكانتها المقبلة.

-       تعزيز علاقاتها بالولايات المتحدة وإسرائيل.

وعموماً تبقى السعودية صاحب فعالية كبيرة في الصفقة، وربما الأكبر خليجياً، خصوصاً مع إشارة كوشنر إلى الفرصة الكبيرة التي ستبرز مع حلول السلام.

ويرتبط ذلك بشكل أوسع مع التغييرات الجغرافية السابقة للصفقة، مثل إعطاء جزيرتي تيران وصنافير إلى السعودية وتحويل خليج العقبة، بالتالي، إلى ممر بحري دولي، ومشروع "نيوم" الذي أعلن عنه ولي العهد السعودي بالشراكة مع الأردن ومصر. وهي تحركات رأى فيها بعض المحللين ملامح أولية لمشروع يهدف لخلق شراكة إقليمية كبيرة -اقتصادية بالدرجة الأولى- يكون لإسرائيل مكان فيها.

فيما يؤكد دبلوماسيون أن العاهل السعودي قدم تأكيدات خاصة للرئيس الفلسطيني بأن الرياض لن تقر أي خطة سلام لا تشمل وضع القدس أو حق اللاجئين في العودة، وهما نقطتان تثيران خلافا جذريا مع إسرائيل، وترى واشنطن أن ترامب حسم هاتين النقطتين بصورة خاصة لصالح وجهة النظر الإسرائيلية (مونتكارلو).

 

الموقف الأردني:

في مارس 2019، وعقب عودته من الولايات المتحدة، ألقى العاهل الأردني خطاباً في مدينة الزراق، وصف بأنه رسالة "ملغومة" سياسياً، كشف فيها عن أن ضغوطات كبيرة يتعرض لها الأردن في تسوية ملف القدس، معلناً لأول مرة بصورة مباشرة وأمام المواطنين، أن "كل الشعب الأردني معه في معركة القدس، والأهم في مواجهة الضغوط الخارجية".

وفيما يتعلق بالأردن كوطن بديل للفلسطينيين، قال الملك إن الجواب "كلا" هنا أيضاً، مشيراً إلى أن الأردن سيقوم بواجبه التاريخي في رعاية أوقاف القدس (عربي بوست).

وفي السياق، قال النائب الأردني خالد رمضان، إن صفقة القرن ليست اتفاقية تقليدية، بل مسار بدأ بـ "أوسلو" ثم "وادي عربة"، والآن يتواصل التطبيق على أرض الواقع من خلال نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، واعتبار القدس عاصمةً للاحتلال الصهيوني، ومن ثم إقرار قانون يهودية الدولة، لافتاً إلى أن "صفقة القرن" هي صفقة بين النظام الرسمي العربي، ليس للفلسطينيين دور فيها (عربي بوست).

وقال الكاتب الإسرائيلي: يوني بن مناحيم، في مقاله على موقع المعهد المقدسي للشئون العامة، مطلع مايو الحالي، إن "الملك الأردني عبد الله الثاني يتحضر لليوم التالي الذي تعلن فيه صفقة القرن، في حين تسعى الإدارة الأمريكية لتهدئة مخاوفه منها، على اعتبار أن الصفقة لن تضر بالأردن، ولن تحولها وطنا بديلا للفلسطينيين، فيما يدير الملك مناورة سياسية بهدف تقليل أضرار الصفقة ببلاده".

وأضاف أن "الحدود الأردنية-الإسرائيلية شهدت قبل أيام مظاهرة كبيرة للإخوان المسلمين دعما للقدس وضد صفقة القرن، ونظمت هذه المظاهرة بموافقة القصر الملكي، فيما بدأ الملك قبل أسبوعين مباحثات مع الإخوان المسلمين للحصول على دعمها بمعارضة الصفقة، وحصل على دعم نادر من حماس على لسان إسماعيل هنية". 

وأوضح أن "الملك الأردني يخشى أن تكون الصفقة مرتبة بين بنيامين نتنياهو ودونالد ترامب من أجل تقوية إسرائيل أمنياً واقتصاديا على حساب الأردن والسلطة الفلسطينية، وصولا لتحقيق سلام اقتصادي دون حل المشاكل الأساسية في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي".

 وأكد أن "الأردن يعيش أوضاعا اقتصادية صعبة، وليس قادرا على تلقي ابتزاز أمريكي لعدم معارضة الصفقة، مقابل ما تتعهد به واشنطن بتقديم 45 مليار دولار لترميم اقتصاد الأردن، وأصدر عدة مسؤولين أمريكيين أبرزهم جيسون غرينبلات مبعوث ترامب للمنطقة سلسلة تغريدات تنفي استهداف الأردن في الصفقة، لأن واشنطن وعمان حليفتان قويتان، وأي حديث عن كونفدرالية فلسطينية أردنية أو وطن بديل غير صحيح".

واستدرك بالقول إن "هذه التغريدات لم تطمئن الأردنيين، بل اعتبروها محاولة لتضليلهم، في ضوء الخطوات التي اتخذتها واشنطن عمليا على الأرض، كالإعلان عن القدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية إليها، وتقليص مساعدات الاونروا، وتصريحات توطين اللاجئين الفلسطينيين بأماكن إقامتهم، وإغلاق مكاتب منظمة التحرير في واشنطن". وختم قائلا إنه "بالتزامن مع كل هذه المخاوف الأردنية من صفقة القرن، فقد أجرى الملك سلسلة تعيينات وإقالات حساسة في الدولة الأردنية، مما يعطي انطباعات بأن الملك يعيش في معضلة صعبة" (عربي 21).

 أمير تيفون المراسل السياسي لصحيفة هآرتس قال إن "اثنين من السيناتورات الأمريكيين: ميت رومني وكريس مارفي، زارا الأردن مؤخرا، وحذرا أن صفقة ترامب كفيلة بتعريض أمن الأردن للخطر، لأن النظام الأردني يخشى اندلاع مظاهرات عارمة في البلاد، إذا لم يعلن الملك معارضته للصفقة".

 وأضافا أن "ما شعرا به من قلق داخل الدولة الأردنية لا تشعر به إدارة ترامب، ولأن الصفقة قد تزعزع استقرار الأردن، فإن هناك قلقا حقيقيا في أجهزة الدولة الأردنية، وهي لا تعلم حتى الآن طبيعة رد الفعل الشعبي على إعلان الصفقة" (عربي 21).

عموماً، يبقى الموقف الأردني الأكثر صعوبة بين كافة الأطراف الأخرى، رغم التطبيع الوساع بين الأردن وإسرائيل، لكن الإشكالية تكمن في النقاط التالية:

-       شارع محلي أردني رافض في غالبيته للتطبيع والصفقة.

-       تعداد فلسطيني كبير للغاية (أكثر من 2 مليون)، رافض للصفقة من جهة، وسيشكل تغييراً حاداً في الهندسة الديموغرافية الأردنية في حال اضطرار الأردن لتوطينهم. حيث ستختل المعادلات السياسية والاجتماعية لغير صالح الأردن، ولغير صالح السلطة، وبشكل نهائي.

-       قوى سياسية أردنية فاعلة، إسلامية وقومية، لم تقبل حتى الآن بالصفقة.

-       فقدان الأردن مكانته التي يتطلع لها في الضفة الغربية، وربما فقدان أراضٍ.

-       رغم ما سيحصل عليه من تعويضات مالية كبيرة، إلا أنها لن تكون كافية لتصحيح الخلل الاقتصادي (الفشل)، الذي يعاني من الأردن، والذي سيتضاعف بعد الصفقة نتيجة التوطين، ما قد يثير اضطرابات شعبية واسعة، لها مسببات دائمة منذ عام 2011.

رغم ذلك، هناك عوامل تدفع الأردن للترحيب بالصفقة، توجزها دراسة للباحث محمد أبو سعدة، في النقاط التالية:

-       سعي الأردن فتحقيق طفرة اقتصادية عبر ربطها بمنظومة طرق وسكة حديدية، وأنبوب النفط، مع الميناء الدولي في غزة الكبرى عبر النفق المصري الأردني بدول الخليج.

-       أن تحصل الأردن، مجانا، على إطلالة ذات منفعة على البحر المتوسط (ميناء غزة)، ومن ثم تحقق تواصلاً مازال مقطوعا مع أوروبا.

-       التخلص من أعباء 70 ألف عائلة فلسطينية من أصول فلسطينية غزاوية "المهاجرين إلى الأردن عام 1967"، ومقيمة الآن بالأردن دون رقم وطني. بعد أن يتوفر لهم فرص عمل وحياة كريمة في قطاع غزة.

الموقف اللبناني والسوري:

ينساق الوضع الأردني المضطرب على موقف لبنان أيضاً، وخصوصاً في موضوع اللاجئين (أكثر من 1.2 مليون)، عدا عن موقف ميلشيا حزب الله (سيتم تناوله في المحور الأخير). غير أن موقف الحكومة اللبنانية أضعف بكثير من أن تشكل عائقاً أمام الصفقة، بل هي مضطرة غالباً على القبول بالتسويات التي ستقع، فيما ستحاول تعظيم المنافع من الصفقة.

وقام مساعد نائب وزير الخارجية الاميركي ديفيد ساترفيلد، بزيارة إلى لبنان، لاستكمال البحث في ترسيم الحدود. وعليه، فإن العمل مع لبنان يجري على ثلاث نقاط، إنجاز ترسيم الحدود، وضمان أمن إسرائيل، وعدم عرقلة صفقة القرن، مقابل توطين مئة ألف لاجئ فلسطيني، وحصول لبنان على دعم تنموي ومالي واقتصادي، بانتظار لحظة استخراج النفط (المدن).

شكل رقم (7)


ولعل ما يهم لبنان أيضاً، وقد يشكل العامل الأكثر حسماً، هو ملف الطاقة، والنزاع البحري على آبار الغاز في المتوسط.، وتحديداً على المجمع رقم 9، ففي حال قدمت إسرائيل حلولاً مرضية إلى لبنان، فإن لبنان قد يتحول إلى داعم قوي للمشروع.

أما الموقف السوري، فبات أبعد ما يمكن أن يكون مؤثراً في المشهد الفلسطيني والإقليمي عموماً، وخصوصاً أن ضم الجولان بشكل نهائي لإسرائيل لم يشهد أية خطوات سورية حقيقية في مواجهة ٫لك. عدا عن أن غالبية اللاجئين الفلسطينيين في سورية (أكثر من 700 ألف)، بات في عداد المهجرين قسرياً من البلاد.

لكن التأثير الأبرز في المشهد السوري، هو أن القائمين على الصفقة، لن يقبلوا بشكل من الأشكال، وجود نظام هش متداعٍ على ما هو عليه نظام الأسد حالياً، ولا وجود ميليشيات مسلحة في المنطقة، تهدد استقرار الصفقة. لذا من المرجح أن تعمل الصفقة على إعادة تهيئة المشهد السوري، سواء بتغييرات داخل النظام، أو في الشكل الجغرافي أو سواه، أو أكثر من ذلك، بهدف إحداث استقرار يتناسب مع الصفقة والمصالح الإسرائيلية، وليس استقراراً يسمح لسوريا بأن تكون عائقاً مستقبلياً أمام الصفقة.

 

تأثيرات جغرافية في مصر، والمنطقة:

يرى الباحث محمد أبو سعدة، في دراسة نشرها المعهد المصري للدراسات، في مارس 2018، أن الدولة الفلسطينية ربما ستتكون من 39% من الضفة الغربية، وقطاع غزة الموسع على حساب سيناء، ومنزوعة السيادة.

ويفضل تجاوز الشكل الجغرافي الذي حددته خطة غيور آيلاند –ذات الشكل الرباعي– وذلك لخطورتها الأمنية على إسرائيل، فإسرائيل غير معنية بتوسيع حدودها مع قطاع غزة، كما لا يعقل أن تضع إسرائيل حدودها مع غزة على شكل حرف (Z) والتي تتقاطع مع المعبر التجاري المعروف باسم كرم أبو سالم، وذلك لسببين: الأول أمنيا بالنسبة لإسرائيل، والثاني، اقتصاديا بالنسبة لمصر، فليس من المنطق أن تتنازل مصر عن معبر تجاري مهم.

لكنه يرى أن هذا ربما لا ينفي فكرة تبادل أراضي مصرية مع إسرائيل، على أن يراعي هذا التبادل النقاط التالية:

-       أن تكون منطقة جغرافية محدودة جدا، وفي الغالب ستكون أقل مما ذكر في خطة غيورايلاند (720كم)، خاصة وأن الحديث عن فكرة التوطين قائمة على مليون فلسطيني فقط، والمنطقة جغرافيا كبيرة على هذا العدد نوعا ما. خاصة إذا ما قورنت مع مساحة قطاع غزة (365كم) البالغ عدد سكانه 2 مليون نسمة.

-       من المتوقع أن تكون منطقة تبادل الأراضي لمنطقة ما بين 100- 300 كم فقط لا غير. كما أن هذه المساحة لا تحدث تغيراً ملموساً في الخارطة الجغرافية لمصر، وربما يُصبح شكل الحدود الشرقية لمصر مع فلسطين، مشابها لشكل حدودها الغربية مع ليبيا كخط متعرج ثم يستقيم. ومن يرى أن المناطق العازلة الآن بين غزة وسيناء أكبر من مساحة 300 كم، فإن هذا لا يعني بالضرورة أن كل المنطقة واقعة ضمن حدود التبادل، بل سيكون جزء كبير منها منطقة عازلة بين الحدود الفلسطينية-المصرية.

-       أن يتم توسيع جزئي لغزة على حساب جزء من سيناء، وذلك مقابل حصول مصر على أراضي من صحراء النقب الواقعة داخل حدود إسرائيل.

-       ألا تحتوي المناطق المستهدفة في خطة التبادل، أية أهمية اقتصادية كوجود أبار نفط او غاز، أو أي اشكاليات أمنية لدي الطرفين المصري والإسرائيلي.

ويرى الباحث، أنه في حال وافقت الحكومة المصرية على صفقة القرن، فإنها ستكون حريصة على (آليات الإخراج)، فغالبا مصر سترفض أن يتم ترحيل أهل غزة بالقوة إلى أي جزء في سيناء، بل في الغالب ستفضل مصر أن يتم ذلك من خلال ممارسة الضغوط السياسية على السلطة الفلسطينية، وحركة حماس، ليوافقا على الصفقة، أو أن يوافق أحدهما.

مع تقديم حلول اقتصادية كبيرة في منطقة جغرافية محدودة في سيناء خاضعة للإدارة الفلسطينية والمراقبة الأمنية المصرية، على أن يتم إنشاء ميناء ومطار دولي ومنطقة تجارية بداخلها. بحيث تُشكل عاملا جاذبا لسكان قطاع غزة أو اللاجئين الفلسطينيين في الخارج بسبب تواجد فرص العمل.

ويعزز الباحث موقف مصر المؤدي للصفقة، لناحية وجود عوامل جذب أخرى لمصر، على رأسها:

-       رغبة مصرية بسماح بشق نفق يربط بين مصر والأردن، بطول 10 كم، ويخضع للسيادة المصرية الكاملة، وإيصاله بسكة حديد مع ميناء غزة البحري المزمع إنشاؤه.

-       حصول مصر من خلال هذا الربط على نصيب كبير من الجمارك والرسوم مقابل كل "حركة" تتم بين الأردن والعراق ودول الخليج العربي في اتجاه ميناء غزة أو مصر.

-       إجراء تعديل على الاتفاق المصري-الاسرائيلي الموقع عام 1997، والمعرف باسم "الملحق العسكري"، بالشكل الذي يسمح بوجود قوات مصرية على الحدود.

-       تأمل مصر في الحصول على محطة للطاقة النووية للأغراض السلمية لإنتاج الكهرباء.

-       تأمل مصر أن يدر التبادل التجاري مع غزة فقط لوحدها دخلاً يتجاوز 2.5 مليار دولار في العام.

ونضيف على هذه الدراسة، أن عامل اللاجئين الفلسطينيين في مصر (أكثر بقليل من 130 ألف)، لا يشكل هاجساً ديموغرافياً حقيقياً كما في الأردن ولبنان، أي أنه من الممكن ببساطة توطينهم في مصر، أو بالأصح نقلهم إلى الأراضي التي سيتم التنازل عنها لقطاع غزة، دون أن يشكل ٫لك أي خلل في الهندسة الديموغرافية المصرية. وإن كان الرأي العام المصري، بحاجة إلى بعض التحضير المسبق لمنع وقوع أية اضطرابات شعبية، وهي بالأساس غير مرجحة، إلا أن جماعة الإخوان قد تعمد على تحريك بعض الشرائح، في مناكفة مع نظام السيسي.

الموقف الإيراني:

ووفق النظرة الأوروبية وتحديداً البريطانية والفرنسية، فلا يمكن تحقيق أي تقدّم بما يخص صفقة القرن، من دون تدبير اتفاق مع إيران، لأنها وحدها القادرة على عرقلة ذلك. ولذا، يتم استخدام أسلوبين في إطار توزيع الأدوار مع طهران، أسلوب العصا الغليظة عبر الأميركيين، وأسلوب جزرة التفاوض عبر الأوروبيين. وتدرج المصادر كل الضغوط المفروضة على إيران، وتنعكس توتراً في الخليج العربي، ضمن عملية جرّها إلى مفاوضات تتصل بتسهيل إنجاز صفقة القرن، والضغط على بعض الفلسطينيين للموافقة على ذلك (المدن)

بدوره قال المتحدث باسم الحرس الثوري الإيراني، رمضان شريف، إنه لا يمكن للرئيس الأمريكي، القضاء على حقوق الشعب الفلسطيني عبر تمرير "صفقة القرن". وأوضح أن نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، واعتراف ترامب بسلطة إسرائيل على مرتفعات الجولان السورية، والتخطيط لإعلان "صفقة القرن" لن يقضي على حقوق الشعب الفلسطيني وقضيته.

وحذر الجنود الأمريكيين في المنطقة من مغبة ارتكاب أي خطأ ضد إيران، مؤكدا استعداد بلاده لمواجهة أي عدوان أكثر من أي وقت مضى. وأضاف أن الجنود الأمريكيين في المنطقة سيقعون في أسر الحرس الثوري في حال ارتكاب أي خطأ ضد بلاده، مؤكدا أن التهديدات الأمريكية ضد إيران لن تحقق أهدافها (روسيا اليوم، مايو 2019).

لكن، وعلى الأرجح، فإن إيران ستستخدم القضية الفلسطينية، كأداة بالغة الأهمية في التفاوض مع الولايات المتحدة، ففي حال تم الوصول إلى اتفاق بين الطرفين، فإن إيران، غالباً، ستتخلى عن حركتي حماس والجهاد، وستصدر أوامرها إلى ميليشياتها الشيعية بعدم التعرض لإسرائيل مطلقاً.

أما في حال تعثر المفاوضات الإيرانية مع الولايات المتحدة، فإن الخطاب الإيراني التقليدي، بل والسلوك التقليدي، من المرجح أن يستمر على ما هو عليه حالياً.

وفي حال تحولت الأزمة بين الطرفين، إلى حالة مواجهة مسلحة، فإنه وعلى الأرجح، أن تستخدم إيران أدواتها في ضرب المصالح الأمريكية والإسرائيلية، بشكل يهدد الصفقة جدياً.

 

الموقف التركي:

تشهد العلاقات التركية مع كل من الولايات المتحدة وإسرائيل، فترة تراجع واضطراب، لكن دون أن يعني هذا أن تركيا تتجه إلى قطعية مع هاتين الدولتين، بل تعمد تركيا إلى محاولة الاستفادة من التغييرات الإقليمية، ومن مشروع الصفقة، باتجاه تعظيم منافعها قدر الإمكان، رغم محدودية قدراتها، إلا أن تركيا تحاول أن:

-       الحفاظ على صورتها أمام العالم الإسلامي بأنها "مدافع قوي" عن القضية الفلسطينية، بهدف اكتساب مزيد من القوة الناعمة لدى الشارع الإسلامي والعربي.

-       محاولة الاستفادة من علاقتها بحماس وجماعة الإخوان، لتبرير مكاسب تحاول أن تحصل عليها في المنطقة. وعلى رأسها مكاسبها في شمال سوريا.

-       من المكاسب التي تتطلع لها تركيا أيضاً، هي موضوع صفقات الأسلحة والعلاقات مع الغرب، حيث ستعمد إلى الضغط في بداية المرحلة القادمة باتجاه رفض الصفقة، حتى تناول أكبر حصة ممكن من المكاسب.

لكن تركيا، لن تكون عائقاً مقلقاً أمام الصفقة، بغض النظر عن تصريحات أردوغان، وعدد من المسؤولين الأتراك الرافضين للصفقة ظاهرياً.

فقد سبق وأن علق الرئيس التركي على الصفقة، وقال إنها تشكلّ "مشروعا لزعزعة الشرق الأوسط، وهو مصطلح جديد للتقسيم والتجزئة والابتلاع، وتركيا لن تسمح بذلك" (عربي 21).

وزعم تقرير لمركز القدس لدراسات المجتمع والدولة المقرب من بنيامين نتنياهو، أن محوراً تم تشكيله بين تركيا والأردن والسلطة الفلسطينية لحماية الأقصى ومواجهة صفقة القرن. وقال التقرير إن اختيار مجلس الأوقاف الإسلامي المواجهة مع إسرائيل في مجمع المسجد الأقصى، أو ما يعرف بجبل الهيكل عند اليهود، لم يكن عن طريق الصدفة، لأن أعضاء المجلس الجدد المؤيدين لحركة فتح والأردن والإخوان المسلمين وتركيا، على دراية كبيرة بالجولات السابقة من المواجهة حول باب الرحمة.

وزعم المركز أن الشيخ عكرمة صبري يتلقى أوامره من الرئيس التركي، ويعتقد باحثون إسرائيليون آخرون أنه قريب من حماس. ووفقا ليوني بن مناحم الباحث في المركز، فقد أنشأ الأردن والسلطة الفلسطينية مجلسًا مشتركًا لإدارة المسجد الأقصى والأماكن المقدسة في القدس كخطوة نحو نسف صفقة القرن. ووصف التقرير التشكيلة الجديدة لمجلس الأوقاف الإسلامية بأنها تُعبر عن جبهة موحدة بين جميع الفصائل المعارضة لصفقة ترامب (ترك برس).

 

المحور الخامس:

موقف الاتحاد الأوروبي من تسريبات صفقة القرن

وفق مصادر إعلامية، فإن السلطة الفلسطينية تتأمل كثيراً من دول الاتحاد الأوروبي، الدفاع عن الحل السياسي. وتعبيراً عن قلقها تجاه التحركات الأميركية، طالبت السلطة الفلسطينية، الاتحاد الأوروبي، بتولي مسؤولية الدفاع عن حل الدولتين. وقال السفير الفلسطيني لدى الأمم المتحدة، مطلع مايو الجاري، إنه حضّ المسؤولين الأوروبيين خلال لقاءات جرت مؤخرا في بروكسل على أخذ المبادرة وعدم السماح للولايات المتحدة بأن تكون الفاعل الأبرز في عملية السلام في الشرق الأوسط.

وحثّت السلطة الفلسطينية الاتحاد الأوروبي على الدعوة لمؤتمر دولي يؤكد على الإجماع العالمي بشأن حل الدولتين للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي ويرفض النهج الأميركي. وقال السفير للصحافيين بشأن لقاءاته مع المسؤولين الأوروبيين "ندفعهم للانخراط. عليهم التحرّك".

وأضاف "سنكون سعداء للغاية لإظهار أن هناك أكثر من فاعل على الساحة، لتحديد كيف سنمضي قدماً". وحثّ الفلسطينيون كذلك الدول الأوروبية، خصوصا فرنسا وإيطاليا وإسبانيا والبرتغال وإيرلندا وبلجيكا ولوكسمبورغ، على الاعتراف بفلسطين كدولة.

وذكر السفير أن الفلسطينيين يريدون أن تعزز روسيا نشاطها الدبلوماسي في الشرق الأوسط. وأكد أنه مقتنع بأن الفلسطينيين لا يزالون يحظون بـ "دعم كبير في الساحة الدولية"، لكنه أشار إلى أنه في حال فشلت الدبلوماسية، فقد تتحول المعركة إلى حرب ديموغرافية.

وقال "إذا كان ذلك ما يريدون إجبارنا عليه -- واقع الدولة الواحدة -- فسيسرع الشعب الفلسطيني ماكينات الإنجاب لزيادة عدد الفلسطينيين الذين يواجهون الفصل العنصري".

 

رفض أوروبي غير رسمي لصفقة القرن:

دعا 37 رئيس حكومة ووزير خارجية سابقون في أوروبا في عريضة للاتحاد الأوروبي، إلى إقرار تأييده لحل الدولتين للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، قبيل نشر خطة الرئيس الأميركي. وطالبت العريضة بعدم تأييد "صفقة القرن" في حال لم تحترم هذا المبدأ والقانون الدولي.

وبين الموقعين على العريضة رئيس الحكومة الفرنسية السابق، جان مارك أرو، ووزيرا الخارجية البريطانية السابقان، ديفيد ميليباند وجاك سترو، ووزير الخارجية الألماني السابق، زيغمر غابرييل، ومفوض السياسة الخارجية الأسبق للاتحاد الأوروبي، خافيير سولانا (عرب ٤٨).

وجاء في العريضة أنه "نتوجه إليكم في لحظة مصيرية في الشرق الأوسط وأوروبا. والمشاركة مع إدارات أميركية سابقة، دفعت أوروبا حلاً عادلاً للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، في إطار حل الدولتين". وأضافت العريضة أنه "للأسف الشديد، فإن الإدارة الأميركية الحالية تخلت عن السياسة الأميركية السابقة وأبعدت نفسها عن القواعد القانونية الدولية. واعترفت حتى الآن بادعاءات جانب واحد فقط حيال القدس وأظهرت عدم اكتراث مقلق إزاء توسع المستوطنات الإسرائيلية. وأوقفت الولايات المتحدة لوكالة الأونروا التابعة للأمم المتحدة وبرامج أخرى تساعد الفلسطينيين".

وتابعت العريضة "أننا نؤمن بأن على أوروبا أن تتبنى وتدفع خطة تحترم المبادئ الأساسية للقانون الدولي. وتعكس مبادئ الاتحاد الأوروبي لحل الصراع والتي جرت المصادقة عليها في الماضي إدراكنا المشترك أن سلاما دائما يستوجب قيام دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل، وفي حدود العام 1967، مع تبادل أراض متفق عليه وبالحد الأدنى ومتساو، وأن تكون القدس عاصمة للدولتين، وترتيبات أمنية تستجيب لمخاوف الجانبين وتحترم سيادتهما مع حل متفق عليه وعادل لقضية اللاجئين". 

وشدد المسؤولون الأوروبيون السابقون في العريضة على أنه "يتعين على أوروبا رفض خطة لا تستوفي هذه المعايير"، وأن أي خطة تقلص استقلالية الفلسطينيين إلى دولة من دون سيادة وتواصل جغرافي ستفشل أيضا وتمس بجهود مستقبلية".

واعتبر المسؤولون الأوروبيون السابقون أنه من الأفضل أن تعمل أوروبا إلى جانب الولايات المتحدة، لكن في حال تضررت المصالح والقيم الأوروبية فإنه يتعين على أوروبا أن تسير في مسار منفصل.

 

من نتائج آخر اجتماع للاتحاد الأوروبي والدول المانحة:

انعقد آخر اجتماع للاتحاد الأوروبي والدول المانحة في بروكسل يوم 30 إبريل 2019، وشارك فيه مندوبون أميركيون بمستوى متدنٍ من السفارة الأميركية في إسرائيل وطاقم "خطة السلام/صفقة القرن". وقالت مصادر شاركت في الاجتماع إنه "كان واضحا أنه توجد قطيعة مطلقة بين الأميركيين والفلسطينيين الآن". وعقب الاجتماع أكد رئيس الحكومة الفلسطينية، عن ارتياحه من نتائج اجتماع الدول والهيئات المانحة للفلسطينيين، وقال إن الاتحاد الأوروبي يرفض الخطة الأمريكية، مشيراً إلى تمسك الأوروبيين بمشروع حل الدولتين عبر إقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية (أمد برس).

ويسعى الاتحاد الأوروبي والدول المانحة إلى التوسط بين الفلسطينيين والاسرائيليين، من أجل منع تدهور الوضع الاقتصادي في الضفة الغربية وقطاع غزة، بسبب السياسة الإسرائيلية. في محاولة لحل الأزمة الاقتصادية التي تواجهها السلطة الفلسطينية، في أعقاب تقليص إسرائيل أموال الضرائب، التي تجبيها من الفلسطينيين وتحولها إلى السلطة الفلسطينية شهريا، بموجب اتفاقيات أوسلو. وتحول إسرائيل هذه الأموال بعد خصم رواتب الأسرى منها، فيما تصر السلطة الفلسطينية على تلقيها كاملة وترفض أي ذريعة إسرائيلية لخصم هذه المستحقات (عرب ٤٨).

واقترح الاتحاد الأوروبي والدول المانحة للفلسطينيين دفع مخصصات للأسرى وعائلات الشهداء بموجب الوضع الاجتماعي للعائلات، ومن دون علاقة بشكل العمليات التي نفذها الأسرى.

 

تحذير أوروبي مبكر من صفقة القرن وتجاوز المعايير الدولية:

في يوليو 2018 دعا الاتحاد الأوروبي إلى مشاورات مع ممثلي السلطة الوطنية الفلسطينية وإسرائيل لبحث حل الدولتين، بالتزامن مع استعدادات أميركية لبدء تنفيذ بنود خطة "صفقة القرن". وقال الاتحاد الأوروبي في بيان إن هذه المشاورات تهدف إلى التأكد من أن آليات عمل الاتحاد والتزامه الدبلوماسي ودعمه المالي تتسم بالنجاعة الكافية لتحقيق هدف حل الدولتين. وأكد أنه ليست لديه نية لخفض التمويل أو مراجعة سياساته فيما يتصل بعملية السلام في الشرق الأوسط. وجدّد الاتحاد التذكير بأن حل الدولتين يظل الحل الواقعي والوحيد للتوصل إلى سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط. (العرب اللندنية).

وفي منتصف ديسمبر 2018 حذرت 8 دول أوروبية من فشل خطة السلام؛ لتجاهلها "المعايير المتفق عليها دوليا". وأكدت فرنسا وهولندا وبولندا والسويد والمملكة المتحدة وبلجيكا وألمانيا وإيطاليا، في بيان مشترك أن خطة السلام الأمريكية المعروفة بـ "صفقة القرن" ستنفشل إذا لم تلتزم بالمعايير المتفق عليها دولياً والمتمثلة في حل الدولتين.

وأضاف البيان المشترك الذي أصدرته الدول الثمان، عقب جلسة لمجلس الأمن الدولي" نؤكد على التزام الاتحاد الأوروبي القوي المتواصل بالمعايير المتفق عليها دوليا لتحقيق سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط، استنادا إلى القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة والاتفاقات السابقة". وأوضح البيان أن أية خطة سلام لا تعترف بهذه المعايير المتفق عليها دوليا ستخاطر بالفشل (البيان الإماراتية).

ويمثل البيان، أول موقف أوروبي جماعي واضح يدعو واشنطن لتبني حل الدولتين مع القدس كعاصمة مشتركة في خطة السلام الأمريكية.

وقالت الدول الثمان، إن الاتحاد الأوروبي مقتنع حقاً بتحقيق حل الدولتين على أساس حدود عام 1967 مع القدس عاصمة لكلتا الدولتين. وأشارت إلى أن هذا الحل يلبي احتياجات الأمن الإسرائيلية والفلسطينية وتطلعات الفلسطينيين من أجل دولة وسيادة، وينهي الاحتلال.

وأوضحت الدول الأوروبية أن حل الدولتين يحل جميع قضايا الوضع النهائي، وفقا لقرار مجلس الأمن 2334 والاتفاقات السابقة، مشيرة إلى أنه الطريقة الواقعية والوحيدة القابلة للتطبيق لإنهاء الصراع وتحقيق سلام عادل ودائم (العين الإماراتية).

 

تجديد الرفض الأوروبي لصفقة القرن:

عارض البيان الختامي للقمة التي جمعت الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربي في شرم الشيخ يومي 24 و25 شباط- فبراير 2019، بوضوح "صفقة القرن" للرئيس الأميركي دونالد ترامب.

وقد أشار الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية بوضوح إلى مرجعية القانون الدولي باعتباره خطاً أحمراً للمسألة العربية الإسرائيلية. بيد أنه في جميع النصوص الأخيرة للاتحاد، لم تعد المسألة تتعلق بالقانون الدولي، بل بـ "حلول تستند إلى قواعد القانون" (التي قد تكون مخالفة للقانون الدولي) (Voltair net).

 

مواقف فرنسية متمايزة عن مواقف الاتحاد الأوروبي:

أدلى سفير فرنسا المنتهية ولايته لدى الولايات المتحدة، في إبريل الماضي، تصريحاً عبر فيه عن قناعته بأن خطة السلام الأمريكية الجديدة بين الفلسطينيين والإسرائيليين باسم "صفقة القرن" محكوم عليها بالفشل 99%.

وذكر السفير ردا على سؤال حول تقييمه لواقع عملية السلام في الشرق الأوسط: "أنا مقرب من جاريد كوشنر. كلما دارت هناك مفاوضات بين طرفين في تاريخ البشرية، فرض الأقوى شروطه على الأضعف". وتابع متسائلا بشأن ما إذا كانت "صفقة القرن" محكوم عليها بالفشل: "أقول نعم، 99%.. لكن لا تنسى 1% المتبقي".

وذكر السفير: "لا تنسوا أن العرب خلف الأمريكيين.. تم إبلاغنا بأن الخطة تتألف من 50 صفقة وهي مفصلة جدا، لكننا لم نطّلع عليها بعد".

واعتبر أن واشنطن في جهودها الرامية لتطبيق "صفقة القرن" قد تواجه مشاكل ملموسة بسبب اعتقاد الإسرائيليين أن التوصل إلى حلول ليس في مصلحتهم، موضحا أن الوضع القائم يرضي الإسرائيليين تماما، حيث يسيطرون على الضفة الغربية وليسوا مضطرين إلى منح الفلسطينيين الجنسية الإسرائيلية (روسيا اليوم).

وقالت مصادر إسرائيلية إن الرئيس الفرنسي، مهتم ومعني بتوقيع اتفاق سلام بين الطرفين، الفلسطيني والإسرائيلي، وتوقيع "صفقة قرن" فرنسية. وأفادت القناة العاشرة العبرية نهاية أكتوبر 2018 بأن الرئيس الفرنسي، أرسل مستشاره الخاص لإجراء مباحثات في إسرائيل والسلطة، لتجديد مسار السلام بينهما (البوابة).

 

المحور السادس:

مواقف المؤسسات الدولية والجماعات الإسلامية المتطرفة

موقف المؤسسات والمنظمات الدولية:

تتباين هذه المواقف بين المؤسسات الحكومية وغير الحكومية، حيث إن موقف المؤسسات الحكومية يبقى خاضعاً للقانون الدولي، أي أنها ملتزمة بالقرارات الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة بشأن القضية الفلسطينية، ولا يمكن لها أن تغير موقفها هذا، إلا في حال قيام تغيير حقيقي في مواقف أطراف القضية.

أي أنه في حال تم التوصل إلى اتفاق نهائي بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، فإن تغييراً سيقع في القانون الدولي الناظم لهذه القضية، لناحية إلغاء قرارات سابقة، وإصدار أخرى، وتوثيق أية عملية سلام، والعمل على مراقبة تنفيذ الاتفاق الجديد.

أما في حال عدم التوصل بين طرفي القضية إلى اتفاق، فإن الأمم المتحدة، وتحديداً الجمعية العامة، غير قادرة على فرض الخطة على أطرافها، في ظل وجود تأييد أغلبية أعضاء الجمعية للجانب الفلسطيني. وفي حال تم رفع القضية إلى مجلس الأمن، فإنها قد تصطدم بممارسة حق النقض من بعض الأعضاء، بهدف الحصول على مساومات دولية في قضايا أخرى.

عموماً، يبقى موقف المنظمات الدولية الحكومية، مرتبطاً بموقف الأمم المتحدة، وهذه بدوره مرهون بموافقة أو رفض الطرفين للصفقة.

أما المؤسسات والمنظمات الدولية غير الحكومية، فهذه تعمل عى قاعدة "حقوق الإنسان"، وهي في أغلبها مناهضة للسلوك الإسرائيلي عموماً، وغالباً ستستمر على موقفها هذا، وخصوصاً المنظمات الأوروبية منها، لكن هذا الموقف سيتغير حتماً في حال اتفاق الطرفين الفلسطيني والإٍسرايلي على الصفقة، والبدء بتنفيذها.

 

مواقف الجماعات الإسلامية المتطرفة:

هناك ثلاث جماعات -غير فلسطينية- معنية بالصفقة وتطوراتها، وأولاها حزب الله اللبناني، وكافة الجماعات الشيعية التابعة لإيران، والتي تستخدم من القضية الفلسطنيية أداة لنشر خطابها التعبوي في العالم العربي.

وقد أكد زعيم ميليشيا حزب الله، في خطاب ألقاه في مايو الجاري، أن لبنان معني بمواجهة خطة تسوية القضية الفلسطينية التي تطرحها الولايات المتحدة والمعروفة بـ "صفقة القرن".

ووصف نصر الله "مؤتمر المنامة" بأنه "الخطوة الأولى من "صفقة القرن"، وأضاف: "ننوه ونشيد بموقف علماء البحرين وشعب البحرين والقوى السياسية في البحرين التي عبرت عن رفضها لأن تكون البحرين الأرض التي تحتضن الخطوة الأولى في "صفقة القرن".

لكن موقف ميليشيا حزب الله خاصة، وعموم الميليشيات الشيعية، مرتبط بعدة محددات:

-      يتحكم الموقف الإيراني من الصفقة، وطبيعة العلاقات الإيرانية-الأمريكية، بموقف هذه الميليشيات، ففي حال وجود تصعيد عسكري خطير بين إيران والولايات المتحدة، فإن الحزب وكافة الميليشيات الشيعية، ستكون أداة إيرانية لضرب المصالح الأمريكية، وخصوصاً في إسرائيل.

-      أما في حال التهدئة الإقليمية، فمن المتوقع أن يبقى موقف الحزب على ما هو عليه اليوم، عبر استخدام الخطاب التعبوي الرافض للصفقة، دون أن يكون هناك أي تحرك يهدد الصفقة بشكل جدي.

-      أما في حال وافقت الأطراف الفلسطينية على الصفقة، دون تنسيق مع إيران، فإن الحزب وكافة الميليشيات الشيعية، من المرجح أن تتهم السلطة والفصائل الفلسطنيية بالخيانة للقضية، وأن يقع بينهما خصومة علنية حادو. أما في حال التنسيق مع إيران، فإن هذه الميليشيات غالباً ستؤيد الموقف الفلسطيني، باعتباره صاحب الحق في حل قضيته بالطريقة التي يراها مناسبة.

الجماعة الأخرى، هي جماعة الإخوان المسلمين، ولن يختلف موقفها كثيراً عن موقف الميليشيات الشيعية، عدا عن أنها أكثر خضوعاً للضغط والموقف التركي، إلا أنها عموماً على استعداد لتقديم تنازلات في هذا الشأن، وبوادر ذلك كانت واضحة إبان رئاسة محمد مرسي، والذي أكد على توجه إخوان للحفاظ على العلاقات مع إسرائيل. وسيتعزز موقف الجماعة في حال وجود موافقة من حماس على الصفقة.

أمتا في حال رفض حماس، وتعنت تركي، فإن موقف الجماعة، سيظل داعماً للمطالب الفلسطينية التقليدية السابقة، محافظاً على ذات الخطاب التعبوي، مع تقديم دعم لحماس.

الجماعة الثالثة المعنية بهذا المحور، هي تنظيم القاعدة، وهو بالأساس لم يستخدم القضية الفلسطينية إلا بشكل محدود في خطابه، أما في تحركاته فلم يستهد إسرائيل، أو يهدد مشاريعها في المنطقة، عدا عن التراجع الحاد الذي تشهده القاعدة في المنطقة، لذا ليس من اللمتوقع أن يتجاوز ردود التنظيم، الردود الإعلامية، وخصوصاً في حال موافقة الفلسطنيين على الصفقة. أما في حال رفضهم، فإن التنظيم معني بقضايا أكثر أهمية له من القضية الفلسطينية، حتى الآن.

 

د. عبد القادر نعناع

باحث وأكاديمي سوري

 



([1]) ينصح بالحصول على الكتاب من الأسواق الغربية، وإعداد ترجمة له.

[2] _____, “What’s in Trump’s Deal of the Century? The Answers are in Plain Sight”, Middle East Eye, Jun 15. 2018:

https://www.middleeasteye.net/news/whats-trumps-deal-century-answers-are-plain-sight