إيران: نزاعات سلطوية

 


مستجدات مجلس صيانة الدستور

تقوم البنية السياسية الحاكمة في إيران، على الشكل التالي:

مجلس صيانة الدستور، أو مجلس الرقابة على القوانين (شوراي نگهبان)‏، هو أعلى هيئة تحكيم في إيران، يشرف على جميع الانتخابات ويقوّم المترشحين، وله الحق في تفسير نصوص الدستور وتحديد مدى مطابقتها للشريعة الإسلامية. فيما يتهم بالحد من قدرة البرلمان على إصدار التشريعات، ويوصف بأنه قلعة حصينة للمحافظين.

ويتكون المجلس من اثني عشر عضوا، ستة منهم فقهاء دينيون يعينهم المرشد الأعلى للثورة، أما الستة الباقون فيكونون من الحقوقيين، ويعينهم مجلس الشورى بتوصية من رئيس السلطة القضائية، وتتبع للمجلس لجان مراقبة تشرف على تطبيق وتنفيذ صلاحياته.

وتُناط بأعضاء مجلس صيانة الدستور مهمة مزدوجة، مرة عند الترشيح لعضوية المجالس التشريعية‏، ومرة عند إصدار المجالس للقوانين واللوائح‏، فهو يشرف على جميع الانتخابات التي تجرى في الدولة، سواء تعلقت بالبلديات أو التشريعيات أو الرئاسيات أو اختيار أعضاء مجلس الخبراء، وتناط به مهمة تقييم المرشحين وإعلان رأيه بشأن أهليتهم للترشح.

ومن معايير المجلس في تقييم المترشح صحة العقيدة الإسلامية والولاء للنظام، وكثيرا ما ألغى المجلس ترشح الشيوعيين والقوميين والأكراد وأعضاء حركة حرية إيران، أو كل من لا يؤمن بمبدأ ولاية الفقيه.

ثم إن لمجلس صيانة الدستور أيضا الحق في تفسير الدستور وتحديد مدى توافق القوانين التي يجيزها مجلس الشورى (البرلمان) مع مقتضيات الشريعة الإسلامية، وله حق النقض تجاه تلك القوانين.

وفي يوليو الفائت، أصدر خامنئي، أمراً بتمديد عضوية كل من: آية الله محمد يزدي، وآية الله صادق آملي لاريجاني، كعضوين فقيهين في مجلس صيانة الدستور للدورة الجديدة. كما أصدر أمرا بتعيين حجة الإسلام علي رضا اعرافي، بدلاً من آية الله محمد مؤمن، كعضو فقيه في مجلس صيانة الدستور. وبذلك يكون خامنئي قد قام بتغيير ثلث أعضاء المجلس بهذه التعيينات.

كما تم انتخاب رجل الدين المتشدد أحمد جنتي، رئيساً للمجلس، وهو يشغل هذا المنصب منذ عام 1992.

فيما من المقرر عقد انتخابات الدورة القادمة (الحادية عشرة) للبرلمان، والفترة الأولى من الدورة الخامسة لمجلس خبراء القيادة، يوم 21 فبراير 2020، وسط استياء شعبي واسع النطاق من الظروف الاقتصادية الصعبة والبيئة الأمنية السائدة في المجتمع.

ويشار إلى أن محمد دهقان عضو في البرلمان الحالي، وقد استقال من منصبه عندما دخل مجلس صيانة الدستور، وكان دهقان أيضًا رئيسًا للحملة الانتخابية لمحمد باقر قاليباف في انتخابات عام 2017. فيما كان كل من علي غلامي، وهادي طحان نظيف، ومحمد دهقان، ومحمد حسن صادقي مقدم، وعبد الحميد مرتضوي، من بين المرشحين الذين اقترحهم رئيس السلطة القضائية للبرلمان.

وهكذا، لم تتم الموافقة على الحقوقيين (القانونيين) الثلاثة: نجات الله إبراهيميان، وسام سواد كوهي، ومحسن إسماعيلي، من مجلس صيانة الدستور، حيث لم يتم اقتراح أي واحد منهم من قبل إبراهيم رئيسي للبرلمان.

وقبل يوم واحد من انتخاب ثلاثة أعضاء من حقوقيي مجلس صيانة الدستور، قام المرشد الأعلى، بتمديد تعيين صادق لاريجاني، ومحمد يزدي، في مجلس صيانة الدستور، لفترة أخرى، بوصفهم ضمن فقهاء مجلس صيانة الدستور.

وفي قرار علي خامنئي الجديد، تمَّ تعيين علي رضا أعرافي، إمام جمعة قُم المؤقت، أيضًا، بوصفه فقيهًا في مجلس صيانة الدستور. وقد حل أعرافي محل محمد مؤمن، عضو مجلس صيانة الدستور، الذي توفي منذ فترة.

وفي انتخابات مجلس خبراء القيادة عام 2016، شارك أعرافي في دائرة طهران الانتخابية، لكنه لم يحصل على ما يكفي من الأصوات لدخول مجلس خبراء القيادة، أما الآن فقد انضم بقرار من علي خامنئي إلى مجلس صيانة الدستور کبديل لمحمد مؤمن.

تجدر الإشارة إلى أن عمر أحمد جنتي، الرئيس الحالي لمجلس صيانة الدستور، 94 سنة. كما أن محمد يزدي، العضو الآخر في مجلس صيانة الدستور يبلغ من العمر 89 عامًا، وهو في الوقت نفسه رئيس المجلس الأعلى للحوزات الدينية. (ايران اينترنشنال، يوليو 2019)

وكان روحاني قد انتقد ضمنيًا، أداء مجلس صيانة الدستور في انتخابات الفترات البرلمانية المختلفة، قائلًا: "أفضل برلمان في تاريخ الثورة الإسلامية كان أول برلمان، حيث لم تكن فيه رقابة كما هو الآن، فلم يكن هناك مجلس لصيانة الدستور، وحتى المنافقون كانوا داخلين في الانتخابات".

وقال كدخدائي، المتحدث باسم مجلس صيانة الدستور، ردًا على تصريحات روحاني: "إنَّ تصريحات الرئيس الذي أقسم أن يحافظ على الدستور، تتجاهل الدستور والقانون الانتخابي"، بينما "يتوقع من الرئيس أن يحث الجميع على تنفيذ الدستور واحترامه لا أن يدعو المؤسسات إلى عدم الالتزام به".

ويشار إلى أن الجدل الرئيس بين التيارات السياسية الإيرانية، ليس حول "إشراف مجلس صيانة الدستور على الانتخابات"، بل حول "الإشراف بالموافقة أو الرفض" فالدستور الإيراني، حيث لم يشر في نص دستور عام 1979، ولا بعد مراجعته التي تمت سنة 1989، إلى "الإشراف بالموافقة والرفض" لمجلس صيانة الدستور.

يذكر أنه في أدوار الانتخابات المختلفة الماضية، بعد بدء عملية الإشراف بالموافقة والرفض تم رفض كثير من الشخصيات الإصلاحية البارزة. بل إن التيار الإصلاحي، خلال دورة الرئيس محمد خاتمي، دعا إلى إلغاء "الإشراف بالموافقة والرفض". (العرب مباشر، أكتوبر 2019)

كما هاجم أحمد خاتمي، عضو هيئة رئاسة مجلس خبراء القيادة الإيرانية، تصريحات الرئيس الإيراني، انتقد خلالها تشديد دور مجلس صيانة الدستور في هندسة الانتخابات النيابية المقبلة من خلال فلترة المرشحين. واعتبر في خطبة صلاة الجمعة في طهران، أن تصريحات روحاني "تؤدي إلى انقسام المجتمع الإيراني".

فيما أكد روحاني خلال اجتماع لمجلس الوزراء، أنه "لا يجب أن نعتقد أنه كلما كانت الترشيحات أكثر تشددا، كانت النتائج أفضل". حيث دائما ما ينتقد الإصلاحيون في إيران الرقابة الشديدة التي يفرضها مجلس صيانة الدستور ويقولون إنه يعطل تحقيق أي مسار ديمقراطي في البلاد.

كما أن هناك خلافات كبيرة بين مجلس صيانة الدستور والبرلمان وصلت إلى حد تدخل وتحكيم مجلس تشخيص مصلحة النظام في الكثير من الأحيان، بسبب رفض المجلس القوانين التي يقرها البرلمان. (العربية، أكتوبر 2019)

أيضاً هاجم رجل الدين الإيراني محمد يزدي، م رئيسَ الجمهورية حسن روحاني، وآية الله علوي بروجردي، ورئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام صادق آملي لاريجاني، حيث خاطب يزدي روحاني داعياً إياه إلى "مغادرة منصبه إن لم يتمكن من إدارة البلاد"، أما بروجردي فقد توعده يزدي "بالتحدي في حال أُعلن عنه (بروجردي) مرجع تقليد".

وقد برز في الفترة الأخيرة صراع بين 'آيات الله' المتحكمين عموما في الشأن الإيراني بما هو سياسي وديني واجتماعي والموجهين أيضا للبوصلة الإيرانية على مستوى العلاقات الخارجية والنزاعات الإقليمية.

واندلعت حرب كلامية كانت الشتائم والتهديدات سمتها البارزة بين رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام الإيراني آية الله صادق آمولي لاريجاني عضو فقهاء مجلس صيانة الدستور آية الله محمد يزدي، ما دفع ناصر مكارم الشيرازي وهو أحد المرجعيات الشيعية في إيران إلى الدعوة للتهدئة حتى لا يتم تشويه سمعة رجال الدين والنظام الحاكم.

لكن الخلاف الحالي بين آية الله صادق آمولي لاريجاني عضو فقهاء مجلس صيانة الدستور آية الله محمد يزدي، سلط الضوء على الصراع الذي يشق تيار المؤسسة الدينية في إيران. وبلغ صراع آيات الله الحاكمين في إيران حد الشتائم والتهم المتبادلة حيث رد، على منتقديه بشدة واتهم عضو فقهاء مجلس صيانة الدستور، آية الله محمد يزدي بالكذب والتدليس.

ورد آمولي لاريجاني على منتقديه بشدة، متهما عضو فقهاء مجلس صيانة الدستور(يزدي) بالكذب والتدليس.

وكانت الوكالات الإيرانية الرسمية قد نشرت رسالة مفتوحة للاريجاني اتهم فيها يزدي بـ "نشر الأكاذيب وبث الإشاعات والتشهير" وذلك ردا على اتهام أن يزدي اتهم يزدي له بتشييد القصور تحت غطاء الحوزات الدينية واستغلال منصبه عندما كان رئيسا للقضاء.

وسارع رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام الإيراني إلى تكذيب روايات تتحدث عن اعتزامه الهجرة إلى النجف الأشرف في العراق. كما نفى في الوقت ذاته أن تكون السلطات الأمنية الإيرانية قد اعتقلت مدير مكتبه بتهم فساد.

وذهب عضو فقهاء مجلس صيانة الدستور إلى أبعد من ذلك حين شكك في أهلية لاريجاني العلمية والدينية قائلا إن ذهابه إلى النجف أو بقائه في قم لن يكون له تأثير يذكر لسبب بسيط هو أنه لم يكن له (أي لاريجاني) أي تأثير ديني يذكر.

ورد رئيس مصلحة تشخيص النظام على استهزاء يزدي بالقول في رسالته "لا أحد يأخذ آراءك ودروسك في الحوزة الدينية في قم على محمل الجد".

وعرّت الحرب الكلامية بين الرجلين جزء يسيرا من الفساد المستشري في المؤسسة الدينية الإيرانية التي تختزلها مرجعية قم وتفرعاتها لتهز بذلك الثقة في المؤسسة التي يقودها خامنئي منذ عقود والمتهم بدوره ببناء إمبراطورية اقتصادية ضخمة مستفيدا بشكل اساسي من العقوبات الأميركية التي فرضتها واشنطن على إيران قبل توقيع الاتفاق النووي في العام 2015.

ورد لاريجاني على الاتهامات الموجهة إليه والتي وردت بشكل غير مسبوق على التلفزيون الحكومي بأنها "كانت جزءا من سيناريو مخطط له مسبقا ومشروع أكبر" لتشويه صورته.

ومن المتوقع أن يكشف الصراع بين رجال خامنئي والنظام الديني عموما، المزيد من فضائح الفساد حيث لوح لاريجاني بالكشف عن أسرار تهم شخصيات سياسية كبيرة وأبناء النخبة السياسية الحاكمة، في تهديد مضمون الوصول لمسؤولين بعينهم.

وأشار أيضا إلى أنه على علم بالفساد بين كبار المسؤولين في مختلف الأجهزة ومن ضمنها مخابرات الحرس الثوري. (ميدل إيست أونلاين، أغسطس 2019)

وفي هذا الإطار من الخلافات أيضاً، حذرت هيئة مراقبة الانتخابات الإيرانية، من أنها ستتدخل إذا استخدم المرشحون للانتخابات البرلمانية المقبلة "الأموال القذرة". ومن المقرر أن تجري انتخابات البرلمان الحادي عشر في إيران في 21 فبراير 2020 في جميع أنحاء البلاد.

وفي وقت سابق، اعترف علي محسن كدخدائي، المتحدث باسم مجلس صيانة الدستور، بالدور المهيمن للمال في الانتخابات الإيرانية. وقد أعرب عن أسفه لعدم وجود قوانين للحد من تأثير المال على نتائج بعض الانتخابات. وأصر كدخدائي على أنه "من الضروري وضع قوانين أفضل لمعالجة مشكلة الأموال القذرة"، إذ لا تفرض إيران أي قوانين تنظم إنفاق الحملات الانتخابية.

وبعدها أكد آية الله أحمد جنتي، رئيس مجلس خبراء القيادة، البالغ من العمر 91 عامًا، أن "العديد من الناس يسعون للحصول على مقاعد في البرلمان من خلال إنفاق أموال قذرة".

ومع ذلك، لم يحدد جنتي ولا كادخوداي ما هو المال القذر، كما أنهما لم يكشفا تفاصيل خطة مجلس صيانة الدستور لإبطال دوره في الانتخابات، ولماذا تم تجاهل المشكلة على مدار الأربعين عامًا الماضية.

وكان وزير الداخلية الإيراني، عبد الرضا رحماني فضلي، قد سبق وأثار هذه القضية منذ 5 سنوات، إذ كشف عن جزء من الأموال القذرة التي تم الحصول عليها من تجارة المخدرات، وحث أعضاء البرلمان على التصديق على بعض القوانين والاقتراحات الخاصة لمنع هذا الفعل، إلا انه اضطر للتراجع عن تصريحاته تحت ضغط البرلمان. (الجوار برس، سبتمبر 2019)

وكان المرشد الإيراني، علي خامنئي، قد حدد في سبتمبر الماضي، السياسات العامة للنظام التشريعي، وذلك في إطار تنفيذ البند الأول من المادة رقم 110 من الدستور. ونظراً إلى أهمية القضية أكد على هامشها "ضرورة إبلاغ السياسات للسلطات الثلاث. والسلطات الثلاث مكلفة بجدولة الإجراءات زمنياً ورفع تقرير عن التقدم. والتي تنص على: (تسنيم، سبتمبر2019)

1-    الاهتمام بمعايير الشرع بصفتها المصدر الأساس للتشريع في تنظيم وتصديق المشاريع واللوائح القانونية.

2-    تقييم وتنقيح القوانين والضوابط في البلاد من حيث التباين مع المعايير الشرعية ودستور الجمهورية، وإيجاد الآلية اللازمة لضمان المادة الرابعة من الدستور.

3-    تحديد الآلية المناسبة لدعم تباين الضوابط مع الدستور.

4-    الإشراف على عدم التباين أو تطابق القوانين مع الخطوط العامة للدولة مع تعاون مجلس صيانة الدستور ومجمع تشخيص مصلحة النظام والمصادقة على القوانين اللازمة لتحقيق أي من الخطوط العامة للدولة.

5-    تعيين حدود صلاحيات مراجع سن القوانين والضوابط مع تقديم تعريف واضح ومحدد من "القانون"، "اللائحة، القرار المصادق عليه، التعميم؛ ضمن المادة 138"، "قانون الاختبار والنظام الاساس ضمن المادة 85"، "برنامج ونهج الحكومة والقرارات ضمن المادة 134"، "آراء وحدة المنهج والضوابط ضمن المادة 161" وسائر الضوابط وكذلك تصنيف وتحديد هرم سياسات وقوانين وضوابط البلاد على اساس نص او تفسير مواد الدستور حسب الحالة، عن طريق مجلس الشورى.

6-    تعيين حدود صلاحيات المجلس في تعديل اللوائح مع الاخذ بنظر الاعتبار أهداف اللائحة.

7-    تحديد نطاق صلاحية المجلس في المصادقة على هيكلية ونصوص ميزانية البلاد العامة (تخمين العوائد، الأهداف المرسومة، حالات النفقات ...) من خلال المصادقة على القوانين اللازمة وتعديل النظام الداخلي للمجلس.

8-    تحديد واجبات الحكومة والمجلس حول عدد الوزراء وواجباتهم وصلاحياتهم، والواجبات القانونية لرئيس الجمهورية ضمن المادتين 60 و124 من الدستور وأي دمج، ضم، فصل، وإيجاد المنظمات الإدارية، عبر المصادقة على القانون.

9-    التزام مبادئ التشريع وصياغة القانون وتحديد الآلية وتطابق اللوائح ومشاريع القوانين مع التأكيد على:

-       إمكانية تنفيذ القانون وإمكانية معايرة تنفيذه.

-       تلبية حاجات حقيقية.

-       الشفافية وعدم الغموض.

-       القوة في التعابير والمصطلحات القانونية.

-       تبيان التعريف التخصصي لكل من اللوائح ومشاريع القوانين والسبب في اقتراحها.

-       البناء على وجهات النظر ذات الخبرة وتقييم تأثير تنفيذ القانون.

-       الاستقرار والرؤية بعيدة الأمد والوطنية.

-       انسجام القوانين وعدم تغييرها أو تعديلها ضمنيا من دون ذكر التعريف التخصصي.

-       استقطاب الحد الأقصى من المشاركة الشعبية، المعنيون، والمؤسسات القانونية الشعبية التخصصية والمهنية في مسيرة التشريع.

-       اعتماد مركزية العدالة في القوانين وتجنب التمييز المجحف، عمومية القوانين وطبيعتها الشاملة والكاملة وتجنب الاستثناءات القانونية قدر الإمكان.

10-                  تحديد عناوين القوانين الشاملة، تبويب، تنقيح، وتحديد تعريف القوانين الموجودة في البلاد خلال الخطة التنموية السادسة.

11-                  تعيين آلية من قبل مجلس الشورى لتحديد إمكانية الطرح في المجلس (موضوع المادة 75 من الدستور) قبل الطرح وإعلان الاستلام.

12-                  وضع ضوابط وتحديد حد نصاب عال للإرجاع إلى مجمع تشخيص مصلحة النظام في حالات تناقض قرار مجلس الشورى مع رأي مجلس صيانة الدستور.

13-                  إعادة النظر في قرارات تمت المصادقة عليها في مجمع تشخيص مصلحة النظام على أساس المصلحة من حيث تحديد مرحلة اعتبار المصلحة.

14-                  التزام الأهلية الذاتية للسلطات الثلاث في القوانين المتعلقة بتأسيس مؤسسات مثل المجالس العليا، وإعادة النظر في القوانين الموجود في هذه المؤسسات، وتخمين الآلية القانونية الفاعلة اللازمة لضمان عدم تباين قراراتها مع القوانين العادية.

15-                  تحديد أولويات التشريع حول محور: حل عقد الشؤون التنفيذية في البلاد، المواد غير المنفذة في الدستور، وثيقة الآفاق المستقبلية، الخطوط العامة للدولة، خطة التنمية الخمسية، ومطالب قائد الثورة.

16-                  التزام تدابير القيادة الداعمة للقوات المسلحة في تشريع القوانين للقوات المسلحة.

17-                  ترويج ومأسسة ثقافة التزام وتمكين واحترام القوانين وتحويل ذلك إلى مطلب عام.

 

مستجدات القوى السياسية الإيرانية

رغم التصنيفات للقوى السياسية في إيران، بين معسكرين محافظ متشدد، وإصلاحي معتدل، إلا أنه من الضروري التذكير دوماً، أنه هذين التيارين، هما التياران السلطويان في إيران، أي أنهما -كلا التيارين- يقعان على يمين السلطة، ويدافعان عن استمرارية نظام الملالي، وحريصان على الشكل الثيوقراطي للسلطة، وأن الاختلاف الحقيقي بينهما، يتمثل في رؤيتهما لطريقة تنفيذ السياسات، وحجم الانفتاح على الغرب، وحجم التنازلات الدبلوماسية التي يمكن تقديمها للآخرين.

وذلك في مقابل قوى سياسية واسعة مهمشة، سواء أكانت فارسية (خلق، أو الملكيين، أو سواهم)، أو كانت القوى السياسية للجماعات الإثنية في إيران. وعليه نرى أن مصطلح معتدلين ومحافظين، هو محاولة لخلق انطباع أن هناك تيارين متعارضين، في حين أنه لا يتجاوز أن يكون تنافساً بين رجالات الدين والسياسة على تولي المناصب التنفيذية في السلطة، في حين تبقى المناصب العليا الأمنية والعسكرية بيد المرشد والحرس الثوري.

ورغم تهميش كبار القادة الإصلاحيين، ما زال محمد علي أبطحي: إصلاحي شغل منصب نائب رئيس الجمهورية في عهد الرئيس السابق محمد خاتمي في تسعينات القرن الماضي، يؤمن بأن التغيير التدريجي هو الخيار الوحيد لبلاده. في حين مُنع من الظهور في الإعلام. وفي هذه الأثناء، يقبع المرشحان الرئاسيان مير حسين موسوي ومهدي كروبي قيد الإقامة الجبرية منذ ثمانية أعوام.

ولا توجد الكثير من المؤشرات التي تدل على بروز جيل جديد لخلافتهم في وقت يملك مجلس صيانة الدستور السلطة التي تخوله رفض أي مرشحين للانتخابات لا يعتبرهم مؤهلين. ودفع ذلك الإصلاحيين إلى تعليق آمالهم على الرئيس حسن روحاني الذي يعد شخصية معتدلة سياسيا.

وأشار المحلل والسياسي المحافظ أمير محبيان "عندما هتف المتظاهرون، أيها الإصلاحيون والمحافظون، انتهت اللعبة، لم يكونوا مخطئين. الحقيقة هي أن اللعبة (السياسية) تغيّرت". في حين يجري التحضير للانتخابات الرئاسية عام 2021. وأدى قرار الإصلاحيين دعم روحاني إلى "إفلاسهم"، بحسب بعض المحللين.

لكن الفوضى في أوساط المعسكر الإصلاحي لا تعني أن المحافظين هم الجانب المستفيد، بحسب البعض، الذي يعتقد أن عليهم قبل ذلك "إعادة تحديد علاقتهم مع المؤسسة الحاكمة". (يورابيا)

وفي مارس الماضي، كان الرئيس الإيراني السابق والسياسي الإصلاحي البارز محمد خاتمي، مجتمعًا مع عددٍ من نواب البرلمان الإصلاحيين، في لقاءٍ نادر. سُئل وقتها باعتباره الزعيم الروحيّ للحركة الإصلاحية الإيرانية، عن مستقبل الحركة، وهل يعتقد أن الإيرانيين سيشاركون في الانتخابات البرلمانية لعام 2020، والرئاسية 2021 أم لا؟

وأجاب خاتمي قائلًا: "أعتقد أنه من غير المرجّح أن تشارك الناس في أيّ انتخاباتٍ قادمة، ولا أستطيع طلب ذلك منهم، إن لم تشهد الحركة أي تطوُّر في المستقبل القريب".

وسبق وأن خرج إسحاق جهانغيري النائب الأوّل للرئيس حسن روحاني، وأحد أعمدة الإصلاح في إيران واتّهم المتظاهرين بأنّهم حفنة من المتآمرين يستخدمون ذريعة الأحوال المعيشية الصعبة لمهاجمة إدارة روحاني. فجاءه الردُّ سريعًا من الإيرانيين الغاضبين في الشوارع، رافعين شعاراتٍ مناهضة لحركة الإصلاح بالكامل، وردد المتظاهرون هتاف: "أيها الإصلاحي.. انتهت اللعبة".

فمنذ تولي حسن روحاني منصبه في عام 2013، بدأ المعسكر الإصلاحي يشاهد بترقُّب علامات تقارب حسن روحاني من علي لاريجاني السياسي المحافظ ورئيس البرلمان الإيرانى، والذي يتمتّع بعلاقاتٍ جيدة هو وعائلته مع المرشد الأعلى. ولاحظ بعض المراقبين داخل إيران تعمّق العلاقة بين روحاني ولاريجاني، خاصّة بعد الجهود التي بذلها في إقناع النوّاب المحافظين بالتصويت على اعتماد الصفقة النووية أو ما يعرف بـ "خطة العمل المشتركة الشاملة".

ازداد قلق الإصلاحيون عندما اتّفق روحاني ولاريجاني على تعيين رحماني فاضلي وزيرًا للداخلية، وهو رجل ينتمي للمعسكر المحافظ، ولا يحظى بشعبيةٍ وسط الإصلاحيين. بدأ ميزان روحاني في الميل أكثر وأكثر تجاه لاريجاني في فترة ولايته الثانية عام 2017 والتي لم يكن ليفوز فيها لولا دعم الإصلاحيين. قام البرلمان برئاسة لاريجاني في أغسطس 2018، باستدعاء ثلاثةٍ من وزراء إدارة روحاني محسوبين على التيار الإصلاحي للاستجواب، وبدأ الحديث عن سحب الثقة منهم.

حينها أدرك الاصلاحيون تمام الإدراك أنهم خسروا الرّهان على حسن روحاني تمامًا، خاصّة أن الوزراء الثلاثة من وجهة نظر الإصلاحيين لم يخطئوا إلى حدّ سحب الثقة منهم.

فيما توالت إجراءات عزل الوزراء الثلاثة في أقلِّ من شهر، ففي بداية شهر أغسطس 2018، صوّت البرلمان لإقالة وزير العمل علي ربيعي، واتهمه نوّاب البرلمان بتهم فساد مالي وإداري غير مسبوق. وفى نفس الشهر، صوّت 137 نائبًا برلمانيًّا ضدّ وزير الاقتصاد مسعود كاربسيان، بزعم فشله الكبير في الخروج بالبلاد من أزمة اقتصادية تسببت بها العقوبات الأمريكية. وكان وزير التعليم محمد بطحائي آخر الوزراء المعزولين في 29 من نفس الشهر، لإخفاقه في إصلاح منظومة التعليم بالكامل.

تأكّد المعسكر الإصلاحي من شكوكه حول العلاقات الوثيقة بين روحاني، ورئيس البرلمان المحافظ علي لاريجاني، وبدأت الشائعات التي تفيد بأنّ الأخير من الممكن أن يكون المرشح المحتمل في الانتخابات الرئاسية لعام 2022.

من بداية شكوكهم في فترة رئاسة حسن روحاني الأولى، حاول الإصلاحيون الدفع بـ "إسحاق جهانغيري" النائب الأول لحسن روحاني، وأحد أكبر السياسيين البارزين في الحركة الإصلاحية، لكي يكون هو مرشحهم في الانتخابات القادمة. بينما أدرك روحاني الأمر سريعًا، وبدأت عمليات التهميش لجهانجير من قبل مدير مكتب الرئيس روحاني محمود واعظي، المعروف بميوله المحافظة إلى حدٍ ما.

فكان لا بد لإدارة روحاني من تشكيل فريقٍ اقتصاديّ متمرس لمحاولة عدم الانزلاق. اقترح الإصلاحيون أن يتولّى إسحاق جهانغيري قيادة هذا الفريق، وهو الذي يقوم بتشكيله، لكن كان لمحمود واعظي وروحاني رأيٌ آخر. واتهمت النخبة السياسية الإصلاحية روحاني بأنّه يقوم بإقصاء كل من هو محسوب على الإصلاحيين من إدارته، وأنه بدأ في التوجُّه إلى المعسكر المحافظ المنافس أكثر.

في منتصف العام الحالي أعلن المعسكر الإصلاحي أنّه سينتهي قريبًا التحالف الإصلاحي – المعتدل في البرلمان الإيراني. ومن الصعب إعلان التعاون بينهما مرة أخرى في الانتخابات البرلمانية المقبلة. وكما تضمّنت خطّة تغيير الاستراتيجية الاصلاحية سابقًا دعم مرشح رئاسي معتدل عمل الإصلاحيون على تطبيق نفس الأمر في الانتخابات البرلمانية لعام 2016، للفوز بعدد مقاعد يمكّنهم من التنافس السياسي، بعد سنواتٍ من حرمانهم من البرلمان.

توحّد الإصلاحيون مع المعتدلين، بالرغم من الاختلافات الكبيرة بينهما، بهدف عدم ترك الساحة السياسية خالية أمام المحافظين المنظّمين بشكلٍ أكبر وأقوى. ونجح التحالف المسمى "تحالف الأمل" بالفعل وحصلوا على أكبر عددٍ من المقاعد في البرلمان. كان الإيرانيون ينتظرون منهم المزيد من العمل لتحسين الحياة السياسية والاقتصادية بعد السيطرة على البرلمان.

فيما عبّر محمد رضا عارف، سياسي إصلاحي بارز ومخضرم، وهو رئيس تحالف الأمل في البرلمان، في شهر يونيو الماضي، عن صعوبة عمل الإصلاح مع الاعتدال في البرلمان قائلً: "لا بد من انفصال الإصلاحيين عن المعتدلين، هم فقط يريدون الاستفادة من قاعدة الإصلاح الانتخابية الكبيرة، ولا يريدون التعاون".

تعرّض رضا عارف حينها لانتقاد عددٍ كبير من رجال المعسكر الإصلاحي، متّهمين إياه بأنّه سبب هذا الفشل، بقيادته الضعيفة للتحالف. أمّا الصحفي الإيراني المؤيد للإصلاح الذي تحدثنا معه سابقًا، فيقول: "محمد رضا عارف انتهى منذ سنوات، وما زال مصممًا على عضوية البرلمان، والمعسكر الإصلاحي لا يفعل شيئًا، فالرجل لا صوت له في البرلمان إطلاق".

كما يرى أنّ تصميم المعسكر الإصلاحي على تجاهل العيوب والأخطاء الداخلية، وعدم المصارحة والشفافية فيما بينهما هي من أهم أسباب خسارة المعسكر، وتراجع شعبيته.

لم ينجح تحالف الأمل من الإصلاحيين والمعتدلين في فعل أيّ شيء جديد في البرلمان بالرغم من استحواذهم على عددٍ كبير من المقاعد في مقابل المحافظين، تعرّضوا للعديد من الخسائر أقربها كان ما حدث داخل الانتخابات الداخلية للبرلمان.

ففي مايو 2019 خسر تحالف الأمل منصب نائب رئيس البرلمان الذي كان يتولاه على مطهّري السياسي المعتدل المستقلّ، المعروف بشجاعته في مواجهة العديد من المسائل السياسية، ومواجهة المحافظين في نفس الوقت.

وذهب المنصب إلى عبد الرازق المسيري السياسي المحافظ والقريب من المتشددين، والذي كان وزيرًا في حكومة الرئيس السابق محمود أحمدي نجادعلّق مطهري على أمر خسارته أمام المسيري، بأنّ السبب هو الخلافات والأحقاد بين رؤساء الفصيلين الإصلاحي والمعتدل، اللّذان من المفترض أنهما متحالفان.

لم يستوعب كل من الإصلاحيين والمعتدلين الدرس من خطأ تناحرهم داخل البرلمان، وبعد شهرٍ من خسارة منصب نائب رئيس البرلمان، خسروا منصب رئيس لجنة الأمن القومي والسياسية الخارجية للبرلمان، ليحلّ محل رئيسها الإصلاحي حشمت الله فلاحت بيشه، السياسي المتشدِّد مجتبي النُّوري.

مجتبي ذو النوري الذي طالما طالب بـ«حرق» الصفقة النووية، وإعادة تخصيب اليورانيوم، حتى أنّه قدّم للبرلمان مشروع قانون يطالب فيه بخروج إيران من اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية.

ودائمًا ما كان ينتقد الإصلاحيون المعسكر المحافظ بالتورُّط في الفساد المالي والإداري، وسيطرتهم على الاقتصاد الإيراني، تلك السيطرة التي عانى منها القطاع الخاص. بعد تمكُّنهم من بعض الحقائب الوزارية، والسيطرة على البرلمان بشكلٍ كبير، توقَّع الإيرانيون من التيار الإصلاحي بقيادة حسن روحاني معالجة الفساد الذي طالما انتقده.

لكنّه فوجئ بتورُّط شخصياتٍ إصلاحية كبيرة في قضايا اختلاس على نطاقٍ واسع، واستغلال للنفوذ، في أكبر قضية نصب واحتيال في تاريخ إيران الحديث بقيمة 7 مليار دولار.

وكان من ضمن المتّهمين في القضية شقيق الرئيس الإيراني حسن روحاني، وشقيق النائب الأول للرئيس إسحاق جهانغيري، وابنه وزير الصناعة السابق نعمة زاده والمحسوب على التيار الإصلاحي أيضًا.

ووفقاً لمصادر داخلية، فإن الإصلاحيين: "أصابهم الطمع، واللامبالاة بمطالب الناس، وأصبحوا أقرب إلى المحافظين والمتشددين، أرادوا العودة إلى الحياة السياسية من أجل طموحاتهم الشخصية فقط". (ساسة بوست، أكتوبر 2018)

 

 

خلافات داخلية

تحاول بعض التسريبات التي تظهر في الإعلام العربي والغربي، الإيحاء إلى أن هناك صراعات وخلافات عميقة داخل البنى الأساسية للنظام السياسي الإيراني، وأنه يمكن التعويل على فصيل في مواجهة آخر، لإحداث تغيير كبير في هذا النظام، لكننا نرى أنه يتم تضخيم هذه الخلافات -التي ربما تكون طبيعية في نظام مثل الإيراني- وذلك بهدف التشويش على المحللين الخارجين، ومحاولة التأثير سلباً في صناع القرار الأجانب، فيما يخص الشأن الإيراني.

وطالما استقى الإعلام العربي، ومراكز الدراسات، موادهم من مصادر إيرانية، دون التدقيق فيما تتضمنه من تشويه، حيث تقوم المراكز الإيرانية بتغليف معلوماتها بكم من الحقائق المزيفة، والتي يتم الاشتغال عليها وترويجها لاحقاً لدى الآخرين. لذا لابد من الانتباه إلى عدم التعويل على هذه الخلافات الداخلية، دون أن يعني ذلك غياب الخلافات، في ظل صراع مصالح فردية داخل النظام، عدا عن أن أزمات النظام المتلاحقة، وخصوصاً مع العقوبات الجديدة، باتت هذه المصالح ضيقة، ولابد من إعادة توزيعها، وعلى هذا الأساس تظهر خلافات داخلية عديدة.

وهذه الخلافات تظهر في عدة مواضيع، وليست وليدة اليوم، فعلى سبيل المثال، عارضت قوى محافظة ومتشددة التوصل إلى الاتفاق النووي عام ٢٠١٦، فيما تدفع باتجاه التخلص كلياً من الاتفاق.

ومنه أيضاً، إعلان مجلس خبراء القيادة في إيران، معارضته انضمام البلاد إلى الاتفاقيات الدولية لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، مجلس خبراء القيادة أعلن معارضته انضمام إيران إلى اتفاقيتي الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة المعروفة بـ "باليرمو"، واتفاقية مكافحة تمويل الإرهاب (CFT). ووصف مجلس الخبراء في بيان عقب انتهاء، انضمام إيران إلى هاتين الاتفاقيتين بأنه "خطأ استراتيجي، إذا كان الهدف من هذه الاتفاقيات حصول العدو على ذرائع". (إرم نيوز، مارس 2019)

لكن حقيقة الخلافات، تظهر في تقرير لمجلة "فورين بولسي" الأميركية، والتي كشفت عن أن الصراع بين الأجهزة الأمنية أصبح الآن أكثر حدة وشراسة تحت وطأة الضغوط الدولية التي تتعرض لها إيران في الفترة الأخيرة، وأن جهازي مخابرات أصبحا يتنازعان بشكل علني ومتزايد، مما نتجت منه آثار مهمة على السياسة الداخلية والخارجية الإيرانية. ويدور النزاع الداخلي بشكل أساسي حول الجهة التي ستكون في وضع أفضل لحماية البلد، وتحديد الجوانب الأكثر احتياجا لهذه الحماية.

وفي أغسطس الماضي، بثت قناة بي بي سي الفارسية مقابلة نادرة وحصرية مع مازيار إبراهيمي، وهو سجين سابق في إيران تم سجنه للاشتباه في تعاونه مع إسرائيل لاغتيال 4 علماء نوويين إيرانيين بين عامي 2010 و2012. (الشرق لأوسط، أغسطس 2019)

ودحض هذا التقرير، الاعتقاد السائد بأن وزارة الاستخبارات، هي مؤسسة جيدة وتعمل لصالح البلاد، وأكثر عقلانية ومسؤولية من "جهاز الاستخبارات في الحرس الثوري"، وأكد التقرير أن كلا المؤسستين يعملان على مد نفوذهما واكتساب مزيد من الصلاحيات، والمشاركة في الفساد والقمع والتلاعب السياسي، وأن كلا المؤسستين تتبعان أساليب قذرة في الوصول إلى أهدافها، وبالتالي فإن الخلاف بينهما، هو حول مكاسبهما المؤسساتية وليست خلافات سياسية أو أيديولوجية.

ومع احتدام حركة الإصلاح في المجتمع الإيراني والنظام الحاكم على حد سواء، كثف الحرس الثوري الإيراني جهوده للتأكد من أن الإصلاحيين لن يستولوا على المؤسسات المحورية للدولة إلى الأبد.

لكن التوجه الذي يريده الاصلاحيون للانفتاح في سياسات إيران حتى مع أشد أعدائها من خلال اعتماد المرونة والتفاوض والتنازلات، بدل سياسات المواجهة التي يعتمدها المتشددون، ينذر بمزيد من الانشقاقات داخل دوائر النظام، ويمكن أن تمثلا صداعا لا يحمد عقباه في المدى القريب في عهد المرشد الذي سيخلف علي خامنئي، فحتى خلافته تثير خلافات مبطنة قد تزيد الهوة بين الإصلاحيين والمتشددين في النظام الإيراني.

فالمتشددون المقربون من المرشد خامنئي يبدو أنهم يعارضون بشدة تقديم تنازلات عن مبادئ الثورة كما يزعمون، حيث أن المواجهة ومقاومة الإذعان للقوى الكبرى الغربية وفرض احترام إيران كقوة إقليمية تبدو راسخة على امتداد الأربعين عاما الأخيرة، وتبدو كأنها شعار شرعية استمرار النظام القائم أصلا على الأيدولوجية العقائدية وطاعة المرجعية الدينية. (مركز الشرق الأوسط للاستشارات السياسية والاستراتيجية، يونيو 2019)

فيما يستمر الدور الكبير الذي تلعبه قوات الحرس الثوري في الحياة السياسية والاقتصادية في إيران، بالرغم من كل المحاولات التي قام بها معسكر الرئيس روحاني للحد من هذا الدور، فعندما اقتربت الانتخابات الرئاسية في 2017، وقفت قيادة الحرس الثوري ضد الحملة الانتخابية للرئيس حسن روحاني بشكل واضح، فقد تم القبض على (12) مديراً لقنوات فضائية بالإضافة لبعض الصحفيين الذين أظهروا دعمهم لمعسكر روحاني. (وكالة ريجنوم، مايو 2017)

مما جعل روحاني يقوم بتحذير الحرس الثوري الإيراني من التدخل في انتخابات الرئاسة. وذلك بقوله: «لدينا طلب واحد فقط: أن تبقى الباسيج والحرس الثوري في أماكنهما لأداء عملهما". (رويترز، مايو 2017)

لكن هذه الضغوط التي مارستها قوات الحرس، لم تصل إلى حد إسقاط روحاني وتزوير الانتخابات. وإلا كان ذلك ضد رغبات المرشد الأعلى، فخامنئي من مصلحته استمرار رئيس إصلاحي يقود ملف المفاوضات مع الغرب، فيما يخص الملف النووي وغيره من الملفات الخارجية لإيران.

لكن ذلك لا يعني غياب اضطرابات داخل مؤسسات الحرس الثوري، ومنها تسريبات عن انشقاقات وهروب لمسؤولين، في يونيو الماضي.

فقد أفادت تقارير نشرتها المعارضة الإيرانية باللغة الفارسية أن محمد طوالي، نائب قائد «إدارة الشؤون الإستراتيجية والمراقبة» في «الحرس الثوري الإيراني»، اعتقل في إيران بعد أن أظهر تحقيق استمر لمدة عام أنه ساعد «الموساد» الإسرائيلي في تهريب الأرشيف النووي إلى خارج إيران وتسريبه إلى إسرائيل.

وقبل ذلك بعدة أسابيع، ذكرت شخصيات إيرانية معارِضة أن الجنرال علي ناصري، الذي كان حتى ذلك الحين رئيس جهاز «أنصار المهدي» التابع لـ«الحرس الثوري»، فر من إيران بمعلومات حساسة للغاية حول «الحرس الثوري الإيراني» حتى يتمكن من تقديمها إلى «دولة أجنبية» مقابل حصوله على اللجوء السياسي. لكن الإعلام الإيراني أنكر هذه المعلومات بعد أيام قليلة من نشر التقرير، ونشر صورة لناصري وهو يحضر حفل تعيين حسين سلامي قائداً له.

فيما تواصلت مزاعم المنفيون الإيرانيون، فقالوا إن الجنرال مصطفى ربيع، رئيس منظمة «حماية الاستخبارات»، فر من إيران منذ وقت ليس ببعيد. لكن في 8 مايو 2019، أعلنت مواقع إخبارية إيرانية رسمية أن ربيع انتقل إلى وظيفة مختلفة، وحل محله رضا سليماني. (ساسة بوست، يونيو 2019)

لا يخفي زعماء التيار الإصلاحي والمتشددون انزعاجهم من طريقة تعاطي قيادات الحرس الثوري مع الملفات الخارجية، قائلين إن ذلك يعرض بلادهم لمزيد من العزلة عن العالم ولأزمات اقتصادية. وخلال أكتوبر 2019، فشل المجلس الأعلى للأمن القومي في إيران بعقد جلستين استثنائيتين نتيجة خلافات حادة بين حكومة روحاني الذي، والحرس الثوري. ويقال إن ممثلين عن الحكومة انتقدوا في المجلس فيلق القدس التابع للحرس الثوري، بإثارة موجة استياء في العراق تجاه إيران نظرا لدعمها لبعض الميليشيات العراقية.

وبحسب تقارير إعلامية، انتقدت بعض الجهات الإيرانية التهديدات الأخيرة التي أطلقها السفير الإيراني إلى العراق، إيرج مسجدي، حول قصف القوات الأمريكية.

ويعتبر مراقبون أن أصوات الزعامات الإيرانية المعتدلة تتعالى للمطالبة بالكف عن السياسات التي حسب تأكيدهم "أعادت إيران للوراء ولم تنتج لها غير المزيد من الأعداء". ويشيرون إلى استياء عام في المنطقة تجاه أنشطة الحرس الثوري. (ديارنا، أكتوبر 2019)

وغير بعيد عن المؤسسات الأمنية، تظهر خلافات في المرجعية الدينية، في محاولة للحصول على أكبر مكاسب لصالح جهة ضد أخرى. أو ما بات يعرف بالمعركة الدينية أو معركة "المرجعية".

حيث تصدى لها رئيس السلطة القضائية الأسبق محمد يزدي الذي يعتبر من الشخصيات الأكثر تشدداً في تركيبة السلطة والنظام، وهي لم تكن الأولى، بل سبقتها معارك أشعلها يزدي ضد الرئيس الأسبق الراحل هاشمي رفسنجاني بعد الأحداث التي شهدتها إيران عام 2009، وإعادة انتخاب محمود أحمدي نجاد لرئاسة الجمهورية على حساب مير حسين موسوي، التي كشفت حينها (الهجوم على رفسنجاني) وجود نية لدى السلطة الحاكمة بتحجيم دور ونفوذ رفسنجاني تمهيداً لإخراجه من دائرة القرار، وقد فاقم من هذا التوجّه نتائج انتخابات مجلس خبراء القيادة الأخيرة التي انتهت بتسجيل فوزٍ ساحقٍ لقائمة المرشحين التي ترأسها رفسنجاني في طهران على حساب قائمة النظام، وأدت إلى سقوط مدوٍ لاثنين من أقطاب التيار الديني المتشدد هما محمد يزدي ومحمد تقي مصباح اليزدي، وهي خسارة اعتبرها مرشد النظام "قاسيةً"، في حين فاز آية الله أحمد جنتي بطريقة جدليَّة وإشكاليَّة بعد أن كان من الخاسرين.

وأخذ "محمد يزدي" على عاتقه أن يكون رأس الحربة عن النظام في معركته مع رجال الدين المعتدلين أو الإصلاحيين أو غير الخاضعين لرؤية النظام في "تسييس المؤسسة الدينية والمرجعية"، انطلاقاً من موقعه على رأس مؤسسة جمعية مدرسي الحوزة الدينية في قم.

من هذا المنطلق شن هجوماً قاسياً على أحد مراجع الحوزة الدينية هو "آية الله شبيري زنجاني" المحسوب على المراجع الإصلاحيين على خلفية لقاء جمعه مع الرئيس السابق محمد خاتمي وبعض رجال الدين الإصلاحيين، وطالبه يزدي بضرورة "رعاية الشؤون الدينية"، ما يعني أن اللقاء مع هذه المجموعة حتى وإن كانوا رجال دين، فإنها تتعارض مع المعايير الدينية والشرعية التي تحددها المؤسسة الدينية الرسميَّة بحيث تكون منسجمةً مع مواقفها السياسية.

وقد برزت هذه المواقف بشكل واضح عندما طالب يزدي بنزع صفة "المرجعية" عن أحد أبرز رجال الدين الإصلاحيين في قم، وهو آية الله يوسف الصانعي بسبب مواقفه المؤيدة مطالب المعترضين على نتائج الانتخابات الرئاسية، ومواقف مير حسين موسوي.

كما أن هجوم يزدي على البروجردي [1] ينطلق من أن المؤسسة التي يرأسها لتنظيم عمل مدرسي الحوزة الدينية بذلت جهوداً كبيرة في محاولة "تطويع" المرجعية، وجعلها خاضعة للسلطة السياسية من خلال ربطها مالياً بالنظام والميزانية التي يقدمها لها مقابل عدم الاعتراض على سياساته ومساعيه لتحويل موقف الحوزة يصب في إطار تأييد ودعم المواقف التي يتخذها النظام في السياسات الداخليَّة: الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة والسياسيَّة، وحتى في المواقف الخارجيَّة.

واعتراض يزدي على مرجعية "البروجردي" يأتي من كون المؤسسة المشرفة على الحوزة الدينية استطاعت حصر المتصدين للشأن المرجعي بخمسة مراجع، من بينهم مرشد النظام، وأن أي شخصية دينية تتصدى لهذا الشأن فهي معرضةٌ لحملات من النقد والتسقيط على خلفيات سياسية كونها غير خاضعة لسلطة هذه المؤسسة. (Independent عربية، أغسطس 2019)

خلافات من نمط ثالث، تقع داخل الحرس الثوري، أو بين القوى المتنفذة والمتغولة داخله، على اكتساب المصالح من جهة، وتسيير شؤون الدولة وفق هذه المصالح من جهة أخرى.

وفي ظل ذلك، قام خامنئي، في إبريل الماضي، بإصدار قرار يقضي بتعيين البريجادير جنرال حسين سلامي قائدا جديدا للحرس الثوري، خلفا للواء محمد علي جعفري، الذي ترأس القوة العسكرية منذ عام 2007. فيما يقول الخبير في الشأن الإيراني والمحلل في مجلة فورين أفيرز، سنام وكيل: "بالتوازي مع تنامي قوته الاقتصادية تنامت أيضا رغبة الحرس الثوري في تأكيد حضوره السياسي".

من هنا، يمكن قراءة قرار تغيير قائد الحرس الثوري، حيث يقول الخبراء إن هذا التغيير كان ضروريا لعدة أسباب منها ما يتعلق بخلافات وحساسيات بدأت تظهر داخل الحرس الثوري ومنها ما يتعلق بالسياسة الخارجية والعقوبات الأميركية والتهديدات الإيرانية بالعبث بمضيق هرمز مع اقتراب الموعد الذي ستطبق فيه واشنطن حزمة عقوبات إضافية ضد إيران لتصفير صادراتها النفطية.

وتحدث عن الخلافات الداخلية محمد محسن أبو النور رئيس المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية، مشيرا إلى أن قائد الحرس الثوري السابق محمد علي جعفري أبدى في الفترة الأخيرة امتعاضه من فصل المرشد الأعلى بين قيادة الحرس وقيادة فيلق القدس وقيادة دائرة استخبارات الحرس الثوري. وأن المهندس جعفري كان يرى نفسه رجلا بلا صلاحيات، مضيفاً: "ليس من المنطقي أن يرى محمد علي جعفري أحد مرؤوسيه (قاسم سليماني) يحصل على وسام ذو الفقار، وهو أعلى وسام عسكري في إيران، بينما هو يجلس في المقاعد الخلفية للنظام". (العرب، إبريل 2019)

كما قام خامنئي، في مايو الماضي، بتعيين، حسين طالب، قائدا لجهاز الاستخبارات والأمن في الحرس الثوري، كما عيّن، حسن محقق، نائبا له. وفي سياق التغييرات أيضا، جرى تعيين حسين نجات مساعدا للقائد العام للحرس للشؤون الثقافية، خلفا لمحمد رضا نقدي، الذي تولى منصب المنسق العام للحرس. لكن التغيير الذي يبدو أنه الأكثر أهمية هو تعيين، علي فدوي، نائبا لقائد الحرس الثوري.

وقال متخصصون في الشأن الإيراني إن اختراقات أجهزة الاستخبارات الأجنبية للكيانات السياسية والعسكرية في إيران، وخاصة الاستيلاء على أرشيف البرنامج النووي، عجل من إقالة جعفري، وسط توقعات بأن الاختراقات الاستخبارية طالت الحرس نفسه. وربما يسعى المرشد إلى ترميم الاستخبارات في الحرس الثوري، خاصة أن التغييرات شملت قائد الاستخبارات والأمن فيه. (سكاي نيوز، مايو 2019)

لكن ورغم هذه التغييرات، إلى أن الجيل الجديد من القادة، هو امتداد لذات القيم التي كان يسير عليها الجيل السابق، لناحية الولاء للنظام الملالي، ولناحية الإيمان بضرورة قمع الحراك الداخلي بشدة.


د. عبد القادر نعناع

باحث وأكاديمي سوري



[1] ينتسب (حفيده لابنته) إلى أحد كبار رجال الحوزة الدينية في قم خلال عقد الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، وهو يعتبر أستاذاً لكبار علماء الدين الحاليين بمن فيهم مؤسس النظام خميني.