التكية السياسية 8: الخطاب المضلل

  


الخطاب المضلل:

واحد من الخطابات التي علينا الحذر منها، هو الخطاب المضلل، سواء كان الحذر من كتابة هكذا خطاب، أو الحذر من استخدامه كمرجع فكري للبناء عليه. ونقصد به أحد شكلين:

الأول: يتمثل في استخدام جزئية صغيرة (متغير واحد)، لبناء صورة عامة أو نظرية كبرى.

الثاني: يتمثل في استخدام معلومات صحيحة، وإخفاء أخرى، لذات الأهداف.

غالباً، إن من يستخدم هذا الخطاب، إما أن يكون غير متمكن علمياً وغالباً ما يكون منساقاً عاطفياً، أو كُتّاباً يحاولون تبرير سلوك جهة ما، أو أصحاب أيديولوجيات يحاولون التلاعب بعقول الجمهور.

لنأخذ بعض الأمثلة هنا:

مثال (1): منذ أيام تعرض مواطن أمريكي إفريقي إلى اعتداء من أحد رجال الشرطة، أدى إلى وفاته، وهي حالة تتكرر دوماً. لذا يمكن أن نقول إن هناك سلوكاً عنصرياً حسب لون البشر يظهر بين بعض أفراد الشرطة في الولايات المتحدة، هذه فرضية صحيحة، ويمكن أن نبني عليها.

لكن أن ندعي أن جهاز الشرطة الأمريكي هو جهاز عنصري حسب لون البشرة، بناء على هذه الحادثة، فهذا تضليل كبير للغاية، فالجهاز يضم عشرات الآلاف من الأمريكيين الأفارقة.

البعض في العالم العربي، ذهب لاستخدام الحادثة، لإظهار أن الولايات المتحدة دولة لا تحترم حقوق الإنسان، وهو بالتالي يبرر ما تقوم به السلطات العربية. وهذه الفرضية غير صحيحة أبداً، حيث يستطيع الضحايا في الولايات المتحدة رفع دعاوى قانونية على الأفراد والمؤسسات والسلطة نفسها، دون تخويف أو قمع، في حين أنه لا يجرؤ كثير من المواطنين العرب على المطالبة بأدنى حقوقهم في العالم العربي.

تيار ثالث، استخدم الحدث للدفاع عن عظمة الإسلام والدول الإسلامية، رغم أن الحدث لا علاقة له بالبعد الديني، بل ونلاحظ أن كثيراً من الدول الإسلامية لا يتملك فيها الضحايا الحق في الشكوى أو الاعتراض أو التذمر من تسلط الحكومات عليهم وانتهاك حقوقهم.

مثال (2): ما تروجه بعض الحكومات العربية لذاتها، من خلال أرقام صحيحة ولكنها غير مكتملة الصورة، فحين تقول دولة ما إن مستوى الأسعار فيها ينخفض عن دول جوارها بثلاثة مرات، فإنها بذلك تستخدم أرقاماً صحيحة لحشد تأييد المواطنين، لكنها تخفي عنهم معلومات بالغة الأهمية، أن مستوى دخل الفرد في دول الجوار يفوق مستوى دخلهم بعشر مرات، وبالتالي تصبح المعادلة في غير صالح السلطة.