العلوية السياسية



بِغضّ النظر عن دقّة المصطلح وضبطه، فقد أعاد حافظ الأسد، إنتاج المجتمع السوري، من خلال تعزيز خطوط الفصل الهُوِيّتِيّة والسياسيّة، وبناءِ حواضن اجتماعيةٍ لمشروعه، على عدّة مستويات. ففيما كان البعث الحاضن الأكبر حجماً للنظام، فإنّ الأسد اعتمد على الرافعتين الأمنية والعسكرية اللتين أعاد إنتاجهما، والرافعة الاقتصادية "ذات الطابع السني"، وحاضنٍ مشيخيٍ سنيٍ، وروافع وحواضن عديدة خلقها، لتتناسب مع شكل الحكم الديكتاتوري الفردي.

وحيث أنّه حُكْمٌ فردي، فلا مكان للطائفة "العلوية"، بصفتها طائفة، إلّا بقدر ما تخدم استمرارية النظام والفرد، فالطائفة لم تكن شريكاً لحافظ الأسد في الحكم، بقدر ما كانت أحد روافعه وحواضنه.
ربّما تمّ تحويلها لتكون الحاضن الأكثر موثوقيّة، بعد عمليات تحديثٍ مشوّهة للطائفة، لم تؤدِّ سوى إلى انخراطها في آلة النظام، وربط مصيرها بمصيره. وخصوصاً أنّه دفعها لتكون في مواجهةٍ علنيةٍ مع السنّة منذ أحداث الثمانينيات، ما جعلها متورّطةً إلى درجة عدم القدرة على الانسحاب، وبات كثيرٌ من أبناء الطائفة مقتنعاً أنّ الانفكاك عن النظام يعني مواجهة الأكثريّة السنيّة دون حماية، ما أثار القلق من طروحات القصاص والإبادة الجماعية، فاندفعوا نحو مزيد من التورط بعد عام 2011.
هذا لا يعني مطلقاً، أنّ الطائفة لا تتحمّل مسؤوليةً تاريخيةً وإنسانيةً عمّا يجري في سورية منذ عام 1970، ولن تجدي دعوات التسامح، دون وجود مراجعاتٍ حقيقيةٍ داخل الطائفة، تدفع نحو الانفكاك عن النظام أولاً، وخلق صيغةٍ تصالحيةٍ نابعةٍ من داخل قيادات الطائفة، ضمن عملية العدالة الانتقالية، قادرةٍ على تجاوز الاستعصاء الإنساني والسياسي الحاصل في سورية.

مداخلة صحفية، لصالح صحيفة نينار برس
د. عبد القادر نعناع
باحث وأكاديمي سياسي سوري