مصير الأسد، ومراحلنا الانتقالية المرتقبة



بات من المتداول أنّنا قد نكون على أعتاب مرحلةٍ انتقاليةٍ خلال الأشهر القادمة، مع التحفّظ على موعد بدئها، فهو رهنٌ بنتيجة المفاوضات التي تجري بين القوى الدولية في سورية، على تسويةٍ ربّما تكون شرق أوسطية، وربّما تكون تسويةً في الملف السوري بشكلٍ منفرد، وهي التسوية الأكثر ترجيحاً. وهنا الحديث عن الولايات المتحدة وروسيا وإسرائيل، وتركيا وإيران، مع فعاليةٍ محدودةٍ للقوى الأخرى العربية والأوروبية.
هنا يجب أن ندرك أن التغيير الذي سيقع، سيكون في رأس هرم النظام (الأسد وعائلته ومقربوه)، وسيحتاج إلى أشهر، وليس كما يدعي كوهين خلال أسابيع، وذلك حتى تنضج التسويات الدولية، على شكل النظام القادم (هجين)، وعلى توزيع حصص المصالح، وعلى الوجود العسكري "الاحتلالي".
صحيح أن بشار محاط بمحاكم دولية تنتظر جرجرته، لكني أعتقد أنه لن يصل إليها، وفق ما يلي:
-        سيبقى أثر تلك المحاكم محدوداً، طالما كان الأسد على رأس السطلة (نموذج البشير)، وبمجرد إزاحته سيتداعى الجميع للقصاص منه.
-        لحظة إزاحته دولياً، غالباً لن تقبل أية دولة أوروبية شرقية استضافته خشية التبعات القانونية الدولية.
-        فميا كانت دول الخليج خياراً لهكذا حالات، لكن الضبط الغربي، والأمريكي تحديداً، سيمنعهم من ذلك، عدا عن عدم رغبتهم هم باستضافة بشار.
-        روسيا وإيران، غير مستعدة لاستضافة الأسد، وخصوصاً أنه لم يعد ذا قيمة مطلقاً بالنسبة لهما.
لذا، قد تتفق أطراف عدة، وعلى رأسها روسيا، على أنه من الأفضل التخلص منه، إما في دمشق، أو في أية عاصمة أخرى، للتخلص سريعاً من هذا الملف. وعلى أساسه قد نستيقظ ذات صباح، على تسريب صورة لجثة بشار الأسد في دمشق.
ويمكن تقسيم المرحلة القادمة المرتقبة، إلى التقسيمات التالية:
أولاً: مرحلة ما قبل إزاحة الأسد، وهذه ستأخذ أشهراً، قد تطول وقد تقصر حسب ما يستجد من معطيات، وأعتبرها مرحلة تحضير سوري عام، يكثر فيها اشتغالنا الفردي والجماعي، عبر نقاشات متفرعة وتكتلات فكرية (ليست حزبية أو إثنية). وهنا سنلاحظ أن بعض الأطراف الحزبية (وليس جميعها) ستحاول تصحيح مسارها أو خلق مسار جديد لها، بهدف بناء حاضن يخدم مشروعها، لا مشروع الدولة السورية ككل.
وبما أن كثيراً منا عضو في مجموعة عمل أو غرف محادثات فكرية، أقترح أن نعمل على فتح هذه الغرف على بعضها سواء بشكل مباشر أو عبر حوارات فردية عابرة للمجموعات الفكرية.
ثانياً: مرحلة إزاحة الأسد، وهنا سيكون الانتقال إلى شكل مؤقت جديد، بيد القوى المتدخلة في سورية، وليس بيدنا نحن السوريون كثير أدوات للتأثير فيها، ولكن سيكون الاشتغال من خلالها وبعدها مباشرة.
ثالثاً: المرحلة الانتقالية، وهي مزيج من كل شيء، لن تكون ديموقراطية ولن تكون سلطوية، ولن تكون ثورية ولا تابعة للنظام، ولن تكون حرة بالمطلق ولن تكون تابعة بالمطلق. هي مرحلة يفترض بنا جميعاً، الاشتغال على منع ظهور سلطوية جديدة، بشكل قانوني ومدني وسياسي وفكري.
ويرى البعض أن هذه المرحلة قد تمتد إلى سنتين أو ثلاثة، ربما من ناحية الشكل هذه الفترة صحيحة، ولكنها فعلياً قد تمتد إلى عشر سنوات أو أكثر من ناحية التأسيس لما بعدها. وهنا سيكون خطر الارتداد إلى الاستبداد وارداً، ولكن سيضعف كل يوم عن اليوم الذي قبله. وفي هذه المرحلة كثير من المخاطر الأمنية والسياسية والاقتصادية وعلى مستوى الهوية.
رابعاً: مرحلة الترسيخ الديموقراطي، وتبدأ بعد تجاوز سلة كبيرة جداً من الإشكاليات، تتعلق بسيادة الدولة وهويتها واقتصادها وشكل السلطة وعلاقاتها المحلية والخارجية ودور الفرد والمؤسسات والجماعات الإثنية ...
وختماً، علينا أن نتذكر دائماً، أن إزاحة الأسد، في أي وقت كان، لا يعني أبداً أننا أصبحنا دولة ديموقراطية، بل بالأساس نحن لدينا مشكلة في الدولة نفسها التي بالكاد موجودة، وعلينا استعادتها أولاً، ثم مواجهة الأزمات الكبرى التي تنخر بنيان الدولة السورية، والتأسيس لمرحلة ديموقراطية ستأتي لاحقاً.
صعوبة المرحلة الحالية والقادمة، في أننا مطالبون بالاشتغال على هذه الخطوات كلها معاً، بمعنى بالتعاون فيما بيننا جميعا من جهة، والاشتغال على كل الملفات، ومناهضة كل الأعداء والتصدي لكل المخاطر.

بالمشاركة مع وكالة ثقة
د. عبد القادر نعناع
باحث وأكاديمي سوري