تعظيم الإفادة من قانون قيصر: مقترحاتٌ وآليّات



يدخل قانون قيصر حيز التنفيذ، ليُشكِّل لدينا مُتغيراً جديداً في المشهد السوري، سيقود إلى نتائج متدرجةٍ ومتتالية، حسب اشتغال الفاعلين الخارجيين، وحسب اشتغال قوى المعارضة السورية. أي أنّ القانون يُقدّم فرصةً مهمّةً يمكن البناء عليها لإحداث تغييرٍ سياسيٍ مهمٍّ وحقيقيٍ في المشهد السوري.
لكن بداية، علينا أن ندرك مستوى هذا القانون، وما حجم الاستفادة الممكنة منه، وآليات تطويره. فالقانون، هو أحد أشكال العقوبات الدولية الأحادية (المفروضة من طرفٍ واحد)، لكنّ هذه الأحادية تبقى أمريكية، ذات فعاليةٍ عليا، تؤثّر حتماً في سلوك كافة الفاعلين المتّصلين بنظام الأسد. ويمكن لنا أن نضع القانون في المرتبة الرابعة دولياً على سلم العقوبات الدولية الأكثر تأثيراً، وفق الشكل التالي:
-        العقوبات المفروضة من مجلس الأمن، تحت الفصل السابع (المادة 42)، والتي تُجيز استخدام القوّة المسلّحة لإجبار طرفٍ على الامتثال لقرارات الأمم المتحدة، كما في حالة العراق عام 1990.
-        العقوبات المفروضة من مجلس الأمن، تحت الفصل السابع (المادة 41)، والتي لا تُجيز استخدام القوة. ويمكن إضافة عقوبات الجمعية العامّة للأمم المتحدة في نفس الفئة، كما في العقوبات التي كانت مفروضة على إيران قبل توقيع الاتفاق النووي.
-        العقوبات التي يتم إقراراها جماعياً خارج منظمة الأمم المتحدة، وخصوصاً تلك التي تكون الولايات المتحدة طرفاً فيها، كما في العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة وأوروبا على إيران.
-        العقوبات التي تُقرّها الولايات المتحدة مُنفرِدة، كما في الحالة السورية الحالية (قانون قيصر).
وتأسيساً على ذلك، فإنّ قوى المعارضة السورية، على تنوّع أطيافها، مدعوّةٌ لأن تشتغل بشكلٍ منفرد، ومن خلال التنسيق مع حلفائها، بهدف الارتقاء بالقانون الأمريكي إلى مرتبة أعلى، وإقناع العواصم الأوروبية الأكثر تأثيراً بتبني القانون أو نسخةٍ معدّلةٍ منه تتّسق مع الطروحات الأوروبية التي تؤسّس -فرضياً على الأقل- لمطالب حقوق الإنسان والدمقرطة ومحاكمة مجرمي الحرب في سورية.
ورغم أنّها خطوة شاقّة، لكنّها بالغة الأهمية في الاستفادة من هذا القانون، على ألّا يتمّ الاكتفاء بذلك، بل من الضروري تشكيل تكتّلٍ داخل الجمعية العامّة لإقرار قانون عقوباتٍ أُمَمِي، وبدعمٍ أمريكي، في حين يبقى من الصعب (أو حتى شبه المستحيل) الانتقال بالقانون إلى مجلس الأمن وفق المعطيات الحالية.
ما يترتّب على قوى المعارضة ثانياً، وبالتشارك مع منظمات المجتمع المدني السوري المعنية بالأمر، هو تأسيس قاعدة بياناتٍ واسعة، لرصد كافّة الخروقات التي قد تقع للقانون، والتنسيق مع لجنة قانون قيصر لوضع المستجدّاتٍ أمام الإدارة الأمريكية التي لها مصادرها المختلفة هي الأخرى.
وبالتزامن مع ذلك، يقع علينا، كطرفٍ مدنيٍ وسياسيٍ معارض، الاشتغال على تقديم رؤيةٍ واضحةٍ لحلٍّ سياسي، قادرٍ على إقناع القوى الفاعلة في المشهد السوري، بِتبَنِّيه وتطبيقه؛ حمايةً لمصالحها من أيّ ضررٍ ناتجٍ عن القانون وتحديثاته، مع ضرورة صياغة خطابٍ توافقيٍ يجمع كافة الهويات السورية الفرعية، لتأسيس دفعٍ سوريٍّ داخلي-خارجي نحو دعم مشروع التغيير السياسي.
هنا لابد من التوضيح، أنّ مستوى تأثير القانون في النظام، لن يكون بالغ السرعة، وفق ما تروّجه بعض التصوّرات، لكن من المؤكّد أنّ النظام سيتّجه إلى إحداث ضغطٍ عالي الحدّة على المواطنين السوريين في مناطق نفوذه، بهدف إقناعهم أن سبب اشتداد الحالة هو القانون بحد ذاته؛ بحثاً عن ترميم شرعيته المُتدَاعية. رغم أنّ مفاتيح الحل تبقى بيد النظام، وإن كان أيّ تحرّكٍ منه باتّجاه الحل، سيعني حتماً إسقاط الشكل الحالي من النظام، والتخلّص من الأسد ودائرته المقرّبة.
في الحالات المشابهة، والتي كان العراق أكثرها سوءاً، أدّت العقوبات إلى تدمير الاقتصاد العراقي، وجعلته هشّاً للغاية أمام التدخل العسكري (الاحتلال الأمريكي)، لكنّ الحالة السورية كانت قد وصلت إلى ذات الهشاشة ما قبل القانون، وهي بالأساس تشهد احتلالاتٍ عدّة، وهنا نفترض أنّ واحداً من السيناريوهات المتوقّعة، هو وقوع تأثيرٍ واضحٍ خلال الأشهر القليلة القادمة، يدفع نحو مسار تغير.
في حالةٍ مشابهةٍ أخرى، نرى أنّ النظام الإيراني، استطاع أن يصمد لسنواتٍ بل حتّى عقود، على حساب المواطن الإيراني، لكن مع ملاحظة غياب أيّ نيّةٍ دوليةٍ حقيقيةٍ للتدخّل العسكري ضدّ إيران، وهنا تختلف الحالة الإيرانيّة عن الحالة السوريّة، في وجود القوّات العسكرية الأجنبية مسبقاً، وفي انهيار الاقتصاد المُسبَق.
أمّا الحالة الثالثة المشابهة بوضوح، فهي حالة الرئيس السوداني السابق عمر البشير، والذي بَقِيَ معزولاً لسنوات، قبل أن يُطيح به الحراك الشعبي، في حين لم تُقدِّم أيّة دولةٍ مساعداتٍ تُذكَر لحماية البشير ودعم استمراره. وبالاستفادة من هذه الحالة، علينا كقوى معارضة ومجتمع مدني سوري، أن نشتغل باتجاهين: الأول، تعزيز حراكٍ شعبيٍ احتجاجيٍ جديدٍ في المدن السورية، بناء على المعطيات المعيشيّة الجديدة بالغة السوء، ولنا في مثال الاحتجاج الذي وقع في السويداء مثالٌ واضحٌ عن كيفية الاشتغال الممكن. أمّا الاتجاه الثاني، فهو الاشتغال من داخل جيش النظام ما أمكن (ليكون شريكاً في المرحلة الانتقالية)، على أمل حصول تمرّدٍ عسكريٍ يُساعد في التخلص من الأسد.
بالعودة إلى القانون، فإنّه يُقدّم لنا نقطتين بالغتي الأهمية، تتمثّل الأولى في محاصرة ما تبقّى من شرعيةٍ للنظام على المستوى الدولي، وتقويض تلك الشرعية، من خلال انفضاض حلفائه عنه، أو قلقهم من التأثر عقابياً من القانون، وتفضيلهم التخلّص منه؛ لحماية مصالحهم في سورية.
في حين أنّ الثانية، تتمثّل في تحوّل القانون إلى أداة عودةٍ أمريكيةٍ فعّالةٍ إلى المشهد السوري، لضبط الاستفراد الروسي بكثير من الملفّات السورية من جهة، ومحاصرة الميليشيات/القوات الإيرانية العاملة على امتداد الجغرافيا السورية، والدفع بها إلى ثكناتٍ تتعرّض لقصفٍ إسرائيليٍ يُشكِّل رديفاً آخر لملاحقة هذه الميليشيات/القوات، عدا عن أن القانون رديف لملاحقة حزب الله في لبنان والميليشيات الإيرانية في العراق، ورديف للعقوبات الأمريكية على إيران.
ومن الملاحظ أنّ النظام يسير على نهج كافة الأنظمة التي وقعت تحت عقوبات دولية، حيث لم يخرج عن منهج الاشتغال الإعلامي على تعبئة الرأي العام المحلي، ضدّ القانون، باعتباره المُسبِّب المباشر لانهيار سعر صرف الليرة السورية، وتدني مستوى المعيشة إلى مستويات فقر بالغة الخطورة (83% من السكان)، مع مستويات دمار في البنى التحتية والاقتصاد السوري، تحتاج إلى سنواتٍ أو عقودٍ إلى إصلاحها. رغم أنّ القانون ذاته يحمل في طيّاته آليات تعطيله، من خلال توقف آلة الحرب، وإطلاق سراح المعتقلين، والبدء في مرحلة سياسية انتقالية، مع السماح بالعودة الطوعية لكافة المجرين قسراً، تأسيساً على بيان جنيف وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.
في حال لم يلتزم النظام، وهو السيناريو المؤكد، فإنّه من المفترض أن نشهد تصعيداً أميركياً عقب الانتخابات الرئاسية القادمة (بل علينا الاشتغال على قيام هذا التصعيد أيضاً). ليبقى القانون أداةً جديدةً بيدنا نحن السوريون، نأمل أن نُجيد استخدامها في إحداث التغيير السياسي المنشود.

د. عبد القادر نعناع
باحث وأكاديمي سوري
نينار برس