مصالح الأطراف الدولية الفاعلة في منطقة شمال شرقي سورية

 


تُعتبر منطقة شرق سورية، واحدة من أكثر المناطق إشكالية في المشهد السوري، حيث تتنوّع مصالح الفاعلين المُتدخِّلين في سورية.

فعلى المستوى التركي، تظلّ تركيا الأكثر قلقاً تجاه تلك المنطقة، حيث تخشى نجاح النزعة الانفصالية الكردية مدعومة من قوى خارجية (الولايات المتحدة وبعض دول الخليج)، وخصوصاً أنّ القوى الكردية فيها هي امتداد لحزب العمل الكردستاني من جهة، ومجاورة لامتداد كردي في تركيا ذي نزعة انفصالية خامدة حالياً. لذا تُعتبر المنطقة منطقة أولية أمنية عليا، وتسعى تركيا إلى أن تكون حاضرة في رسم مستقبلها، عبر تفاهمات وتبادل مصالح مع القوى الأخرى، حرصاً على منع وقوع سيناريو انفصالي.

في المقابل، يمكن القول إنّ هناك تيارين رئيسين في كردستان العراق، أحدهما يمثل الصقور، وهم يشتغلون على توفير دعم لانفصالي شرق سورية أو تشكيل كيان حكم ذاتي على الأقل (تجربة أكراد العراق)، لكن يوازنه تيار أكثر اعتدالاً يخشى من نتائج سلبية لتمدّد حزب العمال الكردستاني، ويسعى لبناء تسويات تحفظ للأقلية الكردية حقوقها دون الدفع نحو الانفصال.

أمّا بالنسبة لروسيا (وبالتالي نظام الأسد، وحتى إيران)، فإنّ تطلعاتها قائمة على عدّة ركائز، أولها محاولة فرض سلطة النظام (الاسمية على الأقل) على أكبر مساحة جغرافية ممكنة من سورية، لما في ذلك من تثقيل للدور الروسي، وتقديم نموذج من العمل الروسي يمكن عرضه على الأنظمة التي تخشى الاضطرابات داخل بلدانها. كما أنّ روسيا تأمل في أن يمتدّ نفوذها سواء بشكل مباشر أو عبر النظام إلى تلك المنطقة، بغية تضييق مساحة الوجود الأمريكي (وربّما تتطلّع إلى إخراج الأمريكي نهائياً من سورية). عدا عن أنّها تحاول أن تستخدم المخاوف التركية من تلك المنطقة لإحداث مصالح متبادلة في مناطق شمال غرب سورية مع تركيا. يضاف إلى ذلك، تطلّع روسي إلى توسيع استثماراتها في تلك المنطقة (استثمارات نفطية) إن هي استطاعت إزاحة الأمريكيين عنها، مجمل هذه الركائز تصب في تعزيز مكانة روسيا الدولية، وهي أحد أهم أهداف بوتين.

أما الولايات المتحدة، فحتى الآن ما تزال سياستها تجاه سورية، هي سياسات ترامبية، بمعنى عدم التورط عسكرياً أبداً، والحفاظ على وجود محدود للغاية، لكنه ذو ثقل استراتيجي، على مفترق الطرق في قلب المنطقة، بما يقطع على داعش وإيران وتركيا وروسيا الامتداد في تلك المناطق، وبما يشكل امتداداً للوجود الأمريكي في وسط وغرب العراق، عدا عن المنافع النفطية، ومنع القوى الأخرى من إحداث تسويات عبر تلك المنطقة لا تتوافق مع المصالح الأمريكية. وبالتالي الحفاظ على الوضع الراهن إلى حين تبلور مشروع أمريكي جديد تجاه المنطقة.

هذه المنطقة أيضاً، هي منطقة نفوذ سعودي إماراتي ناعم (عبر العلاقات السياسية والمالية مع قسد)، حيث تأملان تعزيز النزعة الانفصالية لدى قسد، لتشكيل تهديد أمني لتركيا، يُقلّص من حضورها في المنطقة العربية، ويدفعها للانشغال أمنياً، ورغم أنهما لم تُحرِزا كثير إنجاز فيها، لكنهما ما تزالان تشتغلان على ذلك، وتمولان جزءاً من تكاليف الوجود الأمريكي شرق سورية.

بالمحصلة، يبقى مستقبل المنطقة الشرقية من سورية مرهوناً بمستقبل سورية عموماً، أي بالتسويات المتعثرة بين القوى الرئيسة المتحكمة في المشهد السوري، وغالباً فإن أية تسويات سيتم التوصل إليها، ستحفظ لثلاثة قوى حدوداً دنيا من المصالح في سورية، والمقصود الولايات المتحدة وروسيا وتركيا، عدا عن تأثير محدود للقوى الخليجية الثلاثة في تلك التسويات: السعودية والإمارات وقطر.


د. عبد القادر نعناع 

عنب بلدي