أين أخفقنا؟

 



كان أحد أسئلة الرئيسة في الفكر العربي، ولعقود طويلة: "لماذا أخفق العرب وتقدم الآخرون؟".

طبعاً لا يمكننا الحصول على إجابة واحدة محددة، فلكل تيار فكري إجابته الخاصة به، وهنا تكمن المفارقة الأولى، وهي الأدلجة التي حكمت تفكيرنا.

إذاً، يمكن الاستعاضة مؤقتاً، عن السؤال الذي اعتُبِر مركزياً لعقود، بسؤال "أين أخفقنا؟". وهو –من وجهة نظري- يُحمّل المسؤولية للذات بشكل أكبر من سابقه، ويجعلنا مسؤولين عن حاضرنا ومستقبلنا، عوضاً عما نجده من الإجابات على السؤال الأول، والتي يلقى كثير منها باللوم على الآخر في فشلنا "المؤامرة"، ويرهن حاضرنا ومستقبلنا بمصالح الآخرين.

كثيرة هي المواضع التي أخفقنا فيها، سواء أكان الافتراض الأساس بأننا أمة ووطن واحد، وبرفض شكل الدولة-الأمة أو ما يعرف في العالم العربي بالدولة القطرية (لم يرفضها إلا الأيديولوجيون القوميون والإسلاميون)، وافتراض أننا –نحن العرب- متشابهون في طرائق التفكير، وهذه تحديداً ما تزال فكرة قائمة حتى اليوم، وخصوصاً لدى السوري الذي ما يزال يحمل منهج التفكير البعثي الأيديولوجي تجاه العالم العربي.

أخفقنا في مواضع أخرى، وعلى رأسها، النمذجة. ودون العودة إلى المسار التاريخي لقرن من الإخفاق، يكفينا اليوم أن نذكر أننا أمام شكلين من الإخفاق في النمذجة، وكلاهما ينطلق من بعد أيديولوجي ممزوج ببعد عصبوي منغلق، كاره للآخر.

الشكل الأول، يمثله الإسلام الأيديولوجي السياسي، الذي يصر على نمذجتنا في أطر تاريخية لم تعد صالحة للتطبيق، نتيجة اختلاف أدوات الإنتاج الحضاري من جهة، واختلاف مفهوم العلم، واختلال الظروف المحيطة، واختلاف كل العوامل الأخرى. لكن نقد هذا التيار سيثير غضب الشعبويين الإسلاميين، ويعتبرون نقداً للإسلام في ذاته، رغم أنه بالغ الوضوح في نقد الانغلاق الأيديولوجي والنمذجة العمياء.

المقلب الآخر الذي يحاصرنا، هو النمذجة العلمانية الغربية، لكن أصحابها أيضاً متطرفون ينتابهم ذات حالات العمى، حين يقتطعون ما يرونه مناسباً للتطبيق، دون إدراك العوامل الذاتية للنموذج الغربي التي قادت إلى إنتاجه سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وهم كقرنائهم الأيديولوجيين الإسلاميين، يحاولون فرض نموذج من حقبة وظروف غير قابلة للتطبيق. وهو ما بات يشكل اضطراباً كبيراً على المستوى الهويتي والثقافي حين يفرض أصحاب هذه النمذجة قضايا مثل موضوع المرأة، أو قضية الشذوذ الجنسي وسواها، دون فهم للمسارات الرديفة، الواجب توفرها، على المستويات الاقتصادية والسياسية والثقافية.

أي أننا فشلنا في بناء نموذجنا الخاص بنا، نموذج يكون معاصراً، ذاتياً، مبنياً على نجاحات كل النماذج المتاحة. وهو ما فعلته اليابان وكوريا الجنوبية وما تفعله تركيا والصين حالياً، أي أنهم ينتجون "خصوصية حضارية متسقة مع البيئة العالمة"، في حين نبقى عالقين في نماذج الآخرين.

 

د. عبد القادر نعناع