العصبويات في تفكيك الهوية السورية

 



ما حصل بعد عام 2011، على المستوى الهوية السورية، هو انهيار الهوية الوطنية، وتحولها إلى بضاعة غير مرغوب فيها على كلا الضفتين (الموالية والمعارِضَة).

فلدى جمهور النظام، تبدلت الأولويات إلى هرم تقوم على رأسه، الهوية السياسية (الموالاة)، تليها الهوية الطائفية، فالعصبوية، ثم الهويات الفرعية الأخرى.

وعلى الضفة الأخرى، تبدلت الأولويات أيضاً لدى جمهور "الثورة"، على شكل هرم تقوم على رأسه الهوية السياسية (الثورة/المعارضة)، تليها الهويات العصبوية-النفعية، ثم الهويات الفرعية الأخرى. ونلحظ انخفاض أهمية الهوية الطائفية كثيراً، حتى لا تكاد تظهر، نتيجة غياب حواضن حقيقية طائفية للمعارضة، واقتصارها تقريباً على هوية دينية واحدة، باستثناء الخلاف غير القابل للحل بين الإسلامي-العلماني في المجال الثوري/المعارض.

طبعاً، ينساق هذا المشهد الهويتي على قسد، التي يتأسس هرمها على هوية عرقية بالأساس، ثم الهويات الفرعية الأخرى.

بالعودة إلى جمهور "الثورة/المعارضة"، فإنه بعد التصنيف الأول "السياسي"، سرعان ما سيتم تصنيف الأفراد في هويات عصبوية فرعية، حتى يمكن فهم توجههم الكامل، وتحديد آلية للتعامل معهم، وتحديد إمكانية استيعابهم في المنافع ما بعد الثورية أو إقصائهم منها.

ونربط بين العصبوية والنفعية، لأنه غالباً ما كانت تلك العصبويات، ترنو إلى تحقيق منافع من هذه الهوية الطارئة، فهي ليست مجرد مشهد ثقافي-اجتماعي يندرج في إطار "التعدد الثقافي"، بل هي بعد سياسي مصلحي، يتحول أحياناً إلى شكل من أشكال التبعية للآخر، بهدف تحقيق المصلحة الفردية.

وهنا تظهر كثير من الهويات العصبوية-النفعية، لدى الثورة/المعارضة، على رأسها:

-       الجماعة الإخوانية، وهي جماعة هويتية-نفعية، منغلقة على ذاتها، وإن كانت تحاول أن تغطي على نفعيتها بأيديولوجيتها، أو بصيغة أخرى: تستخدم أيديولوجيتها لتعظيم منافعها، ولا يمكن حصرها جغرافياً.

-       الجماعة العلمانية المتطرفة، وهي جماعة هويتية-نفعية متطرفة في عدائها لهوية المجتمع، ونلحظ أنها تركزها في الأساس موزع بين عدة مدن أوروبية وتركية.

-       الجماعة الإسلاموية المتطرفة، وهي جماعة هويتية متطرفة أيضاً، تنخفض فيها مستويات النفعية لصالح الأيديولوجيا (عكس الإخوان)، وإن كان معظمها في شمال سورية، لكن يمكن ملاحظة بعض الامتداد غير المعلن خارجه.

-       الجماعة القطرية، وهي جماعة ذات بعد نفعي أكثر من سواه، تتركز غالبيتها في تركيا وشمال سورية.

-       الجماعة التركية، وهي ذات بعد نفعي يتم إلباسه بعداً تاريخياً مشوهاً، تتركز غالبيتها في تركيا وشمال سورية، وأحياناً تندمج بالجماعة السابقة، وتصبح جماعة واحدة، في حال تطابق التوجه الديني، وأحياناً تتعاديان في حال اختلاف البعد الديني (إسلامي-علماني).

-       إلى جانب جماعات عصبوية أصغر وأقل انتفاعاً، لعل أبرزها الجماعات العصبوية التنظيمية، أي صاحبة منظمات المجتمع المدني، وهي جماعات نفعية بشكل شبه كامل، وبالكاد يلحظ بعد هويتي لديها، فمن شروطها عدم الالتزام بتوجه سياسي-هويتي بعينه، حتى يمكنها تعظيم منافعها، وإن كانت أيضاً قد تحولت إلى عصبويات مترابطة.

-       إلى جانب العصبويات العسكرية، التي تحولت مؤخراً إلى بعض أشكال الارتزاق أو العصابات المسلحة، أو قوى الأمر الواقع، أو قوى الحرب بالوكالة.

جلّ تلك الجماعات، جماعات ليس بالمعنى الإثني، إلا أنها تسلك سلوكاً إثنياً، يكاد يجعل أفرادها متشابهين، ذي ثقافة مشتركة، وذي سلوك متشابه إلى حد كبير.

المشكل هنا، أن جمهور الثورة سرعان ما سيضع الأفراد في هذه العصبويات النفعية، ثم في هويات إقليمية (حلبي، إدلبي، غوطاني، ....). لذا فإن أسوء ما قد يقع للفرد لدى جمهور الثورة، أن يكون دون عصبة تحميه أو يمكن تصنيفه فيها، حينها سيكون خارج الهوية السورية كلياً.

طبعاً، كل جماعة تستخدم ذات الحجج "المسألة السورية"، لتبرير نفعيتها أو عصبويتها أو سلوكها، لكن أي منها لا يملك منفرداً أو مجتمعاً، رغبة أو قدرة على حل المسألة السورية، خارج الإطار العصبوي-النفعي.

 

د. عبد القادر نعناع