لا خيارات أمريكية جيدة بخصوص إيران: إحياء الاتفاق النووي أقلها سوءاً

 


باتت إيران أقرب من أي وقت مضى، من امتلاك القدرة على صنع سلاح نووي، فبعد انسحاب الرئيس دونالد ترامب من الاتفاق النووي لعام 2015، بدأت طهران في تخصيب اليورانيوم إلى مستويات أعلى، وقامت بتخزين المزيد منه. نتيجة لذلك، تمتلك إيران اليوم القدرة على إنتاج ما يكفي من المواد الانشطارية لصنع قنبلة نووية في أقل من شهر، وذلك مقارنة بالمدة الزمنية التي كانت ستصل إلى سنة كاملة، قبل انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي عام 2018.

وبينما يكرر كل من قادة إيران وإدارة الرئيس جو بايدن، رغبتهم بالعودة إلى اتفاق عام 2015، لكن الطرفين ما يزالا متباعدين بشأن أي الخطوات تسبق الأخرى: إيقاف التخصيب النووي أم تخفيف العقوبات، وحول المدى الذي يجب أن تتخذه هذه الخطوات وكونها بعيدة المدى. في المقابل، وبينما تستمر المحادثات دون حل، تستمر أجهزة الطرد المركزي الإيرانية بالعمل، ففي أواخر ديسمبر/كانون الأول، حذرت الحكومات الأوروبية من أن "الأسابيع، وليس الأشهر"، المتبقية قبل استعادة الاتفاق القديم لم تعد ممكنة. 

الحقيقة المرة اليوم، هي أن الولايات المتحدة بات لديها قليل من الخيارات الجيدة لاحتواء البرنامج النووي الإيراني. إذ يمكن لها أن تستمر في الوضع الراهن بلا اتفاق، وهو ما يسمح لإيران بمواصلة الاقتراب تدريجياً من صنع القنبلة رغم المعاناة تحت العقوبات. كما يمكن للولايات المتحدة متابعة مسار العودة إلى اتفاق 2015 ثم محاولة حمل إيران على الموافقة على اتفاق "أطول وأقوى"، كما اقترح فريق بايدن. كما يمكن أن تحاول عقد صفقات أخرى مختلفة، إما أكثر أو أقل صرامة من اتفاق 2015.

أو يمكن للولايات المتحدة أن تحاول تدمير البنية التحتية النووية لإيران، عبر ضربة عسكرية، ما قد يعيق تقدم طهران نحو صنع قنبلة لبضع سنوات، لكن من شبه المؤكد أن هذه الضربة ستثير انتقاماً إيراناً وربما حث الخطى نحو خط النهاية النووي.

ويبدو أن من بين هذه الخيارات، فإن خيار العودة إلى اتفاق 2015 هو الأقل سوءاً. وسيُبعِد إيران عن حافة الهاوية النووية، وسيوفّر أملاً متواضعاً لإجراء مزيد من المحادثات حول المشاكل الصعبة مثل برنامج الصواريخ الإيراني، وملف دعمها للجماعات المسلحة في جميع أنحاء الشرق الأوسط. وقد يشكل مخاطر أقل بكثير من محاولة ضرب برنامج إيران عسكرياً، ومن المرجح أن تكسب الولايات المتحدة المزيد من الوقت. لكن مكاسب إيران المعرفية لا رجوع عنها، ما يعني أن العودة إلى الاتفاق القديم لن يكون عائقاً قوياً أمام صنع القنبلة، كما كان قبل أن يمزقه ترامب، وسيكون حمل طهران على الموافقة على تعزيز الصفقة بمرور الوقت أمراً صعباً.

 

الطموحات النووية

تزعم إيران أن برنامجها النووي المستمر منذ عقود كان دائماً برنامجاً سلمياً بالكامل. لكن مجموعة واسعة من مصادر المعلومات –أكدها ووسّعها أرشيف الوثائق الإيرانية التي سرقها العملاء الإسرائيليون عام 2017– تثبت أنه على الأقل في الفترة من 1999 إلى 2003، سعت إيران إلى تصميم وتصنيع أسلحة نووية وإجراء تجربة نووية. وأنه كان هناك جهد شامل يتضمن كل عنصر لازم لإنتاج مواد نووية وتصنيعها في قنابل. قاد البرنامج السري محسن فخري زاده، العالم النووي وضابط الحرس الثوري الإسلامي، الذي اغتالته المخابرات الإسرائيلية، بحسب تقارير، في نوفمبر/تشرين الثاني 2020.

في أواخر عام 2003، بعد أن غزت الولايات المتحدة العراق، وبدأ المفتشون الدوليون في التحقيق في بعض الأنشطة الإيرانية السرية، أغلقت إيران أجزاء من برنامجها التي كان يمكن تحديدها على أنها جهود لصنع أسلحة نووية أو التي كانت لا تزال سرية. لكن إيران واصلت برنامجها المفتوح لتخصيب اليورانيوم –المناسب لصنع وقود منخفض التخصيب للمفاعلات، وكذلك المواد عالية التخصيب للقنابل–، وبناء "مفاعل أبحاث" في أراك كان مناسباً تماماً لإنتاج بلوتونيوم يُستَخدم في صنع الأسلحة.

بحلول عام 2015، كانت إيران قد أتقنت تخصيب اليورانيوم بالطرد المركزي، وركبت آلاف أجهزة الطرد المركزي من الجيل الأول، وبدأت في اختبار أجهزة طرد مركزي أكثر تقدماً يمكنها تخصيب اليورانيوم بشكل أسرع، وتخزين كميات كبيرة من اليورانيوم منخفض التخصيب.

إذ يُعد تخصيب اليورانيوم عملية تصاعدية، بمعنى أنه بمجرد رفع نسبة التخصيب من 0.7 في المائة لليورانيوم 235 كما يكون في حالة الطبيعة، إلى نسبة 4 في المائة المناسبة لصنع وقود المفاعل، تكون قد أنجزت بالفعل ثلثي العمل للوصول إلى المواد المخصبة بنسبة 90 في المائة التي تستخدم عادة للأسلحة النووية. بعبارة أخرى، كان مخزون إيران الضخم من اليورانيوم منخفض التخصيب، يعني أنها كانت تمتلك ثلثي الطريق لإنتاج اليورانيوم عالي التخصيب لقنبلتها الأولى، وهي عملية قدّر المسؤولون الأمريكيون علناً أن إيران كان من الممكن أن تكملها في غضون ثلاثة أشهر.

غيّر الاتفاق النووي لعام 2015 كل ذلك. ففي مقابل تخفيف العقوبات، ووافقت إيران على عدم تصميم أو بناء أسلحة نووية مطلقاً، وقامت بتخزين أكثر من ثلثي أجهزتها للطرد المركزي، والتخلص من 98 في المائة من اليورانيوم المخصب، وسكبت الإسمنت في قلب مفاعل أراك، كما وافقت على عدم إجراء مجموعة من الأنشطة ذات الصلة بتطوير القنبلة النووية، ووافقت على مجموعة بعيدة المدى من إجراءات التفتيش.

تم تصميم هذه الشروط لإطالة الجدول الزمني اللازم أمام لإيران لإنتاج مواد القنابل، إلى حدود ما يقرب من عام، وهو وقت كافٍ للمجتمع الدولي لاكتشاف مثل هذا الجهد واتخاذ إجراءات لوقفه.

كان الاتفاق النووي حلاً وسطاً، واحتوت قيود التخصيب الخاصة به على "بنود انقضاء" تنتهي صلاحيتها في غضون عشر إلى 15 عاماً، فيما كانت أحكام التفتيش الخاصة بها، ورغم كونها غير مسبوقة، وبعيدة كل البعد عن "أي وقت مضى وفي أي مكان سابق"، إلا أنها لم تطلب من إيران الاعتراف بكل أنشطتها النووية السابقة. علاوة على ذلك، منح رفع العقوبات وإلغاء تجميد الأصول، إيران، المزيد من الأموال، ذهب بعضها لدعم الجماعات المسلحة في جميع أنحاء الشرق الأوسط أو لتعزيز برنامجها الصاروخي، ولم يشمل الاتفاق أياً من ذلك.

رأى مؤيدو الاتفاق أنه "أرضية وليس سقفاً"، على أمل أن تؤدي فوائد التعاون والتكامل الاقتصادي المتزايد مع الغرب إلى عقد صفقات إضافية، وفي النهاية علاقة مختلفة مع إيران، ولم يحدث شيء من ذلك بالطبع. إذ قام ترامب بالانسحاب من الاتفاق عام 2018، وفرض عقوبات صارمة على إيران، واضطرت الشركات في جميع أنحاء العالم للامتثال، خشية إقصائها من السوق والنظام المالي الأمريكي. فيما تراجعت العملة الإيرانية، وارتفع معدل التضخم والبطالة وتزايد الفقر في إيران.

ومن اللافت للنظر أن إيران استمرت في الامتثال لشروط الاتفاق لمدة عام بعد انسحاب الولايات المتحدة، مع التأكيد على أن اللوم سيقع بحزم على واشنطن. بدأت بعد ذلك في تجاوز قيود الاتفاق، متجاوزة تدريجياً حدود التخصيب حتى يناير/كانون الثاني 2020، حين أعلنت أخيراً أن برنامج التخصيب الخاص بها لن يكون مقيداً بالاتفاق على الإطلاق.

 

الهاوية النووية

اليوم، إيران أقرب ما تكون إلى صنع القنبلة من أي وقت مضى. إذ تظهر أحدث التقارير الصادرة عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي نُشرت في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، أن إيران تجاوزت حدود اتفاق 2015، ويقوم خبراء طهران بصب معدن اليورانيوم، ويكتسبون خبرة قيّمة يحتاجونها لصنع مكونات أسلحة اليورانيوم. كما تجاوزت إيران حد التخصيب البالغ 3.67 في المائة التي حددها اتفاق عام 2015، وهي الآن تخصب اليورانيوم بنسبة تصل إلى 60 في المائة، وهي نقطة انطلاق سهلة لإنتاج يورانيوم مخصب بنسبة 90 في المائة وهي نسبة الوصول إلى الأسلحة النووية (أو المواد التي يمكن لإيران استخدامها مباشرة في الأسلحة إذا قامت بتعديل تصميمات أسلحتها النووية وصواريخها).

في غضون ذلك، نمت مخزونات إيران من اليورانيوم المخصب إلى أكثر من سبعة أضعاف الحد المسموح به في عام 2015، ولديها ما يكفي من اليورانيوم المخصب بنسبة 20 في المائة، 60 في المائة، لصنع قنبلة بسرعة من اليورانيوم عالي التخصيب المستخدم في صنع الأسلحة.

وعلى الرغم من الانفجار الدراماتيكي في أبريل/نيسان الماضي في أكبر منشأة تخصيب لديها، الذي يُزعم أنه نتيجة لعملية إسرائيلية، فإن إيران تُشغِّل عدداً من أجهزة الطرد المركزي أكثر مما يسمح به اتفاق عام 2015، بما في ذلك مئات من أجهزة الطرد المركزي المتقدمة، وتختبر أجهزة أكثر تقدماً.

إن مزيج مخزون اليورانيوم المخصب وأجهزة الطرد المركزي المتقدمة، سيمكّن إيران من إنتاج المواد اللازمة لقنبلة أولى في غضون شهر تقريباً، وهو إطار زمني سيستمر في التقلص مع زيادة مخزون طهران من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 بالمائة. وفي غضون شهرين آخرين بعد الاختراق الأول، يمكن أن يكون لدى إيران ما يكفي من المواد لصنع قنبلة ثانية، ثم الثالثة والرابعة بعد ذلك بوقت قصير.

في الوقت نفسه، ألغت إيران المراقبة الإضافية المتفق عليها في اتفاق عام 2015، واستمرت في تقديم معلومات خاطئة حول منشأ مفتشي جزيئات اليورانيوم الصناعي، التي تم العثور عليها في عدة مواقع غير معلنة (على الرغم من استمرارها في السماح بالتفتيش على برنامجها النووي المعلن).

قد تؤدي العودة إلى اتفاق عام 2015 إلى تأخير بعض التقدم النووي الإيراني، والتخلص من مخزونات اليورانيوم المخصب الإضافي، وإعادة التخصيب إلى 3.67 في المائة، وإيقاف تشغيل أجهزة الطرد المركزي المتقدمة. لكن المعرفة التي اكتسبها الإيرانيون لم يعد بالإمكان محوها. ويوماً بعد يوم، يكتسب الإيرانيون مزيداً من المعرفة في تخصيب معدن اليورانيوم، وتشغيل وتصنيع أجهزة الطرد المركزي عالية الأداء، والتعامل مع اليورانيوم عالي التخصيب دون التسبب في ردود فعل متسلسلة عرضية، وإحباط المفتشين الدوليين دون إثارة رد جاد.

ومع ذلك، فإن إنتاج ما يكفي من اليورانيوم عالي التخصيب لصنع سلاح نووي يختلف عن صنع سلاح نووي. فلصنع سلاح، سيتعين على إيران صب مكونات اليورانيوم وآليتها، وتصنيع متفجرات متنوعة لسحق كرة من اليورانيوم بكثافة أعلى بكثير، وصنع صواعق موقوتة بشكل متقن لتفجير تلك المتفجرات من جميع جوانب القنبلة في نفس الوقت، وبناء جهاز لإطلاق وابل من النيوترونات في اللحظة المناسبة لبدء التفاعل المتسلسل.

لقد عملت إيران على كل ذلك في برنامجها النووي القديم، لكن من غير الواضح إلى أي مدى تآكلت قدرات صناعة القنابل الإيرانية خلال 18 عاماً منذ انتهاء الأجزاء الرئيسة من جهود التسليح، أو إلى أي مدى تسبب اغتيال فخري زاده والعلماء النوويين الآخرين –فضلاً عن الوفيات الطبيعية وتقاعد الآخرين– بإعادة البلاد إلى الوراء.

يبدو أن عملاء المخابرات الإسرائيلية متفائلون، ويقدرون أنه حتى بعد أن تنتج ما يكفي من اليورانيوم عالي التخصيب، فإن إيران ستحتاج ما بين عام ونصف العام إلى عامين، لصنع قنبلة نووية. ربما يكون هذا الاتجاه صحيحاً، ما لم يكن لدى إيران مرافق سرية غير معروفة، ولكن بمجرد أن تنتج إيران ما يكفي من اليورانيوم عالي التخصيب، يمكنها إخفاء المادة بعيداً، مما يجعل من الصعب جداً العثور على أي برنامج لتصنيع قنبلة وتعطيله.

 

خيارات قاسية

إن التقدم السريع الذي أحرزته إيران على الجبهة النووية لم يترك للولايات المتحدة سوى القليل من الخيارات الجيدة. وبدون اتفاق نووي جديد، سيكون برنامج طهران النووي غير مقيد بشكل حقيقي، أو مجرد قيد الخوف من استفزاز ضربة عسكرية هو ما سيحد من تقدم إيران نحو صنع قنبلة. وبينما لا تزال معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية –إيران طرف فيها– تحظر على طهران صنع أسلحة نووية، لكن المعاهدة لا تمنع إنتاج أو تخزين المواد النووية الصالحة للاستخدام في الأسلحة، طالما أنها تخضع للتفتيش الدولي. نتيجة لذلك، قد تختار إيران زيادة مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المائة بحيث يكون لديها ما يكفي، إذا تم تخصيبه، لعدة قنابل نووية.

ومن المرجح أيضًا أن تواصل إيران اختبار وتصنيع أجهزة الطرد المركزي المتقدمة، بحيث تكون جاهزة للتحرك بسرعة –ربما في موقع سري–، إن قررت يوماً ما اتخاذ الخطوة الأخيرة نحو الأسلحة النووية.

وبالتالي، فإن الأدوات الحقيقية الوحيدة التي سيتعين على الولايات المتحدة امتلاكها، لتقييد إيران في هذه الحالة، هي التخريب والعقوبات. قد تحدّ العقوبات بدورها –بشكل متواضع– من الدعم المالي لإيران للجماعات المسلحة في الشرق الأوسط، لكنها ستسبب أيضاً معاناة كبيرة للشعب الإيراني. في المقابل، يمكن للتخريب أن يخلق نكسات لإيران، لكنها نكسات مؤقتة فقط، إذ لم يمنع أي منها –حتى الآن– إيران من إحراز تقدم جوهري نحو صنع قنبلة نووية. وتأتي مثل هذه الإجراءات مع مخاطرها الخاصة، والتي من المحتمل أن تزيد من الشعور الإيراني بالتهديد الذي يقوي موقف دعاة صنع القنابل في طهران، وقد يؤدي إلى تكثيف "حرب الظل" منخفضة المستوى بين إيران والولايات المتحدة وإسرائيل ودول الخليج.

في المقابل، إن تمكنت الولايات المتحدة من إحياء اتفاق 2015، سيقلل هذا من مستوى التهديد النووي الذي تشكله إيران، لكن ليس بالقدر الذي فعله الاتفاق الأصلي. فقد مضت أكثر من ست سنوات من الوقت الذي اشتراه الاتفاق، إلى جانب انقضاء معظم الآمال بأن يؤسس الاتفاق عادات التعاون التي يمكن لها بناء اتفاقيات إضافية عليها.

وحتى إن أوقفت إيران أجهزة الطرد المركزي الإضافية، وتخلت عن مخزونها الإضافي من اليورانيوم المخصب، فمن المحتمل أن تكون قادرة على تشغيل أجهزة الطرد المركزي نفسها مرة أخرى، في مواقع معروفة أو سرية، في وقت قصير نسبياً، ذلك إن اختارت انتهاك الاتفاقية.

كما يمكنها صنع المزيد من أجهزة الطرد المركزي، وتوسيع قدرتها على التخصيب بشكل أسرع بكثير مما كانت ستتمكن من ذلك قبل انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق 2015. (أحد أسباب عدم اليقين الرئيسة هو مدى سرعة إيران في صنع وتركيب المزيد من أجهزة الطرد المركزي المتقدمة هذه).

ووفقاً لإحدى التقديرات، فإن إحياء الاتفاق النووي من شأنه أن يطيل الجدول الزمني لإيران لإنتاج مواد قنبلة ما إلى خمسة أو ستة أشهر، وهي مدة مقدرة اليوم بشهر واحد فقط، فيما كانت مقدرة بعام تقريباً عندما تم تنفيذ الاتفاق بالكامل لأول مرة في عام 2016. وستشمل العودة إلى الاتفاق مرة أخرى رفع العقوبات الرئيسة عن إيران، وتقوية الحكومة الإيرانية وتقليل النفوذ الغربي.

وقد اقترح بعض الخبراء قبول نهج "الأقل مقابل الأقل"، فعلى سبيل المثال: يتم حمل إيران على التخلي عن مخزوناتها من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المائة، والتوقف عن تخزين المزيد من اليورانيوم المخصب، ووقف تركيب أجهزة طرد مركزي جديدة مقابل رفع بعض العقوبات. قد يُكسِب مثل هذا الترتيب بعض الوقت للمحادثات، لكنه ليس بأي حال من الأحوال حلاً طويل الأمد.

وقد حث آخرون إدارة بايدن، على التخلي عن إحياء اتفاق 2015، وفرض عقوبات أكثر صرامة لإقناع إيران بتقديم تنازلات، وعرض نهج "المزيد مقابل المزيد"، الذي يشترط أن تقبل فيه طهران قيوداً أكثر جوهرية من اتفاق 2015 –ربما مقترنة ببعض قيود على صواريخها وأنشطتها الإقليمية– مقابل رفع المزيد من العقوبات (وربما مزايا أخرى).

لكن الفوضى الحالية هي نتيجة حملة "الضغط الأقصى" التي قادها ترامب، لذلك ليس هناك سبب وجيه للاعتقاد بأن المزيد من نفس النهج سيؤدي إلى انفراج. ففي طهران، برر انسحاب ترامب من الاتفاق موقف أولئك الذين يجادلون بأن واشنطن لن تكون شريكاً موثوقاً به أبداً، وهؤلاء المتشددون يمتلكون الآن أدوات السلطة. علاوة على ذلك، يفترض أحدث اقتراح موازنة قدّمه الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي أن الاقتصاد الإيراني سينمو بنسبة ثمانية بالمائة في سنة الموازنة القادمة حتى بدون اتفاق نووي، مما يشير إلى أنه لا يشعر بالحاجة الملّحة لتقديم تنازلات. وتاريخياً، استجابت إيران للضغوط الغربية في بناء نفوذ عليها، من خلال محاولة بناء نفوذ مضاد خاص بها، وهو ما يفسر جزئياً، سبب قيام إيران بنشر الكثير من أجهزة الطرد المركزي، وتخزين الكثير من اليورانيوم المخصب، ودعم العديد من الجماعات المسلحة في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

قد يكون المسار الأكثر منطقية للتوصل إلى اتفاق أطول وأقوى، هو العودة أولاً إلى الاتفاق الأصلي، ثم محاولة إطالته وتقويته في المفاوضات اللاحقة، هذا يستحق المحاولة. ولكن نظراً لأن العودة إلى اتفاق 2015 سيتطلب رفع العديد من العقوبات عن طهران، فإن نفوذ واشنطن لشروط أفضل في المستقبل سوف تتقلص.

الخيار الأخير هو توجيه ضربة عسكرية، والتي يمكن أن تعطل مؤقتاً الكثير من البنية التحتية النووية الإيرانية. ورغم أن إيران يمكن أن تستخدم محطة فوردو لتخصيب الوقود –المحطة العميقة تحت الأرض– لإنتاج مواد القنابل، فإن بعض أنواع القنابل الخارقة للتحصينات يمكن أن تدمر المحطة، ويمكن تدمير الأنفاق المؤدية إلى الموقع. لكن سيتعين أيضاً تدمير المنشآت النووية الأخرى، جنباً إلى جنب مع الدفاعات الجوية الإيرانية المكثفة، مما يجعل مثل هذا الهجوم عملية جوية كبيرة ومعقدة، وهي أصعب بكثير من ضربات موقع واحد التي شنتها إسرائيل ضد مفاعل تموز العراقي عام 1981 ومفاعل الكبر في سوريا عام 2007.

مع التأكيد على أن الجيش الأمريكي قادر على تنفيذ مثل هذا الهجوم، بينما تعمل إسرائيل على تحسين قدرتها على القيام بذلك (رغم أن قدراتها للتزود بالوقود على المدى الطويل وخرق المخابئ محدودة بشكل أكبر). لكن بعد ذلك، من المرجح أن تعيد إيران البناء في مواقع سرية، وقد تقرر طرد المفتشين ومحاولة بناء سلاح نووي قبل اكتشافه ومهاجمته مرة أخرى. بعبارة أخرى، قد تؤدي مثل هذه الضربة إلى زيادة –بدلاً من تقليل– الاحتمال طويل الأمد لامتلاك إيران قنبلة نووية.

تتراوح تقديرات الوقت الذي يمكن أن تشتريه الضربة العسكرية من سنتين إلى خمس سنوات، وهو أقل مما يمكن أن توفره صفقة متفاوض عليها. وإن عثرت وكالات الاستخبارات الأجنبية في أعقاب الضربة على مواقع سرية جديدة، فستكون هناك حاجة إلى جولة أخرى من الضربات وربما أخرى بعد ذلك.

ومن شبه المؤكد أن إيران ووكلائها سيردون، ولديهم العديد من الخيارات، من الصواريخ بعيدة المدى التي يمكن أن تصل إلى إسرائيل، إلى ما يقدر بـ 100000 صاروخ ومقذوف في أيدي حزب الله، إلى الطائرات بدون طيار فائقة الدقة (درون)، التي نفذت ضربات تحذيرية لأكبر منشأة نفطية سعودية عام 2019.

في المقابل، فإن كلا الطرفين إيران والولايات المتحدة، لا يرغبان في حرب أخرى واسعة النطاق في الشرق الأوسط، وخطر التورط في واحدة من مثل هذه الحروب سيكون كبيراً. وبالطبع، فإن الهجمات العسكرية على دول أجنبية دون مبرر الدفاع عن النفس هي هجمات محظورة بموجب القانون الدولي. بشكل عام، فإن خيار الضربة العسكرية هو الأكثر خطورة على الإطلاق، على الرغم من أنه يجب التفكير فيه إذا بدأت إيران سباقاً للحصول على القنبلة.

 

التجرّع الصعب، والاتفاق

باختصار، ترك التقدم النووي الإيراني للولايات المتحدة بعض الخيارات السيئة، فلن تُكسِب استعادة اتفاق 2015 الكثير من الوقت أو الأمان كما فعل الاتفاق الأصلي، ولكن القيام بذلك هو أفضل مجموعة من الخيارات السيئة. إذ لن تؤدي العودة إلى الاتفاق فقط إلى تقييد برنامج إيران من الناحية الفنية، ولكن من خلال تقليل التهديدات الموجهة لإيران وخلق تدفق للمنافع ناتج عن التعاون مع الغرب، كما سيضعف التيار المؤيد لصنع القنبلة النووية في طهران، ويعمل على تقوية أولئك الذين يجادلون بضرورة احتفاظ إيران بخيار بناء القنبلة، دون تكبد تكاليف بنائها فعلياً.

في نهاية المطاف، تمتلك إيران القدرة التقنية على صنع سلاح نووي. وعليه يجب أن يكون هدف واشنطن إقناع قادة إيران باختيار عدم القيام بذلك. وعليه فإن إدارة بايدن محقة في محاولة إيجاد طريق للعودة إلى الامتثال للاتفاق الأصلي، ومن هناك إلى اتفاق متابعة أطول وأقوى. ولكن مع تشكك القيادة الإيرانية المتشددة بشكل مبرر في الوعود الأمريكية، فليس هناك ما يضمن إمكانية العودة إلى اتفاق 2015.

وبمرور الوقت، ستستمر فوائد العودة إلى الاتفاق الأصلي بالتقلص. علاوة على ذلك، لن يكون من السهل الحد من مخاطر البرنامج النووي الإيراني بعد انتهاء بنود الانقضاء، ولن يكون من السهل تقييد برنامجها الصاروخي المتقدم، أو معالجة دعمها للجماعات المسلحة في جميع أنحاء الشرق الأوسط. في النهاية، المطلوب هو علاقة مختلفة بين إيران وجيرانها في الشرق الأوسط والغرب، وستكون العودة إلى الاتفاق النووي خطوة إلى الأمام على هذا الطريق الطويل والصعب.

 

تأليف: ماثيو بون: أستاذ تطبيقات الطاقة والأمن القومي والسياسة الخارجية بجامعة جيمس ر. شليزنجر، ورئيس هيئة مشروع إدارة الذرة في كلية هارفارد كينيدي.

ترجمة: عبد القادر نعناع: باحث وأكاديمي مختص بشؤون الشرق الأوسط.

 

للعودة إلى النص الأصلي، انظر:

Matthew Bunn, "America Has No Good Options on Iran: But Reviving the Nuclear Deal Is the Least Bad", Foreign Affairs, January 17, 2022:

https://www.foreignaffairs.com/articles/israel/2022-01-17/america-has-no-good-options-iran