حول المشروع التركي في "العودة الطوعية" للسوريين

 


هناك إشكاليات كثيرة في الطرح هذا، فأولاً هناك إشكالية مفاهيمية، من خلال إكراه السوريين على العودة بطرق عدة، أحدثها ما يسمى "العودة الطوعية"، المتمثلة بتضييق المجال التركي أمامهم، وإيقاف أوراقهم القانونية وملاحقتهم في أعمالهم ومنازلهم، وصولاً إلى تعريض حياتهم ومصالحهم للخطر بشكل مستمر، ثم الإكراه القسري على العودة، هذه ليست عملية طوعية البتة، من حيث المفهوم.

ثم إن العودة الطوعية تكون عودة إلى الوطن الأم بعد حدوث استقرار سياسي فيه، أو خلق مبادرات دولية وعملية سياسية متكاملة، أما عملية بناء مجمعات اسمنتية على عجل، أشبه بالمعتقلات، هي عملية نقل السكان إلى مخيمات من نوع جديد، ووضعهم تحت سلطة غير شرعية، تأتمر بأوامر الاستخبارات التركية، وليست سلطة محلية شرعية نابعة من عملية سياسية.

هي بالتأكيد عملية بالغة الضرر على ملايين السوريين، وفي حال تنفيذها، ستقود إلى اضطرابات اجتماعية جديدة، قد توصل إلى مرحلة انفجارات اجتماعية أمنية واقتصادية وسياسية داخل تلك التجمعات السكنية الجديدة، ستطال الجانب التركي حتماً، المتحكم بإدارة تلك المناطق.

عدا عن أن هذه العملية، هي بالأساس مصممة للتخلص من أكبر قدر من السوريين المقيميين في تركيا، عوضاً عن السعي لإيجاد قوانين ناظمة لهذا الوجود وحامية له، هي عملية مناكفة سياسية، لم تقدم عليها الحكومة التركية، إلا عندما أدركت أنها في موقف بالغ الحرج انتخابياً، ونتيجة إخفاقات اقتصادية لم تستطع معالجتها إلا من خلال تحميلها إلى السوريين.

السوريون في تركيا، هم مصدر دخل كبير لتركيا، على عدة مستويات، سواء من خلال الدعم الدولي للحكومة التركية كونها تستضيف السوريين، أو عبر استثمارات السوريين الخاصة، أو كونهم عمالة رخيصة للغاية تقلل من تكاليف الإنتاج التركي، أو نتيجة المنح الأوروبية والعربية التي تصل إليهم، أو نتيجة التمويلات السياسية التي تتدفق على المؤسسات السورية، أو نتيجة الحوالات العائلية الداعمة لوجود أقاربهم في تركيا، أو نتيجة استثمارات عربية أتت بالأساس لتواكب الحضور السوري في تركيا.

تعلم الحكومة التركية ذلك جيداً، لكنها في مفاضلة صعبة بين الانتخابات وبين المنافع الاقتصادية، لذا تفضل كسب الانتخابات عبر المدخل السوري، ولو كان هذا المكسب غير إنساني وغير نفعي اقتصادياً.

كان بإمكان الحكومة عبر عقد من الزمن، صياغة قوانين ناظمة للوجود السوري، تمنع استغلالهم كورقة انتخابية ضاغطة، لكنها فضلت استخدامهم هي بدورها في ذلك، ما دفعها إلى مثل هذه الطروحات اليوم.

هذا يؤثر سلباً في كل السوريين في تركيا، حيث أنه يخلق حالة عامة من الإحساس بالقلق من عدم الاستقرار النفسي والمادي، ويخلق اضطرابات نفسية تدفعهم للبحث عن مخارج نحو هجرة غير شرعية مهما كانت تكلفتها، عدا عن أنه يجعلهم في حالة قلق دائم من تعرضهم للاعتداء، وخوفهم من فقدان ممتلكاتهم التي عملوا على بنائها خلال عقد من الزمن.

العودة الطوعية، هي تلك التي تكون نتيجة عملية سياسية تقود إلى حل لأزمة مستعصية، تضمن أمن وسلامة الجميع، ونقل جميع ممتلكاتهم، وعودتهم إلى منازلهم التي خرجوا منها، والعيش في ظل سلطة شرعية تمثلهم هم وحدهم، وبضمانات أمنية حقيقية، وليست أبداً ما يتم تروجيه من طرف واحد إكراهاً، ودون أية ضمانات.

 

د. عبد القادر نعناع

أكاديمي وباحث في العلاقات الدولية