مظاهر من التدخل الإيراني في الشرق الأوسط

بالتنسيق مع مركز الخليج للدراسات الإيرانية (شريكنا البحثي في الشأن الإيراني):

يرصد المكتب الاستشاري لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (The Consulting Office for MENA: Risks & Solutions)، المعني بدراسة المخاطر في الإقليم، مظاهر التدخل الإيراني، ويحدد المكتب إيران باعتبارها الفاعل الأكثر خطورة في التنافس الإقليمي-الدولي الحاصل في المنطقة.





ووفقاً للمكتب، فعلى امتداد العقد الماضي، تنافست عدة قوى في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لملء فراغ استراتيجي وقع لأسباب عديدة. تمثلت هذه القوى في كل من: الولايات المتحدة وحلفاؤها، روسيا، إيران، تركيا، السعودية، الإمارات، قطر. ويرى المكتب أن إيران طالما سعت لخلق ما يمكن اعتباره مجالاً حيوياً إيرانياً معاصراً، يقوم على أسس تاريخية وقومية ومذهبية، وذلك باستخدام طريقين رئيستين:

·       التدخل غير المباشر: حيث توظف إيران مجموعة من الوكلاء الإقليميين، بمن فيهم: الميليشيات الشيعية (الأتباع الدينيين)، الجماعات الإسلامية المتطرفة (أصحاب أيديولوجية القومية الإسلامية)، وبعض الأنظمة السياسية والنخب العربية (النفعيين).

·       التدخل المباشر: فيما لم تستخدم إيران قواتها المسلحة بشكل احتلالي مباشر للدول العربية، إلا أنها ترسل مستشارين عسكريين وفرقاً من جنودها لدعم حلفائها ووكلائها في المنطقة، وتبني قواعد عسكرية غير دائمة (صغيرة ومتناثرة)، كما تقوم بتسليح حلفائها وهذه القواعد.

ويحدد المكتب أربعة مظاهر من مظاهر التدخل الإيراني في الإقليم، والتي تفرض تهديداً طويل الأمد للسلام في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

 

أ-البؤر الاستراتيجية الإيرانية في العالم العربي:

ويمكن تقسيم أشكال التمدّد الإمبريالي الإيراني في البيئة العربية، وفق بؤر متوالية، تتغير طبيعتها القائمة وفقاً للمتغيرات الإقليمية والدولية، إلا أنها تبقى ثابتة في الفكر المؤسِّس للمشروع الإيراني:

1.   بؤر الارتكاز الاستراتيجية: وتشكِّل هذه البؤر عماد المشروع الإمبريالي الفارسي، وقاعدة التأصيل له عربياً، ومنطلق العمليات التوسعية اللاحقة، وتشمل كلاً من العراق ولبنان وسورية. وقد استطاعت إيران فرض هيمنة عسكرية مباشرة عليها، وتحديد أطر العلاقات السياسية داخلها وفق إملاءات الحرس الثوري.

2.   بؤر تمدّد استراتيجي: وتشكِّل هذه البؤر أهمية كبرى، لناحية استقرار المشروع الإمبريالي، وحمايته، عبر تغليفه للبؤر الأولى بمناطق عزل ثقافي-مذهبي، تتحوَّل لاحقاً إلى عازل سياسي-عسكري تجاه المحيط الخارجي، يمنع تسرب مقاومة عربية إلى داخل الكيان الإمبريالي، وتشمل الميليشيات الحوثية في اليمن، فيما أخفقت إيران في ضم مصر والسودان إلى هذه البؤر، بعد تصفية مقومات مشروعها في هذه الدول.

3.   بؤر التوسع الفائض: وتشكِّل مناطق هذه المجموعة فائضاً استراتيجياً في المشروع الفارسي، تستكمل به الهيمنة على العالم العربي ككل، جاعلة منها خط دفاع أول، وربما قابلٍ للمساومة في مواجهة المشاريع المنافسة له. وتشمل دول المغرب العربي، حيث تعتبر تونس بوابتها (كل الأطراف التونسية كانت داعمة للطروحات الإيرانية: الإسلاميين، العلمانيين، القوميين العرب). تشكل هذه البؤر داعماً إسنادياً لوجستياً للبؤر السابقة، عبر توظيف معطياتها في ترسيخ المشروع الإيراني (تشييع واستقطاب نخب).

4.   الهدف الاستراتيجي الأعلى: ويشمل دول الخليج العربي كافة، بحثاً عن السيطرة المباشرة على الحرمين الشريفين، وفق ادعاءات دينية-قومية، عبر إحاطة هذه الدول ببؤر ارتكاز وتمدّد وتوسع، واختراقها من داخلها عبر تغذية صراع الهويات المذهبية. بالإضافة إلى محاولات اختراق عديدة وبأدوات مختلفة، دينية أو اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية.

 

ب-آليات الاختراق الإيراني:

يعتبر المكتب أن المشروع الفارسي، مشروع بعيد المدى، يستهدف كل محيطه العربي، مستفيداً من أية اضطرابات تقع في هذه البيئات، دافعاً إلى توظيفها بأقصى حدودها من خلال جملة آليات اختراق، لعلّ من أهمها:

·       الربط بين إيران والدولة المستهدفة باتفاقيات التعاون (الاختراق الدبلوماسي).

·       الإسناد التاريخي وإعادة كتابة تاريخ مصطنع للحضور الفارسي فيها (الاختراق الثقافي).

·       إنشاء مشاريع استثمارية ذات أبعاد استخباراتية (الاختراق الاقتصادي).

·       إعادة بناء المجتمع مذهبياً، عبر تغيير هويات البنى الديموغرافية (الاختراق البشري الهويتي الديني/ التشييع واستقطاب النخب).

·       الاستحصال القانوني على وضع مميّز للأقلية (الاختراق القانوني).

·       العمل على استحداث أزمات داخلية أو تغذية أزمات قائمة (الاختراق السياسي).

·       إسناد النظام السياسي أو المجموعات البشرية التي تمّت مذهبتها/ تشييعها في مواجهة الطرف الآخر عبر أدوات القوة الصلبة (الاختراق العسكري).

 

ج-صناعة الأقليات في العالم العربي:

حيث عملت إيران ضمن المجال المشرقي على تغذية النزعات الأقلوية، خاصة لدى الشيعة والعلوية والأكراد في مواجهة الدولة العربية، عبر دعمها تحت غطاء ديني-قانوني. لكنها اصطدمت بمجتمعات عربية لا تضمّ أقليات شيعية، لذا عمدت إلى أحد خيارين:

·       إمّا خلق أقليات في المجتمع (التشييع).

·       أو تبنّي قضية الأقليات العرقية. وننوّه هنا إلى ذات المسلك الإسرائيلي تجاه استقطاب الأقليات في العالم العربي (الأكراد في العراق، والأمازيغ في المغرب).

·       إجبار سكان المناطق المستهدفة على النزوح منها بالقوة العسكرية، لتصبح مناطق نفوذ إيرانية، يتم إعادة هندستها بشرياً، عبر توطين ميلشيات إيران الشيعية فيها، والتي يتم استقطابها من عدة دول للقتال في الدول العربية.

 

د-التبشير المذهبي (التشييع):

تنهج عمليات التشييع (الإثني عشري) منهجين متوازيين ومتكاملين، أي أنّهما يتِمَّان في ذات الوقت، ولكن بشكل منفصل ظاهرياً، ومتكامل في حقيقة المشروع:

  • تشييع بؤر منفصلة داخل مراكز الدولة، تتميز بنخبويتها السياسية والثقافية، تعمل على اجتذاب الأطراف، ويكون الاعتماد الرئيس عليها في محاولة السيطرة على الدولة لاحقاً.
  • تشييع بؤر جغرافية أشبه بالكانتونات، تكون متطرِّفة عن المركز، تشكِّل فيما بعد شريطاً جغرافياً-ديموغرافياً متكاملاً، يمكن فصله في حال إخفاق خطة السيطرة على الدولة.



ويعتبر المكتب الاستشاري، أن إيران هي اللاعب الإقليمي الأكثر جرأة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وهو ما سمح لها بأن تفرض سيطرتها داخل أربع دول عربية، عبر: (1) منهج الاستفادة من المخاطر، (2) طموح الهيمنة الإقليمية.


د. عبد القادر نعناع

رئيس المكتب الاستشاري لشؤون الشرق الأوسط 


المادة منشورة على موقع المكتب الاستشاري لشؤون الشرق الأوسط