دراسة في إشكاليات وفرضيات وقف إطلاق النار في الحرب الإسرائيلية على غزة 2023




يُعتَبر إشعال حرب أمراً فردياً مُناطاً بجهة أو قائد أو جماعة مسلّحة، لأهداف متعدّدة، لكن إيقاف الحرب لن يكن فردياً بشكل من الأشكال. فالحرب دعوة لكلّ الأطراف المعنية (دولاً وجماعات) للمشاركة في الحصول على مكاسب أو تصفية قضايا عالقة، أو حتى لأسباب تتعلق بالانتقام التاريخي وتصحيح أوضاع راهنة أو مختلّة في ميزان القوى، وسواها من مبرّرات انخراط عديد من الأطراف في الحرب، وخصوصاً أنّ الحرب غالباً ما تكون استمراراً لإشكاليات سياسية قائمة.


إشكاليّة انخراط عدة أطراف سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، تخلق إشكاليّة أخرى تتعلّق بتعثر مسار الحرب وفق تصور صانعيه، فكثيراً ما انحرفت الحروب عما خُطِّطَ لها لتتحوّل إلى كارثة على أطرافها، كما حصل في الحربين العالميتين مثلاً، أو في الغزو العراقي للكويت عام 1990.


نناقش في هذه الدراسة، بعض الإشكاليات التي طرأت في مشهد الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي في غزة بعد عملية طوفان الأقصى –التي اندلعت في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023–، بهدف بناء سيناريوهات لتوقّع المسار المفضي إلى وقف إطلاق النار، وهو المحور الأخير، أو النتيجة التي نسعى للوصول إليها.


لكن قبل ذلك، لابدّ من تحديد مقوّمات مشهد النزاع لفهم مداخله المُفضِيَة إلى احتمال وقف إطلاق النار. فيما نحاول أن نطبّق فرضيّات عرضها كل من: Govinda Clayton وزملائه حول المسارات المفترضة لوقف إطلاق النار.


حيث تستعرض هذه الدراسة الإشكاليّة في تحديد الطرف البادئ في العمليات العسكرية، وذلك بهدف تحديد المسؤولية في القانون الدولي. وعليه يمكن تحديد أهداف كلا الطرفين حماس وإسرائيل.


ويبدو أن هناك نهجاً جديداً تسعى إسرائيل والولايات المتحدة إلى تطبيقه على حماس بهدف تصفيتها، وهو نهج تشبيه الحدث بأحداث أيلول/سبتمبر 2001، وتشبيه حماس بداعش، وهو تشبيه لابدّ للدراسة من التوقّف عنده.


كما تتناول هذه الدراسة تكاليف الحرب المتنوعة، وتكاليف استمرار الحرب، لما في ذلك من تأثير على مستقبل التفاوض والتسوية بين الطرفين. حيث تقوم إشكاليّات تعيق عملية التفاوض بينهما، وأبرز تلك الإشكاليات هو الدور الأمريكي الرافض للتسوية، حتى لحظة إعداد هذه الدراسة. 


قبل أن تنتقل الدراسة إلى اختبار فرضيّات Clayton وزملائه لوقف إطلاق النار، بهدف بناء سيناريوهات وقف إطلاق النار.


بالإجمال تستند الدراسة إلى منهج دراسة الحالة، في الفترة الزمنية الممتدة بين 7 تشرين الأول/أكتوبر و14 تشرين الثاني/نوفمبر.


ترى الدراسة أنّ الإشكال بين طرفيّ النزاع هو إشكال دائم، وعليه فإنّ الانتفاضات المدنية والنزاعات المسلّحة والحروب، هي فعل طبيعي بالنتيجة، وفعل متواصل، باعتبار أنّ هذه الأفعال حقّ من حقوق أصحاب الأرض، كما تقرّ بذلك المواثيق والقوانين والأعراف الدولية، وكما يفرضه الوعي البشري السليم بالذات وبالهوية، عدا عن أنّ الإشكال متصل بالإشكال الإقليمي في الشرق الأوسط، والمضطرب في العقود الأخيرة، ضمن فاعلين متعددين (فاعلين من الدول ومن دون الدولة).


ويتعمق الإشكال نتيجة موقف القانون الدولي. حيث يقر القانون الدولي لإسرائيل بحق الدفاع عن النفس باعتبارها تعرّضت لاعتداء من قبل جماعة مسلحة دون الدولة، ويترافق ذلك مع دعم أميركي لإسرائيل ضمن مجلس الأمن، ما يعيق اتخاذ أية إجراءات عقابية على إسرائيل. ومن جهة ثانية، لم تحترم إسرائيل المواثيق الدولية والمعاهدات والاتفاقيات ومسارات التفاوض بين الطرفي، كما أنّها رفضت تطبيق قرارات الأمم المتحدة (الجمعية العامة ومجلس الأمن الدولي)، وتستمر بانتهاك القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني عبر مجازر ترقى إلى مستوى جرائم حرب.


وتتنوع أهداف الطرفين من هذه الحرب. ففي حال حماس، يمكن القول إن هناك أهداف غير معلنة تتعلق بالترتيبات الإقليمية وحلفائها في المنطقة، وأهدافاً معلنة غير مباشرة تتعلق باستمرار النضال التحرري، وهدفاً مركزياً معلناً مباشراً وهو الوصول إلى صفقة تبادل أسرى.


وشكّلت عملية حماس، إهانة بالغة الحدة لإسرائيل ومشاريعها الإقليمية، وأمنها الداخلي، وسمعتها الدولية، ومنظوماتها الأمنية والعسكرية. وعليه، فإن أهداف إسرائيل من الحرب، تتمحور حول الانتقام واستعادة السمعة وتدمير حماس، حتى لا تتكرر الحادثة من جهة، وحتى تكون مشاريعها أكثر استقراراً في الإقليم، مهما كانت تكلفة عملية الانتقام. وقد قادت عملية طوفان الأقصى إلى استحضار الروح الانتقامية لأحداث أيلول/سبتمبر 2001، وسعياً أميركياً لتصفية حماس بنهج تصفية داعش.


ونتيجة التكاليف الباهظة التي تكبدتها إسرائيل، السياسية والبشرية والاقتصادية وعلى مستوى سمعة إسرائيل، وضعت إسرائيل أهدافاً بالغة التطرف قبل الوصول إلى وقف إطلاق النار، عقّدت عملية التفاوض بشكل كبير.


وقد اختبرت الدراسة مجموعة فرضيات، ظهرت من خلالها إسرائيل غير مستعدة أو راغبة بوقف إطلاق النار، مع وجود دعم أمريكي وغربي واسع لها، وشارع إسرائيلي يتطلع إلى اجتثاث حماس. وفيما تزداد التكاليف البشرية والمادية على حماس، وتجعلها أكثر استعداداً لتقديم التنازلات. لكن حماس تواجه مشكلة أكبر، تتعلق بالمعادلة الصفرية، أو تطلّع إسرائيل والولايات المتحدة إلى اجتثاثها –وربّما كل الفلسطينيين– من قطاع غزة نهائياً.


وحيث وضعت الدراسة مجموعة من السيناريوهات للوصول إلى وقف إطلاق نار، فإنّها نعتقد أنّ السيناريو الأكثر ترجيحاً للوصول إلى وقف إطلاق نار (مع تحييد المتغيرات الأخرى والمتغيرات المستقبلية)، هو:

ارتفاع كلفة الحرب السياسية والبشرية والاقتصادية، مع وجود وساطة مقبولة من كل الأطراف، مترافقة مع ارتفاع مستوى الإدانة العالمي للجرائم الإسرائيلية.


الدراسة متاحة للتحميل على موقع المكتب الاستشاري لشؤون الشرق الأوسط، بصيغة PDF:

https://www.risks-solutions.com/study/the-problems-and-hypotheses-of-acease-fire-in-the-israeli-war-on-gaza-in-2023-arabic
كما أنها متاحة بشكل موجز على شكل بودكاست، يمكن الاستماع لها على قناة الدكتور عبد القادر نعناع، على الرابط التالي:https://youtu.be/GYR0P83k0Ak?si=geRPJAgl45cuPw0a